هرموبولس حياة كاملة.. بلا تكنولوجيا
السيدة ميرفت عبد الناصر هي سيدة مصرية عاشقة للصعيد، فهي ذات جذور صعيدية، عاشت معظم حياتها بلندن، إلا أن ارتباطها الوثيق بالصعيد جعلها تفكر في تأسيس قرية «هرموبولس الجديدة» على بعد أمتار من مسقط رأسها بمحافظة المنيا.
العودة للطبيعة حلم ظل يراودها بعدما طغت التكنولوجيا على الحياة والعلاقات الاجتماعية والأسرية، فافتقد الانسان الهدوء والسكينة وتسارعت وتيرة الحياة، فعملت على توفير ملاذ آمن لكل باحث عن الطمأنينة والهدوء بعيدا عن صخب المدينة ووسط بساتين الزيتون وبين أحضان الجبال، حيث أسست قرية فريدة من نوعها، أطلق عليها الزائرون «جنة الله في الارض» لما لها من خصوصية فهي قرية بلا تكنولوجيا يعيش زائرها في عالم قديم…عالم ما قبل التكنولوجيا وأيضا ما قبل التاريخ.
«أسرتي» انتقلت الى صعيد مصر وكان لنا هذا اللقاء مع مؤسسة القرية د.ميرفت عبدالناصر:
مبنى هرموبولس شيد على طراز معماري قديم، وهي بالقرب من مقابر «مدينة الأموات» أو تونة الجبل، وكأن هذه القرية بُنيت بهذا المكان لتبث فيها الحياة، بخلاف أبراج الحمام والفرن البلدي، حيث الريف المصري الأصيل، والمشربية ذات التراث الإسلامي، وحمّام السباحة الذي يعني التطور الذي لم يغفله المكان.
في البداية.. نتعرف على دكتورة ميرفت عن قرب.
ميرفت عبد الناصر خريجة كلية طب القصر العيني، ابنة الصعيد، سافرت الى لندن لاستكمال دراستي وعشت هناك لمدة تزيد على ثلاثين عاما، إلا أن ارتباطي الوثيق بجذوري الصعيدية دفعني للتفكير في دراسة علم المصريات ثم تأسيس قرية «هرموبولس الجديدة» لتكون لها خصوصية بعينها ويتمتع روادها بجمال الطبيعة وسحرها، وتاريخها العريق.
وما سر تسميتها بهرموبولس الجديدة؟
– لأنه بالفعل هناك هرموبولس قديمة وهي منطقة أثرية بالغة القيمة وهي الأشمونين، وهو اسم يوناني أطلق على مدينة مصرية قديمة، وهي تعني بالمصري القديم مدينة «الثمانية»، وترجع الى أساطير بالغة الحكمة ونظريات حول نشأة الكون، وملخصها أن الكون عبارة عن أربعة عناصر وهي الماء والهواء والتراب والنار، هذا ما أوجد الاتزان والاعتدال والتناغم في الوجود.
وما سر اهتمامك بالتراث؟
– التراث والتاريخ المصري هو كل ما يهمني، وأنا لا أحب تجزئة التاريخ لعصور، أنا أعشق هذه المنطقة من مصر بسبب تراثها الفريد، لأنه ليس أثريا ماديا ملموسا فقط وإنما أيضا لأن هناك فلسفة وراء هذا المكان الذي ولد فيه الاعتدال والانسجام والتوازن، وعندما جاء اليونانيون لهذه المنطقة بحثوا عن مكان يصلح لدنيا جديدة أو عالم جديد كما يسمونه، كانت مصر بمثابة البوتقة التي انصهرت فيها كل الحضارات فتأسست هرموبولس وهي تعني مدينة هرمس، وهرمس هو من علَّم الناس الكتابة والحكمة، واخترع التقويم والحروف والارقام.
كيف كان التحول من الطب الى علوم الآثار؟
– أنا تخصصت في الطب النفسي، وهو ليس بعيدا عن البيئة والمجتمع اللذين ينشأ فيهما الفرد، ولدي إيمان عميق بالطب النفسي المجتمعي، بمعنى تأثير البيئة والثقافة على السلوك الإنساني، وكان هذا الموضوع محور دراستي للدكتوراه، وكذلك فكرة استعادة الانسان الاتزان النفسي مع البيئة المحيطة، فحاولت من خلال «هرموبولس» إيجاد بيئة علاجية لإعادة التوازن لمنطقة فقدت التوازن والكثير من انسانيتها، بينما كانت هي الاصل في فكرة الاتزان.
كم تكلفت هذه القرية؟
– أكثر من عشرة ملايين جنيه، وأقمتها على مساحة عشرة أفدنة.
وماذا وجدت بعد مرور عشرات السنوات؟
– حرمت نفسي من وظيفة مرموقة وترهبنت لأتفرغ لهذه القرية الفريدة، فوضعت كل ثروتي في هذه المنطقة لإحياء فكرة أنا مؤمنة بها.
وما المقابل؟
– أنا مؤمنة بأن الانسان سيموت ولابد أن يترك أثرًا جميلا على الارض» فالانسان بستاني على الارض، والله خلقنا للتعمير.. وكما تغنى المصري القديم ورددها الشاعر بيرم التونسي «مدام الدنيا ماهياش دايمة، وقيامة على العالم قايمة، حلوها وافرحوا بيها والطيب اعملوه فيها»، وهذا ببساطة قناعتي الشخصية، أنا بحاول احليها وأعمل الطيب لأنها مش دايمة.
وما طموحاتك؟
– أحلم بأن تتحول «هرموبولس» لمركز للدراسات العالمية للتراث والتنمية، وأنا بصدد بروتوكول تعاون مع جامعة لندن ومعهد التراث العالمي، لما لها من أهمية كبرى في التراث الانساني.