الصمت الزوجي..
انفصال عاطفي
صــــــــــــــــارخ!
حولنا قد نجد الكثير من الأزواج ممن يتجنبون الحديث عن مشاكلهم العميقة، ويبقون مشاعرهم دون التعبير عنها، ويكتفون بالحديث عن الأمور السطحية في حياتهم.. هذه العلامات قد تكون مؤشرًا على الصمت الزوجي الذي يعد إنذارا على اقتراب نهاية العلاقة الزوجية.. وعن الصمت الزوجي وخطورته وكيفية تجنب عواقبه تحدثنا في الموضوع التالي إلى استشاريين في العلاقات الأسرية والزوجية.
محمد الكيلاني:
يحدث الصمت الزوجي حين يصبح الحوار بين الزوجين منعدمًا وبلا جدوى
في البداية، يقول محمد الكيلاني، استشاري العلاقات الأسرية:
”الصمت الزوجي حالة يسود فيها السكون ويقل فيها التواصل اللفظي بين الزوجين، وقد يمتد الصمت إلى قطيعة بين الزوجين.. ويحدث الصمت الزوجي حين يصبح الحوار منعدمًا وبلا جدوى ولا نتيجة منه، مما يؤدي إلى فتور العلاقة بين الزوجين وعدم الرغبة في الحديث، وقد يكون الصمت من أحد الطرفين أو كليهما”.
ويحذر الكيلاني من وجود التواصل الجسدي بين الزوجين في غياب التواصل اللفظي قائلًا: “حين يكون هناك صمت لفظي بين الزوجين، ويستمر التواصل الجسدي بينهما، فهو دلالة على الإهانة البدنية بين الزوجين، إذ يجمعهما التقاء جسدي في الفراش لأداء مهمة من الطرفين أو أحدهما”.
ويوضح أن اتباع أسلوب الصمت من أحد الزوجين يرجع إلى عدة أسباب، يعددها قائلًا:
”قد يكون الصمت للفت النظر عن عدم الرضا، أو الصمت للتوبيخ “الصمت العقابي” أو الصمت للاستفزاز لكي يرجع الطرف للآخر لمعرفة السبب في الصمت، لكن الصمت دائمًا هو لغة الضعفاء في العلاقة الزوجية؛ لأنه يؤدي إلى إضعاف الحياة الزوجية والمبنية على احترام، وتشارك الزوجين لبعضهما بعضا.. وينبع عن خلل في الحب بين الزوجين وبناء الحواجز بينهما”.
التوترات اليومية
والخجل من التعبير عن المشاعر من أسباب حدوث الصمت الزوجي
ويذكر أن أسباب الصمت الزوجي متعددة، منها التوترات اليومية، وعدم الفهم بين الزوجين والانشغال بالأمور الشخصية والمهنية لكل منهما على حدة.
ويضيف:
”الخجل في التعبير عن المشاعر من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الصمت بين الأزواج.. وغالبًا ما يكون الصمت عند المرأة تعبيرا عن الألم، فيما يمكن اعتبار الصمت عند الرجل تعبيرًا عن الخذلان وعلامة قوية لانتهاء العلاقة.. وتتمثل الخطورة في انقطاع الأمل بينهما في الخلافات.. كذلك عدم الأمل في النقاش وعدم استكمال يصل بالنهاية بالطرفين إلى مرحلة الصمت وفتور العلاقة والتباعد”.
الفارق المجتمعي والطبقي قد يؤدي إلى الصمت بين الزوجين
ويبين أن هناك أيضا أسبابا أعمق قد تؤدي بعد فترة للصمت بين الزوجين في حالات خاصة، إذ يقول “من خلال عملي ألحظ بشدة في الاستشارات أن الفارق المجتمعي والطبقي قد يؤدي إلى الصمت بين الزوجين، فمثلًا إذا كان الرجل من طبقة عالية والمرأة من طبقة متواضعة قد يؤدي ذلك للصمت بينهما لكثرة الاختلافات والنقاشات، أيضا فارق العمر بين الزوجين، والذي يخلق فارقًا في الاهتمامات والنظرة إلى الأمور والحياة قد يؤدي إلى الصمت بين الزوجين، ويكون مؤذيًا لعلاقتهما الزوجية”.
الطلاق العاطفي أصبح مصطلحاً يتسيد العلاقات الزوجية في العالم العربي حاليًا
ويؤكد أن الصمت الزوجي يؤدي إلى ما هو أعمق وأكبر وما يعرف بـ “الطلاق العاطفي”، ويقول:
”هذا المصطلح يتسيد العلاقات الزوجية في العالم العربي حاليًا.. ويقصد به عدم وجود طلاق رسمي على الورق، ولكن في الحياة يصبح الزوجان منفصلين عاطفيًا كل منهما ينام بغرفة خاصة، وله اهتماماته الخاصة، وهما يتجنبان الطلاق الواقعي؛ نظرًا لمشكلاته بالنسبة لهما.. ومن العواقب السلبية الناتجة عن الصمت البرود العاطفي وغياب التواصل بين الزوجين؛ مما يسبب غياب المودة والرحمة التي تعد السبب الأساسي لتحليل الله -سبحانه وتعالى- للزواج.. كما أن الصمت الزوجي أحد إنذارات فشل العلاقة الزوجية، فالعلاقة في لحظة الصمت بمنزلة إعلان حالة الطوارئ للعلاقة الزوجية، وعلى الزوجين إما إنعاش هذه العلاقة أو اللجوء إلى الطلاق الحقيقي نتيجة لعدم حل هذه المشكلة”.
ويبين أنه لا توجد مرحلة محددة في الزواج يظهر فيها الصمت الزوجي، لكنه يمثل دليلًا على أن العلاقة بين الزوجين بها مشكلات كبرى جعلتهما يتجنبان الأحاديث والنقاشات العميقة “وبهذا تتحول الأسرة إلى الأسرة الرسمية وهي الأسرة الصامتة التي لا يوجد فيها مشاعر بين أفراد الأسرة، وهذا تأثير الصمت ثم الطلاق العاطفي، إذ يكون الاهتمام فقط بالواجب الرسمي.. والصمت ليس شعورا يعمم في الحياة الزوجية، فهي حالة قد تبدأ ثم يمكن بذكاء الزوجين حلها والرجوع إلى التقارب، لأنها ناتجة عن الفتور”.
الصمت عن المشاعر بين الزوجين يبدأ بتفتيت علاقة الإعجاب بينهما
ويذكر أن الصمت اللفظي يختلف عن الصمت عن التعبير عن المشاعر، قائلًا:
”الصمت عن المشاعر للزوجين تجاه بعضهما بعضا تبدأ بتفتيت علاقة الإعجاب بينهما وهو الذي يؤدي إلى تدهور الحالة الشعورية بينهما، إذ يصبحان مع بعضهما عقليًا فقط، ليسود الاحترام فقط بينهما.. كما يشمل غياب التحدث عن أمورهما الخاصة ومشاكلهما العميقة.. وتأتي أهمية التعبير عن المشاعر لتجديد العلاقة الزوجية بين الزوجين، وذلك بكلمة أو نظرة أو رسالة مخفية أو شفوية أو إحاطة من الرجل بالأنثى.. ومن المهم للزوجين التعبير عن مشاعرهما فالمرأة تحتاج إلى من يسمعها ويحتويها ويتفهم مشاكلها وإظهار الإعجاب بها ومغازلتها، أما الرجل بدوره، فيحتاج إلى الاهتمام والأمومة وإغداقه بهذه المشاعر”.
وعن خطورة الصمت الزوجي يقول:
”من خلال خبرتي العملية وما قابلت من حالات فالصمت الزوجي قد يشكل تهديدًا للعلاقة الزوجية، لأن أغلب حالات الطلاق تكون ناتجة عن الصمت والتوقف عن النقاش، لذا ننصح بضرورة الحوار المحترم والنقاش بشكل ودي، وذلك لتجنب انقطاع التواصل بين الزوجين.. ويتضح الصمت الزوجي بشدة حين يكون الزواج بين الطرفين مبنياً على الرغبة الجسدية فقط، وليس الحب والتفاهم، وهذه الرغبة تنتهي مع أول التقاء بين الزوجين، ويبدأ ظهور العيوب ونقاط الاختلاف بعد انقضاء الرغبة”.
الحرص على الاستماع الجيد والبحث عن حلول مشتركة يؤديان لتجنب الصمت الزوجي
ويسرد بعض النصائح لتجنب الصمت الزوجي بين الزوجين قائلًا:
أولًا: الحرص على الاستماع الجيد، إذ يجب أن نصل إلى ثقافة الاستماع للطرفين وإعطاء المساحة للشخص للحديث، فإذا أتت المرأة بكل اندفاع إلى زوجها تشكي أو تحكي له ينبغي على الزوج أن يسمع لها.
ثانيًا: تصديق كل طرف للآخر فيما يتحدث به ويعبر عنه من مشاعر.
ثالثًا: البحث عن حلول مشتركة للمشاكل، دون أن يكون أحدهما مذنبا والآخر ضحية، لأن من أهم أسباب تفاقم المشكلات في العلاقات الزوجية أن يكون أحد الطرفين مذنبا والآخر بريئا.
رابعًا: تجنب تراكم المشاكل مع ضرورة الحديث في أي مشكلة والحوار فيها.
خامسًا: من المهم اختيار الوقت المناسب للتواصل بين الزوجين وحل المشكلات، الابتعاد عن أوقات الصباح الخاصة بالدوام، أو الأوقات التي تكون فيها المرأة متعبة.
سادسًا: تجنب النقد والتهكم والتجريح بين الزوجين، وعدم ذكر الأخطاء السابقة للطرفين، وتوصيل الأفكار بدون المساس بمشاعر الزوج أو الزوجة.
وأخيرًا عدم ترك المشكلات، حتى لا تتفاقم وصعوبة حلها في المستقبل، مما يؤدي إلى غياب التواصل، ويفت من عضد العلاقة ويجعلها سلبية.
جنان ملا علي:
بعض الأزواج يربحون من الصمت الزوجي.. الخسائر تكون كبيرة في المستقبل
أما جنان ملا علي، الاستشاري النفسي والأسري والزواجي، فتوضح أن الخرس الزوجي، يعني انعدام الحوار بين الزوجين في ثلاث نقاط رئيسية والحديث في الأمور الأساسية فقط، وتقول:
”يجب أن يكون هناك حوار بين الزوجين في ثلاث نقاط أساسية وهي الاهتمامات الخاصة بكل طرف، والحوار عن شؤون الأسرة مثل مدارس الأطفال واحتياجات البيت والطرفين، والحديث عن المستقبل الخاص بالأسرة”.
وترى جنان أن بعض الأزواج يربحون من هذا الصمت الزوجي، ولكن الخسائر تكون كبيرة في المستقبل “مثلًا يرتاح الزوج لحالة عدم سؤال زوجته عن تأخيره، ويتخلص من المسؤولية الأسرية والزوجية، ويجعل مهمته مادية فقط دون الاهتمام بزوجته أو أبنائه عاطفيًا، ويتجنب الطلاق الرسمي فقط حتى لا يصبح الالتزام المادي عليه أكبر.. فيما يستعمل بعض الرجال الصمت الزوجي كنوع من السيطرة، فهو يستمر في حياته مع التحكم في زوجته بألا يتركها ولا يكون معها.. الزوجة أيضا قد ترى ربحًا في هذه الحالة بمسؤولية الزوج المادية، دون أن يكون لزوجها الحق في سؤالها عن حياتها”.
لكن هذه المكاسب الهشة تؤدي إلى خسارة كبيرة في المستقبل بالتأثير النفسي على الأسرة ككل “الأزواج الذين يصلون إلى هذه المرحلة لا ينتقلون إلى مرحلة الطلاق الرسمي خوفًا من كلام الناس الذي يهتمون به أكثر من راحتهم الشخصية، ويصبحون في حالة طلاق مع وقف التنفيذ أو طلاق نفسي”.
وتوضح أن أسباب الصمت الزوجي يبدأ من العلاقة الحميمة الخاصة بين الزوجين، قائلة: “إذا كانت هناك رغبات أو حاجات لم تُلب لأحد الأطراف، تتحول هذه المشاعر إلى غضب وتجاهل، ويصبح هناك فتور في المشاعر بين الزوجين.. كذلك انصدام أحد الطرفين بالآخر في موقف ما كالخيانة أو الاستغلال المادي أو غير ذلك من أسباب الصمت الزوجي، إلى جانب أن تهميش أحد الطرفين للآخر والسخرية منه يخلق انعزالاً بينهما.. كذلك فالنساء الماديات والمتسلطات قد يجعلن الزوج يتجنب الحوار ويلوذ بالصمت.. وبعض الأزواج يستخدم الصمت العقابي كعقاب للشريك، ما يجعل الطرف الثاني ييأس من محاولاته، ويخلق الصمت العاطفي بينهما”.
من الضروري للزوجين
أن يعرفا لغة الحب الخاصة بكل منهما
وتبين أن الصمت الزوجي نوعان هما الصمت المؤقت والصمت لمدى طويل، إذ تقول:
”كلاهما يمكن علاجه بالنقاش والحوار ووضع خطة لإصلاح العلاقة الزوجية.. لكن الصمت طويل المدى تكون مشكلته جذرية وكبيرة أكثر ممن فترة أصغر.. ومن عواقب استمرار هذا الصمت دمار العلاقة الزوجية والأسرية، وتصبح العلاقة الزوجية بلا روح.. كما يؤثر الصمت الزوجي في العلاقة مع الأبناء ومع أسرة الزوج والزوجة كذلك، وهو ما ينعكس على المجتمع أيضًا”.
وتشدد على ضرورة معرفة الزوجين للغة الحب الخاصة بكل منهما، وذلك لتحقيق التعبير عن المشاعر بينهما “حتى لا يُساء فهم طريقة التعبير عن المشاعر بين الزوجين، من الجيد أن يعبر الزوجين عن لغة الحب التي يفضلها كل طرف للآخر”.
وتختتم قائلة:
االنصيحة التي أقدمها ضرورة أن يقرأ الأزواج أكثر، ويعرفوا عن أنفسهم ولغات الحب، كذلك تجنب الخلافات المتراكمة، إذ يصعب حلها، وأن يحل كل خلاف في وقته، أيضا التعبير عن الاحتياجات والرغبات باستمرار في الوقت الملائم وبهدوء، وأخيرًا يجب أن يكون لدى الأزواج ثقافة أكبر في التعاون والتواصل في كل جوانب حياتهم، وهو أمر متوافر في كل مكانب.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي