وصل إلى العالمية بجيل جديد يكتب بالإنجليزية الأدب الهندي الحديث. عمق إنساني وروحاني
تعود قصة الأدب الهندي إلى ما قبل 3000 عام.. ويشمل الأعمال الكلاسيكية الدينية الهندوسية والبوذية واليانية والسيخية وأدب بلاط ملوك الهند والشعر الشفاهي التقليدي والأغاني والشعر والنثر الحديث الذي يُعبر عن الأفكار المعاصرة. هذه النصوص القديمة مازالت ذات تأثير واضح رغم الأدب الحديث.. وكانت هذه النصوص والقصص الدينية الطويلة في الغالب، تُحفظ عن ظهر قلب وتنقل شفاهة من جيل إلى آخر.. لكن الادب الهندي الحديث خرج الى العالمية وأصبح له رموزه الكبار شعراء وكتابا وكاتبات بل نال ارفع الجوائز العالمية في الأدب من خلال جيل جديد من الروائيين الهنود يكتبون بالانجليزية الى العالم اجمع.
وقد اخترنا لكم أربع روايات من الأدب الهندي الحديث الذي ينضح بالشاعرية والعمق الإنساني والروحاني.
في «إله الأشياء الصغيرة» للكاتبة أرونداتي روي.. الصراع مع هذه الحياة بالحب ولأجل الحب
إله الأشياء الصغيرة- أرونداتي روي الصراع مع الحياة بالحب
إله الأشياء الصغيرة The God of Small Things هي رواية للكاتبة الهندية أرونداتي روي.. وهي تحكي عن تجارب الطفولة لتوأم، والتي تُدمرها الحياة من خلال قوانين الحبّ والمجتمع والمعتقدات والتقاليد.
حصلت الرواية على جائزة بوكر الأدبية سنة 1997.. وهي العمل الأول الذي استغرق أربع سنوات في الكتابة.. واعتُرف بإمكانيات القصة لأول مرة من قبل، بانكاج ميشرا، محرر في هاربر كولينز الذي أرسلها إلى ثلاثة ناشرين بريطانيين.
حققت القصة للكاتبة روي أرباحا بقيمة نصف مليون جنيه استرليني، وبيعت حقوق نشر الكتاب في 21 بلدا للترجمات المتنوعة.
الكاتبة أرونداتي روي أديبة شابة تعيش في بنجلور وهي مهندسة معمارية في الأصل وتصمم وتكتب للسينما.
تحكي الرواية مأساة عائلية لتوأمين فتاة، ورجل يلتقيان بعد انفصال قسري وتسترجع الفتاة تفاصيل نشأتها: عائلة جدها لأمها، أخت جدتها التي نذرت نفسها للكنيسة، أم التوأم المسيحية التي تزوجت هندوسياً سكيراً تركها فيما بعد تواجه غضب وإهانة عائلتها المسيحية مع طفلين، حبها الدامي لعامل من فئة المحرم لمسهم، أخوها وزوجته الإنجليزية أو مطلقته وطفلتها التي تزوره بعد تسعة أعوام لتلقى مصرعها غرقاً بعد أسبوعين من زيارة الهند، والتطورات الدرامية العائلية والتي تنتهي بانتحار الأم الشابة، وغرق الشاب المعشوق بعد جلسة تعذيب بوليسية، وغرق الطفلة المولدة، وانتهاء الولد التوأم بنفيه النفسي لدى عائلة أبيه، وهجرة بطلة الرواية إلى أميركا.
الرواية تضم مجموعة من المآسي الهندية، قد لا تحمل النهاية السعيدة رغم امتلاء الرواية بالأغاني، والقصائد لكنها تحمل محموعة مهمة من الاسئلة في الحياة والحب والصراع مع هذه الحياة بالحب ولأجل الحب.
في رواية «حياتان» لفيكرام سيث.. حياتان للعم وزوجته سعياً للخلود عبر الأجيال
حياتان- فيكرام سيث
الخلود عبر الاجيال
تعتبر رواية «حياتان» الصادرة عن دار هاربر كولينز في لندن من آخر وأحدث روايات الروائي الهندي الشهير فيكرام سيث.. وهي رواية تدور حول حياة اثنين من أفراد عائلته حيث التأمل الادبي في شخصيتي كل من عمه وزوجته، فالأحداث تدور حول كل من «شانتي، وزوجته هني»، اللذين أقام معهما الكاتب نفسه في منطقة هيندون شمال لندن، عندما كان في السابعة عشرة من عمره قادماً من الهند بهدف إكمال دراسته العليا في تاونبريدج.. إلا أن حياته معهما ولدت فيه رغبة جامحة للتعرف إلى كل منهما ومن ثم الكتابة حولهما.. شانتي طبيب أسنان غادر مدينته دلهي بالقطار متوجهاً إلى أوروبا، وعلى الرغم من فقده إحدى ذراعيه في، مونتى كاسينو، أثناء تطوعه للخدمة في الفريق الطبي في الحرب العالمية الثانية، إلا أنه استمر في وظيفته حتى وصل إلى سن التقاعد.. أما زوجته فهي يهودية ألمانية فرت من ألمانيا سنة 1939، قبل إلقاء القبض على شقيقتها وأمها وإرسالهما إلى المعتقل. وكان الكاتب سيث قد أمضى القسط الأكبر من سنوات حياته الست الماضية في محاولة لإعادة تركيب تفاصيل حياتهما الزوجية اعتماداً على رسائلهما ومذكراتهما ومقابلاتهما التي تسنى له إجراؤها مع عمه قبل موته..إلا أنه لم يشعر بالرضا التام عما فعله على الرغم من الجهود التي بذلها. الرواية تطرح اسئلة مهمة تخص فكرة الخلود عبر الأجيال وهل هذا الخلود ممكنا بالفعل؟ الرواية تقترب الى حد ما من أدب المذكرات وإن كانت في صيغة حكائية أو سردية لحياة الرجل وزوجته.. وهي تعكس من حياة الكاتب الروائي الشهير نفسه فيكرام سيث..فقبل موت عمه وزوجته كان يدرك أنه سيكتب عنهما، فهو يعتقد أن ثمة ما كان يثير انتباهه إليهما بالإضافة إلى قصة حياتهما الحقيقية.. كما أن الكاتب نفسه يتحدث عن سيرة حياته من خلال سيرة حياة عمه بأهم التفاصيل، إضافة إلى ما حدث له في الحرب العالمية الثانية، وهي تفاصيل تتعلق بالسنوات العشر الأخيرة من حياته، عندما كان في الثمانين من عمره، بعدما ترمل وظل يسيطر عليه الحزن والوهن والوساوس وما إلى ذلك.
في «بحر الخشخاش» لأميتاف غوش.. الفقراء يسقطون في بحر العبودية للأفيون والاستغلال والاستعمار
بحر الخشخاش – أميتاف غوش
بحر العبودية لصالح الغرب
هو واحد من اهم الروائيين الحداثيين الهندود حاليا.. له مؤلفات عديدة وتاريخ طويل مع الأدب.. من أهم رواياته رواية «بحر الخشخاش» والتي اتخذت من تجارة الأفيون موضوعا اساسيا لهل كي تسرد حكاياتها المتداخلة وترسم لنا صورا مأساوية عن الدمار الإنساني الذي سببته هذه التجارة الملعونة.. الرواية تحدثنا أيضا ومن خلال معاناة الانسان مع الافيون عن توق هذا الإنسان للحرية وبحثه عن الأمل والخلاص بطرق قد تبدو جريئة ومدهشة للقراء.. فهي تدور دراميا حول قصة الزراعة الإلزامية التي فرضتها بريطانيا على الهند ليقوم المزارعون بزراعة نبات خشخاش الأفيون ثم صناعته وتهريبه إلى الصين التي كانت آنذاك تتمتع باكتفاء ذاتي يجعلها في منأى عن الاستيراد.
كل ذلك يتم عبر ملحمة هائلة من الآلام والدماء لخدمة هدف وحيد ألا وهو إنعاش الاقتصاد البريطاني.. الرواية ترصد أيضا ببراعة حرمان المزارعين من زراعة أي محاصيل أخرى ومعاناتهم الشديدة من جراء تحويلهم مع أصحاب الأراضي إلى مدينين لقراصنة شركة الهند الشرقية!
الكاتب يجمع لنا بمهارة عدة شخصيات هامشية لتبحر معاً على متن السفينة «ايبيس»، وهي سفينة كانت تنقل العبيد سابقا ثم تم تغييرها لتنقل الشحنات الجديدة من الأفيون والبشر! من تلك الشخصيات «ديتي» الأم الصغيرة التي تعيش على ضفاف نهر الغانغا نحو 50 ميلا إلى الشرق من بينارس وتزرع الخشخاش مضطرة من اجل البقاء، وبالرغم من أنها لا تتعاطاه، فإنه أي الأفيون قد تسلل إلى عمق حياتها الأسرية.. وزكريا العبد الكهل الذي يخبئ وبشراسة أسرار ميلاده.. وبابو نوب قاسم بيروقراطي شركة الهند الشرقية المهووس بالخرافات.. وسيرانج علي الزعيم الماكر.. ونيل الحاكم البنغالي المثقف الحالم الذي قادته سذاجته وقلة حنكته إلى الإفلاس والعار والإقصاء بينما سارع البريطانيون الذين كانوا يتهافتون على موائده إلى التسابق على حيازة أرضه
يعيدنا الكاتب بمهارة إلى الهند عام 1830 ليمزج في عبق بين غموض الطقوس القديمة والشخصيات والأحداث لنعايش معاناة الانسان مع الظلم والاستغلال والضعف.
طاغور في روايته «غورا» يجعل بطله نموذجاً للإنسان المستنير الذي لا يرى فوارق بين أبناء الأمة الواحدة مادام تجمعهم ذات الهوية
غورا- رابندرانات طاغور
إدانة التعصب الديني
يبحث الشاعر والروائي الهندي الكبير رابندرانات طاغور في روايته «غورا» عن هوية امته الضائعة بين الطوائف والمذاهب المتعددة فترة نهايات القرن التاسع عشر.. حيث كانت الهند تعاني آنذاك من الجهل والتقاليد البالية الخاطئة.. وبالتالي يأتي البطل باحثاً عن وسائل الخلاص من ثقل التقاليد الخاطئة ورفعها عن كاهل المجتمع واللحاق بركب الامم المتقدمة.. ذلك البطل قد حصل على الرعاية والاهتمام من العائلة الهندوسية التي ربته، كما حصل على تعليم عال واكتسب شخصية قوية تمتاز بالصلابة جعلته يقف ضد الاحتلال الانجليزي للهند، لأنه مقتنع بثوابت لا يحيد عنها أبدا ولا يقبل أي مراوغات أو مهادنات فكرية.. لذلك صوره الكاتب شخصا له آراؤه القطعية ولكنه يمتلك الحجج المقنعة للدفاع عنها.. فهو يقول في الرواية «هدفي ومرامي هو الهند مهما وجه لها من انتقادات لا أضع أي شخص فوقها لا أنت ولا أنا ولا أحد آخر أرفض أن أقوم بأي حركة تبعدني عنها شعرة».
يحاول شاعر وروائي الهند العظيم طاغور في روايته هذه إدانة التعصب الديني.. لذلك يجعل بطله «غورا» نموذجاً للانسان المستنير الذي لا يرى فوارق بين أبناء الأمة الواحدة مادامت تجمعهم ذات الهوية.. لذلك من حوارات البطل في هذه الراوية الخالدة:
«الله خلق البشر مختلفين في أفكارهم وسلوكهم وقناعاتهم وتقاليدهم، ويوجد عند الجميع عنصر امتلكه أنا أيضا وهو ينتمي الى الهند بمجموعها».