وظّف موهبته لخدمة مجتمعه وتمكين السيدات الريفيات سليم عزام.. خـرج بـحـرفـة التطـريـز الريفية إلى العالمية
كثيرون هم من يصممون الأزياء في العالم بأسره، ولكن قلة منهم من يستغلون موهبتهم الابداعية في خدمة قضايا أكبر وأعمق ويتحولون مع الوقت لأيقونات مؤثرة في حياة الآخرين ولا يمكن إلا أن نضيف اسم المصمم اللبناني الشاب سليم عزام إلى تلك القلة القليلة فالتصميم بالنسبة له عالم رحب يحاول من خلاله ليس فقط الحفاظ على حرفة التطريز الريفية التي كادت تندثر مع الوقت بل أيضا تشغيل السيدات الريفيات اللاتي يتقن تلك الحرفة الصعبة لتخرج من حدود القرى والضيع الصغيرة إلى العالمية من ناحية ولتمكينهن ماديا واجتماعيا من ناحية أخرى بشكل لابد انه غيّر حياتهن بشكل غير مسبوق بحيث أصبحن يحققن ذواتهن ويعرضن أفكارهن في كل مجموعة جديدة يصممها عزام.
لست مصمم أزياء فقط بل أسلوب حياة!
وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يمر بها العالم أجمع وبالقطع لبنان بسبب جائحة كورونا التي تجتاح العالم منذ نهاية 2019 فإن المصمم عزام استطاع أن يتجاوز الأزمة وأن يبقي على السيدات العاملات معه من كافة أنحاء لبنان وسورية، حيث قال إن همه الأكبر كان تأمين فريق العمل لديه والإبقاء عليهن في جو من الإبداع والطمأنينة والهدوء.. حتى يظللن شاعرات أن الاتيليه مكان آمن وسعيد بغض النظر عما يحدث في الخارج”، مشيرا إلى أنه نجح إلى حد كبير في تحقيق هذا الهدف.
قرر أن يعمل ما يحبه وهو: «أوظف موهبتي لخدمة مجتمعي»
إذن.. من هو سليم عزام وكيف كانت بدايته؟
يقول عزام انه بدأ مشواره في عالم تصميم الأزياء في عام 2016 بعد عودته من كندا حيث كان يدرس فيها (الجرافيك دزاين)، مشيرا إلى أنه قرر أن يعمل الشيء الذي يحبه وهو (أن اوظف موهبتي لخدمة مجتمعي).
لم أجد أفضل من بيئتي حتى أقتبس من جمالها!
وأضاف أنه كان يعشق تفاصيل ضيعته الصغيرة التي نشأ وترعرع بين ربوعها فكانت الزهور الملونة والعصافير التي تحلق في سمائها وطبيعة أرضها الخلابة بها بل وملابس نسائها المطرزة يدويا مصادر أساسية في إلهامه عند تصميم تشكيلاته المختلفة واختيار التطريزات اليدوية التي ستزينها وتزيدها قيمة وفخامة.
اخترت التطريز وأردت أن أعطيه فرصة ثانية حتى يسافر خارج حدود القرى
ورغم أنه لم يدرس تصميم الأزياء الذي عشقه منذ كان طفلا صغيرا بسبب طبيعة ضيعته البسيطة التي لم تكن معتادة على تلك الدراسة بقدر ما كانت معتادة على دراسة الطب أو الهندسة فإن شغفه بالأزياء كان بلا حدود خصوصا التطريز الذي كان يراه في كل مكان من حوله، ولم لا وهو الحرفة المتوارثة التي لطالما أتقنتها سيدات القرى والضيع وكانت مصدرا للدخل لهن، ولكن مع الأسف كادت تندثر وتختفي مع الوقت.
وأكد عزام أنه اختار الأزياء لعشقه لفن التطريز (أنا اخترت الأزياء لأني اخترت التطريز وأردت أن أعطيه فرصة ثانية حتى يسافر خارج حدود القرى والضيع) ليصل إلى العالمية، في إشارة إلى صعوبة تلك الحرفة التي تمثل الهوية الخاصة بالمنطقة الريفية اللبنانية.
وعن مصادر إلهامه، قال عزام إن بيئته (هي مصدر إلهامي بكل شيء.. الناس بطريقة بسيطة وتعيش بتناغم كبير مع بيئتها البسيطة). وأضاف أنه لم يجد أفضل من بيئته حتى يقتبس من جمالها (عندما بدأت أشتغل بالأزياء ما قدرت أشتغل إلا بالأشياء اللي طول عمرها محيطة بي منها كيف النساء كانت عم تلبس أو لون مناديل النساء البيضاء اللاتي يرتدينها على رؤوسهن وقصات ملابسهن والتطريزات التي كانت تزينها).
ورغم استخدام المصمم لتطريزات بلدته والضيع الأخرى،فإنه يقدمها بشكل عصري يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، فالسيدات العاملات لديه اعتدن على تطريز نقوش متكررة تبدو وكأنها تضمُّ رسماً واحداً أما عزام فقد غير هذا التقليد ليقدمها بطريقة أكثر حداثة رغم أنها تعتمد على القصص الشعبية التي تعكس شخصيته المهتمة بالعادات والتقاليد وتعتبر بصمته الفنية.
وتعتمد تصميمات عزام بشكل كبير على القمصان البيضاء المطرزة بالنقوشات الملونة المستلهمة من طفولته والموقعة باسم علامته التجارية التي بدأت تتوسع في الآونة الأخيرة بحيث ضمت السراويل والعباية وغيرها من المنتجات الأخرى.
رغم قسوة الجائحة اقتصادياً على العالم فإنها أثّرت إيجابياً عليّ وعلى أعمالي!
وعن تأثير جائحة كورونا على نشاطات عزام، قال المصمم إنها رغم قسوتها على الجانب الاقتصادي للبنان والعالم أجمع إلا أنها كانت ذات تأثير إيجابي عليه وعلى أعماله بشكل خاص حيث كان يطمح منذ فترة ليست بقليلة (للوصول للخارج.. حسيت أني لازم أبذل مجهود إضافي حتى أخرج للعالم الخارجي وهو ما حدث أثناء فترة كورونا). وأكد أنه (فخور أننا استطعنا أن نحافظ على موقعنا إن كان بمسؤولياتنا تجاه الموظفين العاملين لدينا، وهذا الشيء كتير كتير نفتخر فيه)، ولكنه على نفس الصعيد لم يستطع حتى التعبير عن ألمه وحزنه جراء انفجار مرفأ لبنان منذ عدة أشهر، وقال إنه شاهد الحدث بعينيه، حيث كان واقفا بالمصادفة في بلكونته (شفت شي ما كنت أتخيل أني شوفه في حياتي.. ما بعتقد أن أي حدا عاش هالحدث ببيروت ممكن أنه يتخطاه).
وأضاف أن وفاة والده خلال هذا العام أيضا كانت سببا في إطلاقه مجموعة تعبر عن أحزانه الشديدة تجاه كل تلك الضربات المتلاحقة، ولكن بشكل إيجابي تمثل في مجموعة من التصميمات المميزة.
وعن مشاريعه المستقبلية، أكد المصمم أنه لا يعتبر نفسه مصمم أزياء وحسب، بل (أسلوب حياة)، ومن ثم فهناك ما سيقدمه مستقبلا.
إلى جانب التصميم والعمل في مجال الأزياء، انتقل سليم عزام إلى مجال التعليم، وهو يدرّس حالياً التصميم في الجامعة اللبنانية الأميركية ويرشد الطلاب إلى طرق استخدامه بهدف التغيير أو التأثير في نمط حياة الناس.