ناجية من السرطان ثلاث مرات ياسمين يسري: الحياة من غير مواجهات ليس لها معنى أو روح!

ياسمين يسري، مصرية ناجية من السرطان ثلاث مرات، لقبت بأيقونة محاربة السرطان هي متحدثة لبقة، اختصاصية أزياء مبدعة، قصتها تلامس قلوب الكثيرين وقد أتيحت لنا الفرصة بكل سرور بلقائها والتحدث معها عن رحلة حياتها الملهمة:
أخبريني عن حياتك المهنية. وما سر نجاحك كاختصاصية أزياء؟
- أنا خريجة كلية اقتصاد وعلوم سياسية من جامعة القاهرة قسم لغة إنجليزية الإحصاء والحاسوب. بعد تخرجي، عملت في القطاع المصرفي والجهات الحكومية تحديداً الوزارات، وأيضا عملت في شركات متعددة الجنسيات وشركات الأدوية، الاتصالات، والعلاقات العامة.
الحياة لم تكن كما كانت قبل تجربتي مع المرض
اتجهت إلى عالم الأزياء، وأنشأت حسابي الخاص على إنستغرام بسبب إعجاب صديقاتي بملابسي التي كنت أشكلها بطريقتي الخاصة.. ومن هنا، بدأ اهتمامي بالأزياء وصيحات الموضة عندما نجوت من السرطان ثلاث مرات. ولأن، الحياة لم تكن كما كانت قبل تجربتي مع المرض، اتخذت القرار المصيري بترك الحياة المؤسسية والشركات المتعددة الجنسيات، واخترت أن أغامر وأتخصص في مجال الأزياء. وبالرغم من إحساس عدم الاستقرار، فإنني إنسانة مختلفة تمامًا الآن، درست تصميم الأزياء، وبدأت في تقديم الدورات والتدريب على كيفية حب النفس واختيار ما يناسبك من ملابس وكيفية تواؤم الإنسان مع تلك الملابس.
وأقوم بالعديد من الجلسات التصويرية وتقديم مقاطع الفيديوهات التحفيزية بالإضافة إلى أسلوبي في عرض الأزياء على إنستغرام الخاص بي.
أسلوبي في عالم الموضة.. أحب أن أرتدي ملابس ملونة ومختلفة وفريدة من نوعها وليست تقليدية
كيف ترين أسلوبك في عالم الموضة؟
- أحب أن أرتدي ملابس ملونة ومختلفة وفريدة من نوعها وليست تقليدية. أحب أن يبرز أسلوبي، ليس بطريقة لجذب الانتباه، ولكن من أجل نفسي وثقتي بنفسي.
ما الجزء الأكثر تحديا في عملك؟
- أعتبر الحياة – كشخص مستقل- بحد ذاتها تحدياً، ولكنه تحد حلو. لقد تحدثت إلى نفسي مراراً بعشقي لغموض القدر والمستقبل الذي يخفي في طياته العديد من المفاجآت التي لم نعرفها.
أنا ضد نشر ومشاركة الأخبار الكاذبة والتنمر والسخرية من الآخرين
ما الصيحات التي تتمنين أن تزول؟
- في صيحات الأزياء: عام الألفين ظهرت صيحة ارتداء الجينز منخفض الارتفاع، وكان جيل الألفين يتمتع بالنحافة والمقاسات الصفر والصفر المزدوج، مما يشكل بيئة مناسبة لتلك الصيحة، والآن أود أن تزول.
في صيحات الحياة: لا أتبع أسلوب جمع الإعجابات والمشاهدات، ولكن أحب أن أدين بالفضل لصاحب المحتوي التلفزيوني الذي أنشره، كما أنني ضد نشر ومشاركة الأخبار الكاذبة والتنمر والسخرية من الآخرين.
كيف اكتشفت إصابتك بمرض السرطان؟
- في عام 2003 تخرجت في الجامعة، كنت أقفز من وظيفة إلى أخرى لأنني كنت أحاول اكتشاف ما أريد القيام به من عمل. في عام 2007، قررت أن أترك وظيفتي في مجال الأدوية وألتحق بشركة جديدة في مجال الخدمات المصرفية وكانت الوظيفة التي طالما حلمت بها. أثناء الفحص الطبي للوظيفة الجديدة، أخبرتني الطبيبة تماثلي للشفاء أولا ثم عودي مرة أخرى. سألتها ما الذي يجب أن أشفى منه؟ أنا أمارس الرياضة وأشعر بأنني بخير، ولا أشعر بأي شيء، أخبرتني بأنني مصابة بفقر الدم ولدي شيء في رئتي. أخبرتها بأنني لا أدخن ولا أشرب الكحول وأنني سليمة للغاية. أعطتني بطاقة لطبيب وخلال ذلك الوقت، وكأن الله سبحانه وتعالى قد حجب عيني عن قراءة تخصص الطبيب ومعرفة ما إذا كان طبيب أورام أم لا. بمجرد زيارتي للطبيب، لم يخبرني أحد عما يحدث لمدة ثلاثة أشهر، كنت أتوجه ذهابًا وإيابًا إلى المستشفيات، كنت أشعر بألم في رجلي، ولكني كنت أتحمل لمدة عام ونصف العام، وبمجرد أن أخبرتني الطبيبة تماثلي للشفاء أولا ثم عودي مرة أخرى، بدأت أشعر بالألم فجأة، وكان غير محتمل أسفل رجلي، كما تضخمت رئتي اليسرى كثيرا لدرجة أنني كنت أرى في المرآة جانبي الأيسر أكبر من الجانب الأيمن، كان الجانب الأيسر يخرج أكثر من الجانب الأيمن. وبدأت تكتلات تظهر على عنقي ومع ذلك، لا يزال الأطباء لا يريدون إخباري عما يحدث.
كانت والدتي تسافر في ذلك الوقت، تحدثت معها وأخبرتها أنني بحاجة إلى المجيء لأنني لست متأكدة مما يحدث، ثم ذهبنا إلى طبيب العظام وقال لي أن أذهب إلى طبيب آخر، ولم يكن يخبرني أيضا لأنني في ذلك الوقت كنت لا أزال خمسة وعشن عاما، عندما يتعلق الأمر بالسرطان، من الصعب جداً أن يخبروا المريض بإصابته.
ذهبت إلى الطبيب الآخر وأخبرني بأننا سنحتاج إلى إجراء خزعة واضطررت لإجراء الجراحة لأنها تأخذ عينة من تكتلات العنق لاختبارها. كنت أنتظر وعندما ظهرت النتائج أبلغني الطبيب بإصابتي بسرطان الغدد الليمفاوية المرحلة الرابعة باء (الحوض، البطن، الرئة، والعنق)، ولا داعي للقلق هذا النوع من السرطان يمكن الشفاء منه وبروتوكول العلاج ثمانية أشهر، ولكن شعرك سيسقط، لذلك ستحتاجين إلى قص شعرك.
وبعد مرور خمسة أشهر في عام 2008 عاد لي المرض مرة أخرى وأرجح الطبيب المعالج لي أنه قد تكون هناك خلية من الخلايا السرطانية هربت من العلاج، وانتشر مرة أخرى في جسدك. هذه المرة كان لا بد أن أخضع للعلاج الكيميائي والقيام بزرع نخاع العظام. واستغرق العلاج مني سنة واحدة، وكانت أصعب سنة؛ لأنني رأيت الموت مرات عديد.. تناولت جرعة زائدة عن طريق الخطأ الطبي ولم تكن عملية زرع نخاع العظم سهلة. كنت في عزلة وبعيدة عن الناس، ولا بد من إعداد مسبق لها والاحتياطات التي تحتاج إلى اتخاذها بعد الخروج من المستشفى عام 2010.
وبعد مرور عامين وخلال انتقالي من وظيفة لأخرى يظهر المرض مرة ثالثة وذهبت إلى الطبيب المعالج وأخبرته بأنني لا أشعر بأنني مصابة بالسرطان. أخبرني بأن الأشعة والمسح الذري أظهر الإصابة ولا بد أن تخضعي للعلاج الكيماوي وجراحة نخاع العظام أيضا. قلت له توقف لقد أخبرتني بأن السرطان لن يعود مرة أخرى بعد عامين من زرع نخاع العظام، أجابني بأنه من الجيد أنك تعافيت لمدة عامين بدون سرطان.. وأخبرته بأنك قد ذكرت لي على الأقل خمس سنوات. رفضت إعادة تلك التجربة مرة أخرى، وقررت أن أمضي في حياتي. أخبرني بأن هناك رأسا كيماويا بديلاً إذا رغبت أن تأخذيه على مسؤوليتك الشخصية. لذلك، أخذته وحافظت على حالتي النفسية والتأقلم مع ضغوطات الحياة، ومضيت بحياتي بقوة إرادة وعزيمة وذهبت إلى وظيفتي الجديدة. وفي ديسمبر 2012 ظهرت النتائج أنني خالية من مرض السرطان، وفي اليوم ذاته حصلت على ترقية في عملي.
كيف كانت ردة فعلك بعد سماع الخبر؟
- كنت مستاءة للغاية. طلبت من الجميع الخروج من الغرفة، وهمست إلى نفسي لماذا يحدث هذا لي. كنت أعتني بصحتي وكنت مرتبطة، وكنت سألتحق بوظيفة أحلامي، وفجأة تتغير حياتي مائة وثمانين درجة في ليلة واحدة.
كيف تغيرت طريقة تعامل الناس كأهلك وأصدقائك معك؟
- تعامل الناس كان على مراحل. في المرة الأولى، كان الناس قلقين للغاية، وكل من حولي داعمين لي لأقصى الحدود. طالت فترة المرض والعلاج وبدأ الناس في الانحسار واحدا تلو الآخر؛ لأن لديهم حياتهم الخاصة. اكتشفت أن بعض الناس سيأتون من باب الصدقة حيث يسألون عني من أجل قضية وليس من أجلي، من ناحية أخرى، هناك أشخاص لا أعرفهم وتعرفت عليهم يقومون بزيارتي، وكانوا يأتون من قلوبهم حيث يحضرون لي الكاكاو، ويقومون بقراءة القرآن لي، وهناك أناس يتبرعون لي بالدم والصفائح من جانب الأصدقاء.
أما عائلتي فوالدي، ووالدتي التي ترعاني وهي ظلي، وأخي الذي يعمل في الخارج وهو صيدلي، لذلك عندما كنا بحاجة إلى أي دواء كان يمدنا به. أخوالي هم على مقربة من عمري ومثل الإخوة كانوا أيضا يتبرعون بالدم والصفائح عند الحاجة.
بعد الشفاء يتعامل معك الناس بأنك شخص طبيعي، وهذا أمر خاطئ؛ لأن المريض بعد شفائه يتغير. عقليا تعرضت أجسادنا للإجهاد والإعياء كثيرا بسبب العلاج حتى تجد أنك شخص مختلف تماما بعد الصراع مع المرض.. وأحياناً، تجد أناسا لا ترغب في مشاركة حياتها الشخصية وإصابتها بالسرطان، وهؤلاء لا نستطيع الحكم عليهم.. لذلك، ليس من السهل الحياة بعد الإصابة بالسرطان، ولهذا السبب أحاول رفع الوعي على الإنستجرام؛ لأنني بعد عشر سنوات تغلبت على الخوف من أن يطول شعري حتى ولو اتخذت قرارا بتقطيعه وأنا مرتضية؛ لأنه حين يطول شعري يعود المرض من جديد. وتغلبت على أفكار كثيرة وتخطيتها، مثل أنني لن أكون قادرة على الولادة بسبب العلاج وحكم الناس عندما أتحدث عن رحلتي المرضية؛ لأن الكثير من الناس يستفيدون من تجربتي،
وما زلت أشعر بالخوف من وراء السرطان.
ما أصعب مرحلة من العلاج وما الدافع الذي استندت إليه ياسمين لمواصلة العلاج؟
- الدافع روحاني، وأصعب مرحلة من العلاج ومن حياتي حين تعرضت للخطأ الطبي وأخذت الجرعة الزائدة، حينها نقلت إلى المستشفى بين الحياة والموت، عشت دون طعام أو شراب سوى ماء زمزم.. أصبت بالقرح في فمي وفي حنجرتي، وانخفض وزني إلى أربعين كلغ. كانت علامة من الله سبحانه وتعالى يخبرني بأنني سأتغلب على المرض وسأنجو منه، وأنني لا بد أن أحارب هذا المرض، وهذه حكمة ربي رأيت الموت بعيني.
ما الذي ساعدك في التأقلم خلال هذا الوقت الصعب؟
- الله، الحمد لله.
كيف تغيرت حياتك بعد إصابتك بالمرض؟
- تغيرت حياتي مائة وثمانين درجة. فقد كنت إنسانة مختلفة تماما قبل السرطان.. كنت أرى نفسي كثيرا، لدي جزء من التكبر وثقتي بنفسي عالية جدا. بعد مرض السرطان، حدثت لي هزة في شخصيتي ليس بسبب السرطان، ولكن لأن المجتمع كانوا يتعاملون معي على أنني امرأة مريضة، وأنني لن أتزوج، ولن أكون قادرة على الإنجاب، وقد ترك ذلك أثراً واهتزت ثقتي بنفسي. حاولت وصممت على الشفاء من هذا النوع من الرهاب. الصدمة أنه منذ عامين فقط توصلت إلى عقلية أن مرض السرطان غيرني إلى شخص أفضل وشخصية قوية، شخصية صريحة، وشخصية لن تسقط أمام التجارب الصعبة، شخصية لا تعرف معنى الاستسلام، سأنهض عند السقوط وأحاول من جديد. هناك أوقات أتحدث إلى الخلايا السرطانية وأخبرها بأنك لن تقدري عليّ، وكلما سقطت أنهض وأصبحت لا أهتم بأحكام الآخرين. رأيت الحياة بطريقة جميلة وأن قيمتها التي نعيشها ونحن سعداء بها. إذا كان اليوم ليس يوما جيدا غدا سيكون أفضل. والشيء الأكثر أهمية هو أنني بخير أعيش وسط أحبائي وعائلتي في صحة جيدة. جعلني أنظر إلى الحياة بشكل مختلف، تغيرت أولوياتي كثيراً وأن صحتي النفسية وصحتي العقلية تأتي أولا متبوعة بكل الأشياء الأخرى.
ذكرت سابقاً أن بعض العلاقات السامة أشد في تأثيرها على حياتنا من المرض، فهل من إيضاح؟
- عندما قارنت الأشخاص السامين والعلاقات السامة مع السرطان وجدت أن السرطان تستطيع من خلال الأشعة والعلاج أن يظهر عما توصلت إليه حالتك الصحية من تقدم أو تدهور، هذا على المضاد مع الأشخاص السامين بعلاقاتهم السامة، لأنه يهلك العقل ويؤثر في الشخص أكثر من الكيماوي. العلاقات السامة يمكن أن تمرضك وتقتلك.
أخبريني عن تجربة زراعة البويضات التي أجريتها وسبب بدئها وإيقافها؟
- لم تكن تجربة زراعة البويضات، ولكن التجربة حينما تزوجت ولم يحالفني الحظ كان يعرف زوجي السابق حالتي المرضية، وأن الإنجاب بالنسبة لي معجزة من عند الله -سبحانه- وتعالى، أجريت عملية زراعة الخلايا الجذعية لتنشيط المبايض وزيادة البويضات مرة واحدة فقط حرصا على عدم تنشيط الخلايا السرطانية وإصابتي بالمرض مرة أخرى، وظهرت البويضات سابقة لأوانها وكنت سعيدة جدا؛ لأنني حامل وتوقفت الدورة الشهرية وأنا في عمر التاسعة والعشرين بسبب الكيماوي والهرمونات والأدوية والمكملات الغذائية، لم تكتمل عملية الزراعة لأني لم أستطع الاستمرار بسبب الإعياء الشديد. رضيت بأمر الله، وأنه لم يقدر لي الإنجاب لأسباب صحية أو اجتماعية.
ما النصيحة التي تقدمينها بخصوص هذا الموضوع؟
- التحلي بالصبر والقوة والابتعاد عن ضغوطات الحياة. وعلى كل إنسان أصيب بمرض، ويخضع لعلاج أو تعرض لظروف مؤلمة غيرت نمط حياته، ألا يسمع للآخرين، وخاصة الأشخاص السلبيين ويقتنع بذاته وما يقوم بإنجازه، ولا يضر نفسه صحيا ونفسيا ويعزز ثقته بنفسه.
ما الأكثر أهمية لك اليوم؟
- الحمد الله إن ربنا بارك لي، وكلي رضا بما كتب الله لي، ولم أتصور طوال حياتي أن يصل عمري إلى الواحد والأربعين عاما، الحمد الله.
«أسرتي» في كل مكان
دينا عبد الكريم – دبي