البعض قد تنتهي حياته اذا ما اصطدم بعارض ما، والبعض الآخر تتبدد أحلامه إذا ما وجه شيئا من الصعوبات، لكن هذا لا ينطبق على أبطال قصتنا، الذين واجهوا الإصابة التي افقدتهم أقدامهم بكثير من العزيمة، ومزيد من الإصرار ليس لمواصلة حياتهم فقط ولكن لتكوين فريق للعب كرة القدم.
فريق فاقدي الأقدام المكون من 15 لاعباً من الهواة واللاعبين السابقين، هو الاول من نوعه في قطاع غزة، يمارس فيه المشاركون اللعبة التي عشقوها، بقدم واحدة وعلى عكاز، تعلقا منهم بهذه اللعبة الشعبية الأولى حول العالم، ولتحدي واقعهم الذي فرضه عليهم الاحتلال باستهداف أطرافهم السفلية.
عشق الساحرة المستديرة لا يقتصر على الأصحاء وإنما يلهب عقول الجميع، فهذه الكوكبة من أصحاب الهممٍ تغازل كرة القدم بقدم مثقلة، تجتمع مساء كل اثنين لمتابعة تدريباتهم في ملعب بلدية دير البلح، المكان الذي احتضن تجربتهم.
قادرون على صناعة المستحيل
حسن أبوكريم (30 عاماً) الذي تعرض للقصف من طائرة إسرائيلية في العام 2006، فقد على أثرها ساقه اليمنى، وقتها اعتقد أنه خسر حياته وأن إصابته هذه ستقعده في مكانه وسيحرم حياة الاصحاء،
لكنه عاد لممارسة هوايته القديمة في لعب كرة القدم، متكئاً على قدم واحدة حاملاً معه عكازين ونصف حذاء ومسلحاً بالهمة والعزيمة، وهو سعيد بعودته.
يقول أبو كريم أحد لاعبي الفريق: إنه مع زملائه اللاعبين المفقودة أقدامهم لديهم قدرات للقيام بأعمال عظيمة قد لا تصدقها عقول الأصحاء، وان كل ما يحتاج اليه الفريق هو فرصة مناسبة لإثبات نفسه وتحقيق المستحيل.
أما الطفل إبراهيم خطاب (13 عاما) الذي فقد ساقه اليسرى أيضا بعدما أصيب بصاروخ إسرائيلي في العام 2014، فيقول: كأنه كان آخر يوم في حياتي، كنت أمضي أياما صعبة، أجلس في البيت ولا أغادره واعتقدت أني لن اعود للعب كرة القدم مرة أخرى.
ويضيف: فور سماعي بالفريق لم أترك طريقاً للوصول اليهم والالتحاق بهم وهأنا اليوم بينهم اصغر اللاعبين ولكني منضبط في التدريبات وأتمنى أن أستمر في هذه اللعبة، فقد زرعت فيّ هذه الرياضة الامل من جديد بعدما كدت أصل إلى مرحلة اليأس والإحباط.
عودة الأمل
من جهته، قال اللاعب ناجي ناجي الذي بترت إحدى قدميه بفعل عبوة ناسفة في دير البلح عند بلوغه 15 عاماً من العمر كان يحلم كأي شاب فلسطيني بممارسة كرة القدم.
وعن هذا يقول: بقي لعبي لكرة القدم حلماً حتى انطلاق فكرة فريق فاقدي الأقدام الذي شكل لي بارقة أمل جديدة، سمحت لي باجتياز أزمتي النفسية بعد الإصابة،
مشيرا إلى أن ما يحققه بدنياً من خلال التدريبات لا يقل اهمية عن الأثر النفسي، فقد استطاع استعادة لياقته البدنية وتشكيل بنية جسدية قوية والترفيه عن النفس، مؤكداً أهمية استغلال هذه اللعبة في إيصال رسالة للعالم بأننا قادرون على تحدي الإعاقة والإصابة والصعوبات التي نواجهها في غزة.
طموح كبير
الفكرة ليست جديدة، فقد استوحاها اصحابها بعد مشاهدة مباراة لإنجلترا وتركيا لأصحاب الأطراف المفقودة، لتنطلق فكرة تشكيل فريق يجمع كل عشاق فاقدي الأقدام من هواة اللعبة، ويلاحقون حلمهم بتشكيل منتخب وطني فلسطيني لفاقدي الأطراف.
فؤاد أبوغليون عضو اللجنة البارالمبية الفلسطينية واحد من مؤسسي الفكرة، يقول عن هذه التجربة: في البداية لم يكن سهلاً إقناع أشخاص يعانون حالات فقد أقدام بالخروج من بيوتهم، والعودة لممارسة هوايتهم من جديد.
أبو غليون تقدم بطلب لوزارة الداخلية من أجل الحصول على ترخيص لتأسيس جمعية فلسطين لكرة القدم البتر.
ويضيف: كان الموضوع في البداية اقرب للتحدي الصعب في ظل ظروف المصابين ممن فقدوا أقدامهم، والتساؤلات كبيرة حول امكانية العودة بعد بتر أطرافهم إلى الملاعب التي عشقوها وامضوا فيها فترات طويلة.
ويشير ابو غليون الى انه مع انطلاق التدريبات الاولى اصبح الحلم متاحاً وممكناً، فقد بدا الامر سهلاً رغم حاجته إلى جهد كبير إذ إن مجمل التدريبات يرتكز على عضلة قدم واحدة، بالإضافة إلى قوانين مختلفة للعب.
فريق من الأبطال
يركضون بخفة خلف الكرة بقدم واحدة وعكاز، وبات اللاعبون، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و42 سنة، يخوضون مباريات ضد بعضهم بعضاً في فرق يتألف كل منها من ثمانية لاعبين، يتكرر المشهد الأسبوعي على المستطيل الأخضر، في انتظار أن تنضم إليهم فرق أخرى لأجل إقامة أول دوري محلي في البلاد على أمل المشاركة في محافل دولية مستقبلاً.
محمود الناعوق المدير الإداري للفريق الذي اختار لنفسه اسم «الأبطال» يقول:
كان تشكيل فريق كرة قدم لفاقدي الأقدام قبل اشهر مجرد فكرة، فقد بدأنا بثلاثة لاعبين فقط واليوم يشمل 15 لاعباً بينهم طفل لا يتجاوز 13 عاماً، بالإضافة إلى حارسي المرمى وهما مصابان ببتر في اليد.
وأضاف الناعوق أن الهدف من تشكيل الفريق هو توصيل رسالة للعالم بأن شعب غزة يحب الحياة بعيدا عن آلة الحرب والدمار، إضافة إلى تمثيل فلسطين في المحافل الدولية، كما ان الفكرة جاءت من أجل تطوير البنية الجسدية لذوي الإعاقة، مشيرا الى أن كافة اللاعبين تمت إصابتهم بالبتر بسبب الاحتلال الإسرائيلي سواء خلال الانتفاضة السابقة أو الحروب أو سياسة الحصار، ومع ازدياد العدد يواجه الفريق صعوبات في إيجاد ملعب للتدريب وفي تمويل احتياجات اللاعبين، بالإضافة إلى بعض الاحتياجات، حيث يحتاج كل لاعب في الفريق إلى عكازات أقوى وأكثر ثباتاً من التي تنكسر عادة عندما يتكئ اللاعب عليها بقوة خلال المباراة ويبلغ سعر الواحد 100 دولار أميركي، إضافة الى أن غالبية اللاعبين ليس لديهم مصدر دخل وبحاجة إلى توفير مواصلات خلال التدريبات.
قواعد جديدة لكرة قدم يبتكرها فاقدو الأطراف في فلسطين
التجربة الأولى
أما مدرب الفريق خالد المبحوح فيقول:
ليس من السهل إعادة الأمل ومحاولة رسم الابتسامة من جديد لمن فقد جزءاً من جسده، لكنني وجدت في هؤلاء الشبان أملا جعلني أسعى لأن الحق بهم وأحاول مجاراتهم.
ويؤكد المبحوح أن (جمعية فلسطين لكرة القدم البتر)، تضم الفريق الأول في فلسطين الذي يمارس كرة القدم من ذوي الاحتياجات الخاصة «البتر»، لافتاً إلى أن الفريق بحاجة للدعم من أجل تطوير أدائه واستمراره، خاصة أنه يتطلب تدريبا مستمرا وأدوات وزياً خاصاً واحتياجات مختلفة.
وبعد نجاح هذه التجربة يتمنى المبحوح ان يتم تشكيل فرق في كل محافظات القطاع بهدف نشر اللعبة وتكوين فريق في كل محافظة على أمل إنشاء أول دوري لفاقدي الأطراف، تمهيدًا لتشكيل منتخب وطني للمشاركة على المستوى الدولي.
يذكر أن الإعاقة الحركية طالت أكثر من 45 ألف شخص من ذوي الإعاقة الشديدة في قطاع غزة، فضلًا عن عشرات الآلاف من ذوي الإعاقة المتوسطة والخفيفة.
هذه المجموعة من الشبان اختارت لنفسها قاموسا جديداً، خاصاً بها، عنوانه التحدي والعزيمة، وتفاصيل كلماته تؤكد أن صحة الجسد وممارسة الهواية ليست مرتبطة بكمال الأطراف وأن الإصرار يمكن أن يصنع نجاحاً بعكازين وقدم واحدة.
أسرتي في كل مكان
فلسطين – عبدالله عمر