أحداث..
مواقف..
لحظات.. مهما قصرت أو طالت، فإنها تبقى في الذهن والقلب والذاكرة.. فسبحان الله، مواقف تحدث وتأخذ من حياتك كثيرًا وتعيشها بحلوها ومُرّها، ولكن مع مرور الأيام والشهور والسنين تمحوها الذاكرة.. وهناك أحداث مدتها دقائق تعيش في عقلك وقلبك ونفسك، ولا تنساها!
في شهر ديسمبر 1990 وأثناء احتلال العراق للكويت فكرت والدتي (رحمها الله) – التي كانت آنذاك في لندن – في الرجوع إلى الكويت، كان طريق المملكة العربية السعودية مغلقًا وخطرًا، أما الحدود الأردنية، فكانت مفتوحة للدخول إلى العراق، ومن ثم إلى الكويت.
اتخذت والدتي قرار العودة إلى الكويت، فاقترحتُ مرافقتها، فوافقت.
في منتصف ديسمبر ركبنا الطائرة متجهين إلى عَمَّان.. بتنا ليلة في الأردن، ومن ثم غادرنا بسيارة محضّرة من قِبل السفارة الكويتية هناك لتقلنا إلى الكويت.
كانت مشاعرنا مختلطة بين القلق والشوق.. القلق من دخولنا إلى العراق بجوازات سفر كويتية والمبيت في بغداد، والشوق لأختي وأخي وبلدنا الحبيب.. وكانت اللحظة التي لا تُنسى: عند الحدود الأردنية – العراقية وفي مركز الجوازات وبكل براءة وقفنا أنا والوالدة عند طابور غير العراقيين، وقدمنا جوازي سفرنا، فإذا بصرخة تهز المكان وبلهجة عراقية، قال الموظف: «هسا، ماكو شي اسمه كويتيين، روحوا اصطفوا مع العراقيين… انتوا الحين عراقيين».
لحظة حزن…
بكل حزن صامت فعلنا…
دخلنا إلى العراق ووصلنا إلى بغداد.. عاصمة حزينة مظلمة، صور رئيسهم آنذاك في كل متر.. البشر يمشون دون ابتسامة أو ملامح.. بتنا في «الشيراتون».. وفي الصباح كانت المفاجأة، الفندق مليء بنساء ورجال مسنين، وعندها سألتْ والدتي إحدى النساء الكويتيات – وكان يبدو عليها الحزن – عن سبب وجودها هنا.. فقالت: «زوجي أسير.. أتيت لأراه»، فاكتشفنا أن كل الكويتيين المتواجدين حضروا لزيارة أسراهم في سجون بغداد.
غادرنا بغداد.. مشينا في صحراء شاسعة يملؤها الجيش العراقي ومعداته.. إلى أن رأينا من بعيد نورًا وإضاءة، فابتسمنا.. قال السائق: «وصلنا الجهراء».. سبحان الله، عند دخولنا الجهراء كانت إضاءة الشوارع قوية، ولكنها كانت خالية من السيارات.. البيوت أغلبها مهجورة، ومع ذلك أحسست بأن الكويت رغم حزنها وألمها تبتسم.. لا أعرف كيف أصف ذلك الشعور! أرض الوطن الكويت المجروحة تبتسم، وكأنها ترحّب بنا.. بأبنائها وأهلها!
لحظة سعادة رغم حزن المكان والأجواء…
عدنا وعادت الكويت.. والحمد لله لم أشهد الغزو في أغسطس، ولكنني شهدت التحرير والنصر في فبراير.. وحضرت عودة الشيخ جابر (رحمه الله)، وشهدت واقعيًّا عودة الشيخ سعد (رحمه الله) في طائرة هليكوبتر في منطقة الشامية.. كانا (رحمهما الله) يحبان الكويت، فأحببناهما.
لحظات لا أعرف كيف أعبر عنها! بنشوة الحرية.. أو الأمان.. أو الانتماء.. لحظات مرت في حياتي، وبقيت في ذاكرتي.. والحمد لله والشكر لله على عودة بلدنا الغالي، فاللهم احفظ كويتنا الغالية وحكامها وشعبها.. ومن أراد الكويت بِشَرٍّ، فردّ كيده في نحره.. وسلمتِ يا كويت المحبة والسلام والخير.
في «كلمة محبة»:
«كم أحبك يا كويت»!