كي لا يصبح أبناؤنا فريسة للحقد وضعف الشخصية د.أحمد بوعركي يرفع شعار: «قارنهم تدمّرهم»!
الحقد والكراهية وضعف الشخصية كلها صفات تعد نتاجًا لأسلوب المقارنة الذي يتبعه بعض الأهالي. ويلجأ كثير من الآباء والأمهات إلى أسلوب المقارنة بين الأبناء، ظنًا منهم أن ذلك سيحفزهم ويدفعهم نحو التطور، لكن آثار المقارنة تقول عكس ذلك. ويرفع الاستشاري الأسري والتربوي د.أحمد بوعركي شعار «قارنهم تدمرهم» للتوعية بأضرار المقارنة على الأبناء في المراحل العمرية المختلفة. وفي لقائنا مع د.أحمد بوعركي يحدثنا عن خطورة مقارنة الأبناء وآثارها السلبية:
المقارنة أحد الأساليب السلبية التي يتعامل بها الإنسان مع الإنسان
ترفع شعار «قارنهم تدمرهم» باستمرار في نصائحك عن التربية، فهل لك أن تشرحه لنا؟
- بداية يجب التأكيد على أن المقارنة هي أحد الأساليب السلبية التي يتعامل بها الإنسان مع الإنسان، وتصبح أكثر سوءًا من الآباء والأبناء، وهي أن أصف أبنائي بمزايا أو صفات لا يمتازون بها وموجودة عند الآخرين. وأغلب الآباء لا يقصدون المقارنة للتدمير، ولكن من باب التشجيع أو التحفيز على السلوك الإيجابي، لكن هذا الأسلوب في التعامل يدمر ولا يبني نهائيًا.
فعندما أصف وأقارن ابني بشخص آخر كالإخوة أو الأقرباء والمعارف، ففي ذلك ظلم له، لأن كل فرد ميزه الله بقدرات وإمكانيات ومهارات معينة ولسنا جميعًا في نفس المستوى، فالمقارنة خاطئة كأننا نقارن السيارة بالطائرة على سبيل المثال. والبشر مختلفون ومتفاوتون في قدراتهم، لذلك تصبح المقارنة سيئة وتعطل الإمكانيات والمهارات لدى الأشخاص الذين أقارنهم بغيرهم، كما ترسخ لديهم أن إمكانياتهم أقل، وقد يكون ذلك التعطيل من جانب الأبناء انتقامًا من الأم والأب أو تنبيهًا ورسالة لهم.
مقارنة الأبناء مدمّرة وتسبب الإحباط والظلم لهم
كذلك عند المقارنة بين الإخوة تصبح العلاقة فاترة وبها خلل وأحياناً تصل إلى الكراهية والعدوانية، في حين أنها من المفترض أن تكون علاقة ود ومحبة، لكن المقارنة تدخل التوتر لدى الأبناء تجاه من يقارنون به. وإذا استمرت المقارنة على مدى طويل قد تتحول الكراهية إلى حقد، وقد تصل مع البعض إلى القتل، وبالتالي فإن المقارنة طريق للتفكك الأسري. والمقارنة بهذا الشكل مدمرة ولا تبني أبدًا فهي تسبب الإحباط لدى الأبناء.
المقارنة كذلك أسلوب يورث فقد يستخدمه الأبناء فيما بعد في حياتهم مع أبنائهم في المستقبل
وهل تظهر آثار المقارنة بين الأبناء في الوقت نفسه؟
- الآثار السلبية للمقارنة بكل تأكيد لا تظهر في الحال، ولكن بعد فترة من الزمن قد يكون سنة أو اثنتين، ويلاحظ ذلك من خلال تغيير السلوك بين الإخوة في حالة المقارنة بينهم. والمقارنة كذلك أسلوب يورث فقد يستخدمه الأبناء فيما بعد في حياتهم مع أبنائهم في المستقبل، وفي بعض المراحل تصبح المقارنة عكسية، وهو فعل منتشر كثيرًا. والمقصود بالمقارنة العكسية هي مقارنة الأبناء والديهم بوالدي الآخرين أو آبائهم بغيرهم من الآباء، مما يغضب الأهل ويسبب لهم حرجًا.
وللأسف كثير من الأهل لا يعون خطورة هذه المقارنة، ولكنهم يستشعرون الخطر متأخرين حين “تقع الفأس في الرأس” وسيكون الإصلاح مجهدًا وأكثر مشقة.
المقارنة المثمرة هي مقارنة الأبناء في ذاتهم وتطورهم الشخصي
ولكن هل هناك مقارنة مثمرة؟
- بالتأكيد هناك مقارنة مثمرة، وهي تلك التي نقارن فيها أبناءنا وأطفالنا قبل وبعد، بدلًا من مقارنتهم بأشخاص آخرين. وذلك من خلال تطورهم الشخصي، وبالتأكيد سنجد في هذه الحالة تقدمًا نشجع عليه لندعم ثقتهم بأنفسهم ويعبر الوالدان عن ذلك مما يجعلهم يشعرون بالتحفيز، فمقارنة الأبناء بذاتهم تمنحهم تحفيزًا وتشجيعًا.
هل صادفتك حالات تسببت فيها المقارنة بآثار مدمرة؟
- الكثير من الحالات موجودة حولنا، وأذكر على سبيل المثال أنه في إحدى الاستشارات كلمتني أم لديها بنتان وولد، وكان الوالدان منفصلين في ذلك الوقت، ولكن أثناء زواجهما كانت لديهما عادة مقارنة البنتين بالأخ، فدائمًا يحثان الابن على أن يكون مثل أختيه في التفوق الدراسي وغيره، أو العكس. وحين حدث الانفصال، بدأت تتفرق العلاقة الأخوية، حيث استقر الابن مع الأم والبنتان مع الأب، ومن هنا بدأت العداوة تتزايد حيث تخطط البنتان مع أبيهما ضد الأم والعكس كذلك، حتى وصلت إلى مرحلة السحر فكل طرف يسحر للآخر، ومن أحد أبرز الأسباب التي زرعت الكراهية المقارنة بين الأبناء داخل البيت.
يميل المراهق إلى إثبات نفسه بسبب مقارنة والديه بغيره عن طريق السلوكيات الخاطئة مثل التدخين والمخدرات والعنف
في مرحلة المراهقة، كيف تثير المقارنة سلوكًا عدوانيًا لدى المراهق؟
- في مرحلة المراهقة يصير الانتقام عاليا، حيث يصل المراهق إلى مرحلة القوة وتصبح شخصيته مستقلة، ويميل إلى إثبات نفسه لأن والديه مستمران في مقارنته بغيره، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق الخطأ مثل التدخين أو المخدرات والاعتداء على الآخرين بالضرب أو غيرها من السلوكيات السلبية في الخارج. كذلك يزيد الحقد على الوالدين والأسرة كاملة، كما تُمْسَح شخصيته فلا يصبح لديه أي شخصية ويصعب عليه مواجهة المجتمع، وذلك لتدمير سلوكياته وقدراته منذ الصغر عن طريق المقارنة.
ومن الأضرار الأخرى أن يصبح المراهق هو ذاته الضرر الأكبر على الوالدين، فقد يعتدي على أحد والديه بالضرب ويكون ذلك انتقامًا منهم، وتكون العلاقة بين الآباء والأبناء المراهقين مقطوعة نهائيًا، ودائمًا تكون هناك عزلة لدى المراهق.
أحد المراهقين بسبب المقارنة أقدم على ضرب والده في المدرسة
وهل تذكر حالة تسببت فيها المقارنة بسلوك عنيف من قبل المراهقين؟
- نعم في إحدى الحالات أقدم مراهق على ضرب أبيه بسبب مقارنته المستمرة بينه وبين أخيه. وكان الابن معروفًا بارتكابه بعض السلوكيات السيئة في المدرسة، وعند وقوع مشكلة في مدرسته اتهموا المراهق بكونه سببها رغم أنه كان بريئًا هذه المرة، وظن المراهق أن أبيه سيقف إلى جانبه لكنه حين حضر إلى المدرسة كذّب ابنه وطلب من المدير معاقبته، وأيضا كان الأب دائم المقارنة بين الابن وأخيه في سلوكياته وتفوقه الدراسي، مما كان يسبب غضبًا لذلك المراهق.
لذا وفي هذا الموقف عندما لم يصدقه أبوه تصاعد الحقد بداخله ولأنه يلعب الجودو ضرب أباه أمام مدير المدرسة! وهذا نتاج طبيعي لأن الأب كان دائم المقارنة ويقلل من قيمة ابنه باستمرار.
ماذا تقول لأولياء الأمور الذين يقولون إنهم يستخدمون المقارنة كنوع من التشجيع والتحفيز للأبناء؟
- أقول إن الأبناء لا يرون المقصد ولكن يرون المظهر، لذا نصيحتي لهم أولًا بتغيير هذا الأسلوب، وثانيًا إذا كنت معتادًا عليه فعليكم أن تظهروا المقصد لأبنائكم فهذا يخفف من النتائج، وثالثًا اسمعوا من أبنائكم وانتبهوا مما يذكرونه لكم إذا أشاروا لكونكم تقارنون دائمًا بينهم وبين غيرهم، وأخيرًا قارنوهم بذاتهم وشخصهم وتطورهم فكل منا له صفاته وإمكانياته وقدراته، والمقارنة تكون غير عادلة.
وما الوسائل البديلة لتحفيز السلوك الإيجابي لدى الأبناء؟
- أفضل وسيلة هي التشجيع المستمر للأبناء، وكلمات الاستحسان التي تحفزهم وترفع من معنوياتهم حتى في الأشياء البسيطة. وأفضل محفزات لدى الأبناء هي كلمات الوالدين لتثبيت السلوك الإيجابي.
هل هناك علاقة بين سلوك مقارنة الآباء للأبناء ومقارنة الأبناء ما لديهم بما يمتلكه الآخرون؟
- هناك اختلاف، فالمقارنة التي نقصدها تكون بين صفات الأبناء وغيرهم من إخوتهم أو أقاربهم أو أقرانهم، ولكن مقارنة الأبناء ما لديهم بغيرهم في المجتمع حولهم فهي مقارنة مادية وليست ذاتية. وفي هذه الحالة يشعر الابن بأن لديه قصورا لأنه لا يمتلك ما لدى غيره من أقرانه، ولكن تبقى هذه المقارنة طبيعية نوعًا ما، إذ يتمنى الأبناء وجود المحبوبات التي عند الآخرين لديهم. ولكن سلوك الوالدين في مقارنة صفات أبنائهم يولد لديهم نفس السلوك في مقارنة صفات ومهارات أصدقائهم وأقرانهم عندما يتولون مواقع القيادة.
التشجيع المستمر للأبناء وكلمات الاستحسان أفضل وسيلة لتحفيزهم
وما النصائح والإرشادات التي تقدمها للآباء في مجال التطوير والمقارنة الذاتية للأبناء؟
- أولًا قارنوا أبناءكم بذاتهم، وثانيًا التشجيع المستمر لأي فعل من الأبناء سواء سلوك أو سؤال أو فكرة أو كلمة، ومع المدى البعيد يجعل شخصية الأبناء إيجابية، ثالثًا للآباء والأمهات، عبروا عن مشاعركم لأبنائكم وعن فخركم بهم، وأخيرًا كافئوهم وتكون المكافأة ملموسة مثل التواصل الجسدي معهم عن طريق التقبيل، الأحضان وغيرهما، أو محسوسة مثل الطلعات أو الهدايا، وتكون على قدر الفعل.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي