فنلقاء الغلاف
أخر الأخبار

كف ودفوف».. المفارقة بين مـرض العقـول ومـرض القلـوب

مسلسل «كف ودفوف» عمل أثار الجدل منذ الإعلان عنه، بشأن طبيعة قصته، وسط أقاويل تفيد بأنه مقتبس عن قصة حقيقية وقعت في الكويت قبل عقود، إلا أن المسلسل الذي تبدأ أحداثه قبل نحو 40 عاماً، تطرق إلى القصة بمنظور مختلف، حيث تدور أحداثه في الثمانينبات من القرن الماضي، حول فرقة شعبية تقودها (أم سامي) وهي امرأة مسنة، وعندما لم يعد باستطاعتها إدارة الفرقة، تكلف (سليمة) بمهمة إدارة الفرقة النسائية لما تتمتع به الأخيرة من حكمة وحضور وصوت جميل.

«سليمة» صفعتها كفوف البشر.. وآنستها الدفوف!

تتعرض (سليمة) لأزمات على الصعيد الشخصي والإنساني ما يدفعها للتوقف عن الغناء والدخول في حالة نفسية، إضافة إلى أنها تعاني أصلاً من مشاكل نفسية تتطور فيما بعد من خلال حالة (الشيزوفرينيا) أو الفصام، حيث تعاني من هلاوس سمعية وبصرية.

القصة الرئيسية للعمل تكمن في أعضاء الفرقة الشعبية، ثم يتشعب من ذلك عدد من القصص الثانوية ويتنقل المسلسل من خبايا فرق الفنون الشعبية التي يحاول أفرادها الارتقاء في السلم الاجتماعي من بوابة الشهادة العلمية أو اكتساب الأموال، إلى دهاليز الصحافة وصراع الفساد والنزاهة في السلطة الرابعة، وهو ما يعكس جودة النص الذي لامس هذه التفاصيل بخفة.

يأتي المحور الأهم للقصة في حياة أعضاء الفرق الشعبية وعرض متاعبهم، كون مهنتهم شاقة، هكذا هي حال البشر، فحين تفرقهم مصاعب الحياة، تجمعهم بساطة الموسيقى وحلاوتها.
وتتشعب الأحداث مع الاختلاف في تعريف المفاهيم كالسعادة والشرف، في امتداد زمني طويل يبدأ من ثمانينيات القرن الماضي وصولاً إلى التحولات المعيشة في الألفية الحالية.
د.حمد الرومي، كاتب درامي، يدرس الحالات جيداً قبل وضعها على الورق، ويكتب من وحي تخصصه الطبي، إذ قدم مع الفنانة هدى حسين من قبل مسلسل (إقبال يوم أقبلت) حيث كانت تعاني من حالة مرضية، واليوم تمر (سليمة) بحالة (شيزوفرينيا)، وهي عموماً حالات لم تتطرق إليها معظم أعمالنا الخليجية، يخرجها المبدع منير الزعبي، كونه مخرجا يميل إلى الواقعية القريبة للمشاهد.
ود. حمد الرومي أبرز الفرق بين الشخصيات المريضة باضطراب نفسي وعقلي وقلق وهم أشخاص أحيانا تستقر حالتهم وأحيانا أخرى يشتد عليهم الألم خاصة مع التعرض للصدمات والأمور المؤلمة ويحتاجون الى متابعة الأطباء ومباشرة العلاج بشكل دوري، خاصة أنه لم يكن لهم يد في هذا المرض، وبرغم ذلك يحاسبهم المجتمع على مرضهم هذا، وبل ينفرون منهم، وبين أشخاص آخرين هم مرضى قلوب، يحملون في قلوبهم الحقد والحسد والغل والطمع، ومنهم من يسير وراء شهواته ويورث غيره الحسرة والأذى، ولا يعترف أحدهم بمرضه حتى عند مواجهته بذلك.

«سليمة» رغم مرضها العقلي قادرة على التخطيط الجيد

رأينا الشخصية المريضة نفسيا تدعى (سليمة)، وهي التي سلمت في نهاية الأمر، لأن مرضها له علاج تستطيع أن تستمر عليه، أما الشخصيات مرضى القلوب فمنهم من قتله القهر والحسرة، ومنهم من ظن أنه نجا ولكن القلق يملأ قلبه، خوفا من افتضاح أمره.

أوضح الكاتب أن المصابين بالاضطرابات النفسية، والأمراض العقلية يتميزون بالذكاء، وهي حقيقة أثبتتها الدراسات، وهو ما بدا ظاهراً في قدرة بطلة المسلسل (سليمة) على التخطيط الجيد للأمور، وتقديم المبادرة والمساعدة للآخرين رغم أن مرضها يجعلها تقوم بأفعال اندفاعية خارجة عن السيطرة، وهذا ما لمسناه في رشاقة الحوار، حيث تنتقل بين الشخصية المتزنة والأخرى غير المتزنة بسلاسة، كما أوضح المسلسل أن المريض النفسي يمر بأوقات تشد عليه أعراض المرض وفي أوقات أخرى تستقر حالته، ولابد ان نساعده للعلاج، وركز على كيف يُنظر إلى المريض النفسي في مجتمعاتنا كأن هذا الشخص به مس أو أصابه جن وغيرها من الأمور، حتى ان البعض يلجؤون للكي كعلاج لهم.
ولا يخفى على أحد أن السيناريو والحوار تفرد بإبداع كلمات ومصطلحات اللهجة الكويتية، واتقان التحدث بها وتوظيفها بتميز في جمل الحوار.

الفنانة المبدعة هدى حسين تمكنت من إتقان دورها بالأداء وليس بمظهرها، فتبدو امرأة جميلة تهدي الفرح والسعادة للآخرين، وفي مرحلة أخرى تبدو منكسرة ومقهورة يقسو عليها الزمن والعادات والتقاليد، وهذه ليست المرة الأولى التي تتمكن فيها الفنانة هدى حسين من جذب الأنظار إليها، خاصة مع اختيارها دائما لأداء الأدوار المركبة والصعبة، إضافة إلى اختيارها الأعمال التي غالبا ما تناقش قضايا مجتمعية.

يغوص المسلسل في أروقة العمل الصحافي، مسلطاً الضوء على المنتفعين من ممارسة المهنة، من خلال شخصية (مبارك) التي جسدها الفنان إبراهيم الحساوي، تعتبر من الشخصيات التي تمثل الأشخاص أصحاب أمراض النفوس، وهو دور الصحافي الوصولي الذي يبيع ضميره ليحقق طموحاته، وهذه الشخصية لا تمثل الشر المطلق، بل تحمل خصالاً سيئة تورطه في أمور غير مشروعة، مع تعرضه لابتزاز من عصابات غسل الأموال، مما يضطره للخضوع أكثر، فهو يجسد الأشخاص المشوشين من الداخل ممن لديهم طموح غير واضح، هم على استعداد لفعل أي شيء بهدف الوصول!

كما أن شخصية (مبارك) من غير الممكن التنبؤ بما تفعل، إلا ان ذلك لم يمنعه من المرور بالعديد من الإخفاقات، على اعتبار أن أبناءه هم نقاط ضعفه في المسلسل.
في حين تأتي قصة مقابلة من خلال شخصية (ثنيان) التي قدمها الفنان خالد البريكي، وهو صحافي نزيه يتحرى مواطن الفساد في جريدة أخرى منافسة.

«ثنيان».. صراع العقل والعاطفة بين الماضي والحاضر

شخصية (ثنيان) تخوض صراعاً بين العقل والعاطفة، حيث يمثل هو العقل، ويمثل شقيقه العاطفة، وهو شخص متذوق للموسيقى، وهو كاتب وصحافي، يكتب عن معاناة الناس، وقلبه على المجتمع.
وتبدو نقطة التقاطع بين الشخصيتين أن كليهما عضو في فرقة للفن الشعبي التي عادة لا تحظى بمكانة لائقة في المجتمع الخليجي، مما يدفع بالصحافي الانتهازي لاكتساب الأموال والمعارف العليا كي يرتقي مهنياً، في حين يجد الصحافي النزيه ملاذه في الابتعاث والدراسة ليحصل على شهادة تشفع له بممارسة مهنة الصحافة.

تداول الكثيرون أن المسلسل يشير إلى قصة الطقاقة نورة التي اشتهرت قصتها في فترة التسعينيات حيث كانت من أشهر طقاقات الكويت والخليج العربي في تلك الفترة، إلا أن نورة في إحدى المرات تذهب إلى حفل زفاف لتكتشف في نهايته أنه خاص للجن وتشاهد أشخاصا مرعبين وتتعرض لمواقف مخيفة، وتقرر بعدها اعتزال الفن، وهذه هي مجرد قصة تم تداولها لم يتبين أحد صحتها إلى الآن.

«هيا».. عاشت بشقائها وماتت بحسرتها وقهرها

الفنانة شيماء علي تقدم شخصية (هيا) شقيقة (سليمة)، وقد جسدتا دور الشقيقتين اللتين تقع بينهما مشاكل كثيرة كتلك التي تحصل في الكثير من البيوت، وهي شخصية قضى عليها مرض الحقد والغيرة، فهي لم ترض يوما عما قسمه الله لها، فعاشت بشقائها، وماتت بحسرتها وقهرها، ومن الصعب معرفة إذا ما كانت (هيا) طيبة أم خبيثة، مسكينة أم حقودة، فهي ببساطة متناقضة جداً.

أما شخصية «سميرة» التي قامت بدورها الفنانة زينب غازي، وهي ابنة «سليمة»، فقد أحبت ابن خالها «أسامة»، لتتطور علاقتهما غير الشرعية، وهنا يتطرق الكاتب إلى قضية الشرف وطريقة معالجة الأمور بطريقة خاطئة، لتتوالى الأحداث ويتضح أن الخطأ لا يعالج بخطأ أكبر منه، حيث يقوم شقيقة سميرة «حسين» بقتل «أسامة»، و»سميرة» تخبر سرها لنجاة وعن العلاقة التي كانت بينها وبين أسامة، وكيف غدر بها أسامة وفضحها أمام الجميع، لذا كانت تقنعها بعدم الزواج من أسامة.

وبعد أن يفتضح الأمر تواجه «سميرة» أزمة جديدة نتيجة تصرفاتها الخاطئة، حيث يكتشف زوج «سميرة» الموضوع ويطلقها ويحرمها من ابنها، وتنهار «سميرة» كثيراً.

«نجاة».. شابة تبحث عن المصلحة المادية

أما الفنانة لولوة الملا فأبدعت في أداء شخصية (نجاة) ابنة (مواهب)، وهي شابة خفيفة الظل، ولكن حب المال والتفكير الدائم في الاستفادة المادية دون مراعاة للمبادئ وهو ما تربت عليه من والدتها (مواهب)، و(نجاة) تربطها صداقة قوية منذ الصغر بـ (سميرة) ابنة (سليمة)، وهي موظفة في الوقت نفسه في جريدة المناخ، التي يديرها (مبارك)، ويذكر أن هذه التجربة الأولى للفنانة لولوة الملا أمام الفنانة هدى حسين.

«مساعد».. قد يدفع الأبناء أثمان الماضي!

أما شخصية (مساعد) الذي جسدها الفنان أحمد شعيب وأطل بدور شخص وصولي من الطبقة الكادحة، فيسعى إلى تحقيق أهداف مادية حتى يكتشف أن هذه الأمور أكبر وأخطر مما يتخيل، تكون علاقته بعمتيه سليمة وهيا، متوترة لأسباب تعود إلى الماضي، كما أن الشخصية تعيش قصة حب، حيث يحاول التقرب من نجاة التي تصدّه باستمرار.

تجتمع الفنانة روان المهدي لأول مرة مع الفنانة هدى حسين، وتؤدي دور (دانا)، ابنة (مبارك)، وهو ابن خالة (سليمة)، وهي شابة لديها مبادئ راسخة في الحياة، ترفض إيذاء الآخرين وخصوصاً الأشخاص الذين تحبهم، وترضى بأن تجرح نفسها على حساب إيذاء أي أحد، لكنها تكتشف لاحقاً وضمن أحداث معينة أنها كانت تكذب على نفسها، لأنها ترى الإيذاء يأتيها من كل حدب وصوب، فتقرر حينها أن تواجه وتسعى لمعرفة الحقائق.

يا حسين أنا عيني سهيرة
تغنت الفنانة هدى حسين بكلمات أغنية (يا حسين أنا عيني سهيرة) للشاعر مطلق المطيري، وهي قصيدة مشهورة جداً وكان لها صدى واسع الانتشار حتى وقتنا الحاضر وقيلت بكل مناسبة واحتفال.
وعن قصة القصيدة (قال الراوي العوام) ان القصيدة موجهة أصلا إلى حسين الجنوبي رئيس فرقة الجهراء للفنون الشعبية – يرحمه الله – المتوفى سنة 1981م قدمها الشاعر مطلق المطيري له فهو يقول:
يا حسين انا عيني سهيرة ما تذوق المنام.
يا من يلوم العين بحباب لها غايبين.
واظن من مثلي سهريا بوعلي ما يلام.
على غزال راح قفوا به أهله كاشتين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق