مديرة «برنامج ماغ» في لبنان هبة غندور: فِرقُنا ليسوا موظفين بل أبـطـالاً
ظهرت للعلن مشكلة خطيرة في لبنان تهدد كل ما هو حي متمثلة بـالألغام والقنابل العنقودية والذخائر العسكرية غير المنفجرة.
لذا كان من الضروري جداً قدوم منظمة تعنى بتنظيف المناطق من “الهدايا القاتلة” تلك، خصوصا بعد التحرير عام 2000 حيث ارتفعت أعداد الضحايا بشكل هستيري بين صفوف المدنيين كبارا وصغارا. وباتت حياة اللبناني في المناطق الملوّثة رهينة خطوة خاطئة أو الإمساك بجسم غريب يكون متفجّرا.
بدأت منظمة ماغ الخيرية لنزع الألغام عملها في لبنان منذ عام 2001 والهدف المنشود من قبل المنظمة العالمية تنظيف الأراضي اللبنانية من المخلّفات الحربية التي تهدد حياة الإنسان.
تقول هبة غندور (مديرة برنامج ماغ في لبنان):
لم يشكل محور عمل المنظمة عامل خوف كبير بالنسبة لي، لأنني ابنة الجنوب المحتل سابقاً، ولطالما عانيت وسمعت في صغري عن حوادث الألغام والضحايا، فكان العمل بالنسبة لي بمنزلة خدمة لوطني والمجتمع، وبالتالي نعمل لكي نحمي أولادنا، ونؤمن لهم ظروف حياة أفضل وأكثر أماناً حتى في لعبهم في الطبيعة.
امرأة في حقل ألغام
لم يعارض أهلي عملي في المنظمة بعد شرحي لهم أهمية هذا العمل من الجانب الإنساني، والدرجة العالية التي توليها القوانين والأنظمة المتبعة للسلامة، كما الإجراءات الواجب القيام بها عند التواجد في حقل ألغام.ت
تتابع غندور “كانت نسبة النساء العاملات في المنظمة قليلة جدا في البداية، وبين عامي 2012 و2013 تركزت الجهود لجذب العنصر النسائي للعمل في الحقول.
وقد عملت المنظمة جاهدة على التركيز على إدخال العنصر النسائي، وبعد الدورات التوعوية والتأهيلية والتدريبية ارتفع عدد النساء العاملات بشكل لافت، وأصبحن سفراء للمنظمة في المجتمع ما سرّع بانخراط أخريات للعمل، وخضن تجربة الكفاح والعمل كل منهن لهدف”. وتتابع غندور “واصلت المنظمة في 2018 حملاتها التوعوية وتشجيع المرأة على الانخراط في العمل، وتم الاجتماع مع النساء العاملات في المنظمة للاطلاع منهن على الصعوبات التي تواجههن في العمل، وإعداد خطط لتطوير العمل وتسهيله مع الحفاظ على أنظمة السلامة”.
دور نسائي مهم لنزع الألغام والقنابل العنقودية في لبنان
دعم انخراط المرأة في العمل
لفتت هبة غندور إلى الدور الإيجابي والاهتمام بالعنصر النسائي من قبل المنظمة، وبعد الاطلاع على مطالب النساء العاملات، قررت المنظمة بعد عدة أبحاث ودراسات تأمين سترة واقية خفيفة الوزن للنساء مطابقة لمواصفات الحماية لتسهيل عملهن حتى وصلنا اليوم لتأمين هذه السترات لكل الفرق العاملة، فبرز دور المرأة، وتفوّقت بدقتها في إزالة الألغام، وساهمت بشكل كبير في نشر الوعي في المجتمع لمخاطر الألغام وتوعية الأهل لحماية أطفالهم من خطر يتربّص بأطفالهم، وفي أقل الحالات يعرضهم لإصابات وإعاقات ترافقهم مدى الحياة.
ركّزت غندور واهتمت بموضوع المساواة والتنوّع الاجتماعي، وعملت جاهدة للخضوع لدورات لتطوير قدراتها الذاتية، وعملت مع الفرع الرئيسي في بريطانيا ومنظمات لتعزيز دور المرأة في لبنان بشكل عام، وعلى وجه الخصوص في الأعمال غير التقليدية مثل أعمال نزع الألغام كي يكون عملنا يتضمن رجالا ونساء لنخدم كل أفراد المجتمع”.
وتضيف:”في المنظمة هناك فريق مهمته التواصل مع المجتمع، لو كان هذا الفريق من الرجال حصراً أو العكس، فإن فرصتنا ستتضاءل نسبتها للوصول إلى المنازل كلها نسبة لكون المجتمع شرقيا، فالتنوّع يفيد أكثر”.
نسبة النساء العاملات في منظمة ماغ بلغت اليوم 20%، طبعا هي ليست النسبة التي نحلم بها، ولكنه تطور ملحوظ، حيث كانت النسبة 9% في السنوات الماضية، والتركيز على العنصر النسائي لا يعني الاستغناء عن موظفين رجال، بل الآلية تكون عند استقالة موظف أو الحاجة لفرق إضافية بعد زيادة الدعم والتمويل نعمل لزيادة نسبة النساء العاملات والأشخاص المستضعفين في المجتمع.
دورات تدريبية متواصلة لجودة العمل والسلامة
يخضع الموظف في المنظمة لدورات تدريبية مكثفة قبل الانخراط في العمل، وهناك متابعة ميدانية بشكل يومي، وخلال فترة العمل يخضع لتدريب تذكيري، وبعد العطلات الطويلة يخضع الموظف لإعادة تدريب وتأهيل لمدة أسبوع، ومن بعده هناك تقييم داخلي بالإضافة إلى تقييم من قبل الجيش اللبناني، وإذا لم يجتز الموظف الاختبار يُمنع من النزول إلى الحقل. وخلال العمل اليومي يقوم مدير الحقل بالمتابعة لضمان جودة الأعمال المنجزة وضمان اتباع قواعد السلامة والأمان.
أجهزة متطورة لإنتاجية عالية
تعمل منظمة ماغ بشكل مستمر لتأمين أحدث التكنولوجيا في مجال إزالة الألغام لتسريع عملية التنظيف وتقليل نسبة الخطر وزيادة الإنتاجية. وعن الكواشف المستعملة في الميدان، قالت غندور “نبحث دائما عن أحدث الكواشف، فالكواشف القديمة كانت تصدر إنذاراً عند وجود أي نوع من المعادن تحت الأرض، فيعمد الموظف إلى الحفر اليدوي البطيء لمعرفة ماهية العنصر الموجود، أما الآن مع الكواشف الجديدة فالإنذار لا يصدر إلا على المعادن التي تكون مصنوعة منه الألغام أو القنابل العنقودية”.
وأشارت غندور إلى أن المنظمة في لبنان استطاعت تنظيف 80% من المناطق الملوثة بالقنابل العنقودية، وهدفنا إعلان لبنان بلدا خاليا من القنابل العنقودية عام 2026، ونقوم بكل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف، ولبنان وقّع مع الأمم المتحدة على اتفاقية الذخائر العنقودية، مما شجّع الدول على دعم المنظمات مثل “ماغ” لتحقيق هذه الغاية.
كنتُ كلما أنجزت رقعة معينة انتابني شعور بأنني أنقذ حياة
شهادات حية
تقول الثلاثينية صفاء (اسم مستعار):
لم أتخيّل نفسي يوما أنني أمتلك الجرأة لأعمل في مجال نزع الألغام، وحاجتي للعمل دفعتني للتقديم، وبعد الدورات التدريبية والتوعوية اختفى حاجز الخوف عندي، بل وأصبحت أنصح صديقاتي للتقديم.
بثقة عالية يقول الشاب الأربعيني محمد:
”أكثر ما يفرحني في العمل حين أنجز مع فريقي تنظيف بستان لأحد الأشخاص، أشعر وكأنني وهبت هذا الحقل لصاحبه لكونه لا يجرؤ على النزول إلى رزقه”.
قبل أن تذكر غندور أنها مديرة برنامج ماغ في لبنان، عرّفت عن نفسها في البداية على أنها أم وابنة المجتمع، وترى أن وظيفتها ليست مجرد وظيفة روتينية أو عمل تنجزه وتتلقّى مقابله راتبا، بل تجد أن هذا العمل يخدم شعبها، ويؤمن بيئة سليمة للعب الأطفال، ويوفر ضحايا وإعاقات، فوجدت نفسها داعمة لنساء وطنها.
ترى هبة غندور العاملين في منظمة ماغ أنهم ليسوا موظفين، بل أبطال سخّروا حياتهم لتنظيف الأراضي اللبنانية من أدوات الموت المنتشرة.
علي غندور- «أسرتي»