أطلقت «دار المتوسط – ميلانو» سلسلة كتب جديدة تحت مسمى «يوميات عربية» تضم أدب اليوميات لروائيين وشعراء وصحافيين في المهجر، غادروا بلادهم العربية إمّا بسبب القمع السياسي أو الحروب أو المجاعات أو حتى بحثًا عن حياة أفضل.
يعد فن كتابة اليوميات شكلاً غير تقليد من الأدب، يمزج بين الأدب والواقع بشكل اجتماعي كي يُسلط الضوء على أثر التفاعلات الفردية بالأماكن والأزمنة والوقائع التاريخية اليومية من الواقع الذي يعيشه صاحب اليوميات من الأرواح العربية المهاجرة، لذلك يضم الكتاب كتابات يومية لمهاجرين عن حروب وثورات ومجاعات وحفلات زواج وحالات ولادة وكرنفالات.. إلخ، وكل هذا يتم تسجيله من قِبل عين فردية كي تكشف انا بعض جوانب الحياة في المهجر أو الغربة التي يعانيها صاحب الكتابات كما تسمح لنا بمعايشة أفكار ومقولات وظروف مادية ونفسية ومشاعر للرفض والقهر والتحدي.. فهؤلاء كتاب الكتاب أو السلسة يعلنون اللجوء إلى الحدود أو السفارات أو مراكز اللجوء أو المخيمات أو مراكز الشرطة أو مجتمعات بأسرها.
يقدم مكسور محطته في الترحال واللجوء الأخيرة محاولا جاهدًا أن يتفاعل مع حياته الجديدة كلاجئ بأرض غريبة!
صدر الجزء الاول من هذه السلسلة المتميزة الجديدة في طرحها تحت عنوان «أبناء البحر» للروائي والصحفي السوري عبدالله.. يتناول فيه مكسور فترتين من حياته: الأولى تمتد بين مارس وأبريل عام 2003 في معتقل بوكا في العراق، والثانية تمتد من أول أغسطس حتى آخر سبتمبر عام 2014.
«الأوطان كلها أرضنا بعد أن ضاعت سورية»
لم يقدم مكسور يومياته في شكل تسلسل زمني، ولكن بطريقة القفز بين تواريخه الشخصية، متقدمًا بالزمن تارة وعائدًا للخلف تارة أخرى.. لكن الحدثين البارزين في حياة مكسور وفي سيرته كانا الغزو الأمريكي للعراق والحرب الأهلية في سورية، ولذا حضرت الحرب والمعتقلات والحدود واللجوء والتعذيب والخوف بشكل واضح في اليوميّات.
ومن قصص هذين الحدثين عندما يصل مكسور مدينة بودروم التركية لاجئًا، ومن هناك في المدينة المطلّة على بحر إيجه، حيث المهرّبين ومستغلّي السوريين الفارّين من جحيم الحرب، يرحل باتجاه أثينا اليونانية، وبعدها ميلان الإيطالية، والتي يتخلّى فيها عن هويته ويحوز أوراق ثبوتية جديدة ليصل إلى بروكسيل في بلجيكا، ومن مطارها إلى مخيم بيرزيت للاجئين في رحلة كانت أشبه بميلاد جديد.
يقدم مكسور محطته في الترحال واللجوء الأخيرة محاولا جاهدًا أن يتفاعل مع حياته الجديدة كلاجئ بأرض غريبة! لكن من أين يأتي الأمل وكل تفصيلة في هذه الحياة الجديدة في القارة الأوروبية أرض الأحلام الموعودة والحريات تكون عكس المتوقع؟! بداية من تاريخ مخيم اللاجئين الذي كان مقرًا سابقًا للنازية، والذي يذّكره بالهولوكوست الحاصل في بلده، إلى إجراءات اللجوء لكي تعترف به السلطات إنسانًا، في عالم تكتسب فيه الأوراق قيمة مادية تفوق قيمة الحضور الإنساني نفسه.
وينهي مكسور يوميّاته بعبارة مهمة موجعة توحي بالكثير: «الأوطان كلها أرضنا بعد أن ضاعت سورية».
هذه العبارة قد تكون وهما أكثر منها حقيقة، لأن الأراضي كلّها لم تكون وطنًا بديلًا لمن فقد وطنه.
ويبدو مكسور هنا محاولًا علاج ذاته من خسارتها، وللتخفيف من وطأة الألم للابتعاد عن ابنته وزوجته ولتمرير الوقت في ظل هذا الشتات.