بعد عشرين عامًا من الإدمان
دعوات الأم والنية الصادقة تُنقذ ياسر من المخدرات
لا يوجد في عالم المخدرات تجربة، فالتجربة طريق التهلكة، والدخول إلى العالم المظلم للمخدرات يصعب على صاحبه الخروج منه. وفي جمعية بشائر الخير التي تتخذ من مقولة «بالإيمان نقضي على الإدمان» شعارًا لها، وتمد يدها لكل من يعاني من الإدمان بغض النظر عن الجنسية أو العمر أو النوع لتنقية المجتمع من آفة المخدرات، كان لنا لقاءات مع عدد من المدمنين المتعافين التائبين، ممن تجرعوا سم المخدرات ونجحوا في الخروج من دائرتها المظلمة. في هذه الحلقة يروي لنا ياسر قصته مع الإدمان وعوالم المخدرات التي امتدت لعشرين عامًا حتى تمكن من التعافي والتوبة.
ياسر: المخدرات سببت لي مشكلات نفسية وخسرت دراستي ودوامي من ورائها
”تعاطيت المخدرات عشرين عامًا.. والله العظيم فائدة واحدة لم أجدها لها! في النهاية سببت لي مشكلات نفسية وخسرت دراستي ودوامي وكل شيء من ورائها”.. هكذا يلخص ياسر (اسم مستعار) معاناته مع المخدرات في رحلة استمرت لعقدين كاملين.
يستهل ياسر حديثه قائلًا:
”بدأت في عالم المخدرات تقريبًا بعمر السابعة عشرة أثناء الدراسة، كنت وعدد من أصدقائي الذين وصل عددهم لعشرة نهرب من المدرسة والدوام ونتعاطى المخدرات. وفي البداية كانت سجائر عادية، وبإحدى المرات تعاطى واحد من الجماعة إحدى السجائر المحشوة بالحشيش، وحين رأيته يضحك وينتشي قال أصدقائي إن الحشيش (جوه حلو) يجعلك تضحك و(تستأنس) وعرضوا عليّ التجربة”.
تردد ياسر في البداية بتجربة السجائر المخدرة، لكن صحبته السيئة ساهمت في طريق الإدمان “ظللت ألح عليهم بالسؤال إن كان ضارًا أو يسبب مشكلات، فأكدوا أنه يخلق جوًا جميلًا فحسب، ومن هنا كانت المرة الأولى التي أتعاطى فيها مخدرًا بحياتي”.
اللحظة الأولى مع التعاطي ترتبط لدى ياسر بشعور مختلط زائف، إذ يقول: “شعرت للمرة الأولى التي تعاطيت فيها المخدر بالنشوة والضحك المستمر بلا سبب، ثم دوخة مفاجئة ليتكرر الأمر مرات عديدة”.
كانت تجربة المخدر في أول الأمر بلا مقابل مادي، ومع حاجته إليها أصبح يُطلب منه دفع الأموال “عندما بدأت في طلب المخدر طُلب مني دفع الأموال للحصول عليها. وكنا نشترك أنا وأصدقائي للحصول على المخدر. وبعد فترة تطور التعاطي، إذ عرض عليّ من يقدم لنا السجائر تجربة الحبوب باعتبارها أقوى في مفعولها، ما جعلني لفترة أجمع بين السجائر والحبوب”.
أتجه نحو السرقة للحصول على الأموال الكافية لشراء المخدرات
كانت بداية خسارات ياسر حين طرد من المدرسة ويقول: “تطور وضعي في التعاطي وزادت فترة غيابي عن الصفوف الدراسية حتى طردتني المدرسة؛ لأنني لا أذهب إلى الدوام، وصرت أنكر حالة إدماني تمامًا. ومن هنا صارت كل حياتي في المخدرات وأنواعها، إذ كان المخدر أفضل شيء في الحياة بوجهة نظري”.
تسبب الإدمان في نهج ياسر لسلوك السرقة، حيث لم يجد ما يكفيه من أموال للحصول على المخدرات:
”مع استمراري في المخدرات فترة طويلة أصبحت المبالغ التي لدي أقل مما أحتاج إليه، ما جعلني اتجه نحو السرقة مثل سرقة المحلات. وأصبح حتى أهلي لا يأمنون لي، فكان أبي يبعد عني محفظته وأمي كذلك لأنهما يعلمان نيتي في السرقة للحصول على جرعات المخدر”.
في داخله رَغِب في التخلص من الإدمان على المخدرات، لكنه كان يجد نفسه على الدوام عاجزًا عن هذا الأمر، إذ ارتبط تعاطي المخدرات ببداية يومه وبكل خطوة من خطوات حياته.
بعد عشر سنوات من التعاطي دخلت إلى مصحة علاجية بلبنان ولكن التعافي لم يكتمل!
جاءت الخطوة الحقيقية من ياسر نحو التعافي بعد عشر سنوات من التعاطي ويقول:
”دخلت إلى مصحة علاجية بلبنان، وكنت أبكي على وضعي أثناء الإدمان لأنني كنت في غفلة. غير أن المرة الأولى للعلاج لم تكن الأخيرة مع الأسف، إذ ظللت شهرين بعيدًا عن الإدمان، ولكن مع لقائي لربعي وأصدقائي اختلف الأمر! حيث قدموا لي السجائر، ومجددًا قبلت منهم وانجرفت للمرة الثانية مع تيار الإدمان”.
كما اقترنت عودته للمخدرات مع دخوله إلى السجن: “مكثت في السجن مدة تصل إلى عامين بسبب السرقة، وفي داخل السجن كنت أتعاطى المخدرات أيضًا”.
في هذه الفترة تعرف ياسر على جمعية بشائر الخير التي قدمت له يد المساعدة وكانت تنظم المحاضرات، ويقول “أخذوني في رحلة عمرة إلى بيت الله الذي حين رأيته أمامي انهرت من البكاء وشعرت بالارتياح النفسي كثيرًا وغيرت حياتي، واستطعت الحياة سنة كاملة دون المخدرات. غير أن دائرة الأصدقاء الذين يحثونني على التعاطي تواصلوا معي مرة أخرى، فانتكست مجددًا”.
أصبحت المخدرات عنوانًا لكل أيامي وحياتي وصارت محور حياتي
يقول ياسر عن حياته: “أصبحت المخدرات عنوانًا لكل أيامي وحياتي، فأصبح محور حياتي إما التعاطي أو محاولة التعافي من الإدمان لا زواج أو أموال أو أطفال أو مشاريع أو أي تقدم في الحياة نفسها”.
ومرة أخرى يسلك ياسر طريق العلاج، حيث التحق بمصحة خارج البلاد وتمكن فيها من التعافي، ولكن سرعان ما أصابته انتكاسة جديدة ليعود مجددًا للإدمان “في داخلي كنت راغبًا في السير بطريق الاستقامة، ولكن كنت أجد نفسي عاجزًا في كل مرة. وكنت قريبًا من أمي وأطلب منها الدعاء دائمًا.
ودعوات أمي الصادقة كانت سببًا في نجاتي من المخدرات، فهي كانت تعرف أنني بداخلي أرغب بشدة في التوبة عن المخدرات”.
غيبوبة لمدة تقارب خمس ساعات دخلت بها من وراء المخدر كانت سبب اتخاذ قرار التعافي
وبعد ما يقرب من عشرين عامًا في ظلمات الإدمان وتردد مستمر على مخفر الشرطة الذين عرفوا ياسر من كثرة إمساكهم به، مر ياسر بموقف جعله يتخذ القرار الذي سيجعله يتوقف تمامًا عن الإدمان، ويقول “كان السبب في قرار التوبة والتعافي النهائي موقف مررت به أثناء تعاطي مادة مخدرة مميتة، كنت في سيارتي وقتها ثم دخلت إلى غيبوبة لمدة تقارب خمس ساعات لم أشعر فيها بأي شيء حولي بينما كنت في وسط الشارع بسيارتي!”
يستكمل قائلًا:
”في هذه اللحظة فكرت في سبب حياتي بهذه الدنيا، ودعوت الله إما أن أموت أو يجعلني أبتعد عن المخدرات. وبعد هذا الموقف عدت إلى البيت واستحممت وجلست عند قدمي أمي أطلب منها السماح وأخبرها بتوبتي عن المخدرات والتعاطي بأكمله”.
منذ هذه اللحظة بدأ ياسر في الانتظام بالصلاة وحضور المحاضرات بجمعية بشائر الخير، ومع الوقت بدأ التعافي من المخدرات “الآن حتى وإن رأيت أمامي من يتعاطون المخدرات لا تشتهي نفسي لها مطلقًا ومنذ 2019 وحتى ثلاث سنوات أصبحت في حالة تعاف كاملة من المخدرات. عدت إلى وظيفتي وبدأت أتخلص مما كان علي من مديونيات، وفي الوقت الحالي اجهز لزواجي وبناء أسرتي الجديدة بإذن الله”.
ويصف ياسر المخدرات بـ “طريق هلاك” ووهم، كما أنها عدو وكارثة وآفة، وينصح كل شخص بألا يجرب المخدرات لأن الدخول يكون سهلاً، ولكن الخروج صعب للغاية، بل وأحياناً مستحيل. كما يوصي كل مدمن يرغب في التعافي بأن يلتحق بجمعية بشائر الخير؛ لأنها تدعم وتساند كل من يسعى للتعافي من المخدرات ومضارها التي لا تعد.
وعن أصعب ما مر به أثناء التعافي يقول: “في فترة التعافي من المخدرات أظل مدة 4 أيام بدون أكل، وأشرب الماء والسوائل فقط بسبب الخرمة أو ما يعرف بأعراض الانسحاب، إلى جانب الارتجاف والعصبية وغيبة الدماغ كما يشغل التفكير كاملًا المخدرات والحصول عليها”.
المخدرات مثل البئر إن لم تجد من يسحبك من أعماقها ستكمل باقي الحياة بداخلها
ويختتم ياسر قائلًا:
”منّ الله علي بعمر جديد، فالمواد المخدرة التي تعاطيتها كانت لتجعلني في عداد الأموات، ولكن الله له حكمة في منحي فرصة للتوبة والتعافي. والمخدرات مثل البئر إن لم تجد من يسحبك من أعماقها ستُكمل باقي الحياة بداخل البئر، والإنسان وحده هو من يغير نفسه ووضعه”.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي