تحقيقات

للمراهقين.. الهوايات حماية.. وشخصية سوية

مع زيادة الشعور بالملل لدى المراهقين في الفترة الأخيرة بتزايد ساعات البقاء في المنزل يتجه البعض منهم الى سلوكيات تضر بصحتهم وتشكل خطرًا عليهم. وعلى جانب آخر فهناك مراهقون تمكنوا من استغلال وقت الفراغ الطويل في اكتشاف هواية جديدة أحبوها وتعلقوا بها، البعض اتجه للقراءة وآخرون للرياضة وهناك من اكتشف حبه للرسم والفنون. في موضوعنا نسأل الخبراء والمدربين عن أهمية وجود هواية لدى المراهق لحمايته وتطوير حياته:

جيهان نخلة:
ممارسة الهواية تُعلّم تقبل الفشل والمواصلة بعد الخسارة وعدم الغيرة من نجاح الآخرين

بداية تعرف الاستشاري الأسري ومدربة الحياة جيهان نخلة الهواية بأنها “اهتمام يمارس في أوقات الفراغ يهدف الى المتعة والراحة ويؤدي إلى اكتساب مهارات ومعارف كثيرة، والهوايات كثيرة، هناك الرسم والنحت والكتابة والشعر والرياضة وغيرها. وقد تكون الهواية سهلة الاكتشاف وواضحة في السنوات الأولى من حياة الطفل، وفي بعض الأحيان نحتاج إلى البحث والتدريب لنضع أيدينا على الهواية المناسبة للشخص”.
وتؤكد أن خلق واكتشاف الهوايات في الطفولة يكون أكثر مناسبة لأي شخص (إذا بدأنا في الاهتمام بالهوايات في فترة متأخرة فسيكون الأمر صعبًا لذا علينا التنبه لأهمية الهوايات في عمر مبكر).
وتبين ان الهوايات تصنع الشخصيات السوية إذ تعلم ممارسة الهواية تقبل الفشل والمواصلة بعد الخسارة وعدم الغيرة من نجاح الآخرين (الهواية تعمل على بناء شخصية المراهق إذ يجد نفسه في الهواية، كما تجعل لديه ثقة بنفسه كونه قادرا على فعل شيء مختلف، ولأن الهواية تخلق فرصة للنجاح في مجال خارج التعليم تصبح شخصية المراهق أقوى وتزيد من تقديره لذاته ويصير قادرًا على وضع أهداف وتحقيقها).
وتشدد على أهمية وجود هواية للمراهق كونها تسهم في تكوين شخصية الفرد وتنمية قدراته العقلية ومهاراته إلى جانب تفريغ طاقات المراهق بشكل جيد وآمن (تخلق الهواية تميزا لدى المراهق وتجعله يثق في قدراته، كما يتعلم المشاركة والتواصل مع أقرانه ومن هم أكبر منه وأن يكون قائدا لمجموعة العمل وطاعة أمر المدرب وهي أمور مهمة في حياته العملية مستقبلًا).
وتقول إن الهواية قد تغير في كثير من حياة الشباب ومنها اكتساب المهارات المفيدة كما قد ينتقل الشاب من التدريب إلى الإبداع فتتحول الموهبة فيما بعد من قضاء وقت فراغ إلى حياة وتتمحور حياته عنها. وتذكر مثالا للاعب المصري محمد صلاح قائلة “اللاعب المصري محمد صلاح بدأ حياته هاويًا لكرة القدم، ولكنه أصبح مع الالتزام والعمل على الهواية واحدًا من كبار لاعبي العالم. فالهواية قد تكون حجر أساس لتميز الشاب والشابة” .
غير أن إتقان المراهق للهواية ليس شرطًا، كما توضح جيهان نخلة فربما على المراهق أن يجرب الهوايات المختلفة من باب التجربة أو المغامرة في الاتجاه الصحيح (يجب أن يعطي الوالدان للمراهق فرصة تجربة عدد من الهوايات حتى يكتشف الهواية التي يمكن له أن يتميز فيها”.

كما تنصح الوالدين بدعم المراهقين باستمرار أثناء التدريب حتى وإن تعرضوا للفشل (يجب على الأهل توفير أماكن التدريب المناسبة والمدربين المتخصصين وإظهار الحب والقبول في جميع الحالات والابتعاد عن المقارنات بين المراهق وأصدقائه ومشاركته والاهتمام بأوقات التدريب).
وتحذر من مخاطر افتقاد المراهقين الهوايات وتفريغ الطاقة بشكل مضرّ لهم (مع وجود أوقات فراغ طويلة ومع الحيرة والضغط المصاحبين لمرحلة المراهقة، وإلى جانب ظروف أزمة كورونا قد يلجأ المراهق للتنفيس عن طاقته بالالتصاق المستمر بالشاشات الإلكترونية أو أصدقاء السوء الذين يدفعون به لعدد من العادات السيئة مثل التدخين أو إدمان المخدرات والمواقع الإباحية أو العلاقات غير السوية. وهنا تتجه روح الاستكشاف والمغامرة لديه في أماكن غير صحيحة وسيئة وتضر به وبحياته ومجتمعه).

بتول أحمد:
غياب الهواية في حياة المراهق يفقده الشغف في التعلم

فيما تبين الاختصاصية النفسية، بتول أحمد أن الهواية هبة عظيمة وأداة يستخدمها الإنسان في التفريغ الانفعالي وإطلاق العنان لخياله المبدع، وهي من عناصر القوة لدى الشخص.
وتضيف أن الهواية تساعد المراهق في توجيه سلوكه وأفكاره واهتماماته (لا شك ان الهواية تحمي المراهق من الانجراف نحو العادات السيئة وتشغل وقتا كبيرا من يومه، كما أنها تسهم في تعزيز الشعور بالإنجاز عند المراهق مما يجعله يشعر بقيمته وينظر لنفسه بوصفه شخصًا منتجًا وهادفًا ولافتًا للأنظار).
وتنفي بتول اقتصار الهواية على الرسم والغناء والرقص (تشمل الهوايات مجالات عدة، مثل التفكير الإبداعي والرياضة والفنون التمثيلية والبصرية والإبداع اليدوي والقدرة على القيادة والهوايات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات وغيرها من المجالات ولا توجد هواية معينة أفضل من أخرى).
وتوضح أن غياب الهواية في حياة المراهق تفقده الشغف في التعلم ويكون لها تأثير سلبي على نظرته لنفسه (غياب الهواية لدى المراهق تخلق لديه التشتت وعدم الالتزام، كما تفقده الشعور بأهمية التركيز في شيء، مما يجعله يقع ضحية للفراغ الذي حتمًا سوف يجذبه لعادات سيئة وأنماط تفكير متطرفة وسلوكيات عدوانية كونه يريد إشباع حاجة التميز بهويته فإذا لم يجد الطريق الصحيح عن طريق الموهبة والهواية، سوف يشبعها بطرق أخرى ليست محمودة كما سيعاني من نظرة الآخرين له على انه فاشل وليس له قيمة).
وتحكي عن تجربتها مع المراهقين قائلة “صادفت الكثير من المراهقين الذين ساهمت موهبتهم في تغيير مسار حياتهم رأسًا على عقب، فمن خلال عملي في أحد النوادي الشبابية التي توفر مساحة آمنة وغنية لاكتشاف وتنمية ميول الشباب، شهدت على العديد من الأشخاص الذين لم يكونوا يعرفون ذواتهم ولم يكتشفوا قدراتهم ومن خلال المساعدة المختصة والبيئة الداعمة اكتشفوا قدراتهم ومواهبهم واختاروا تخصصهم الجامعي بناء على ما اكتشفوه في أنفسهم. وعلى الجانب الآخر جعلتهم الهواية منتمين أكثر للنادي وبيئته ومن يشبهونهم ولم يلجأوا للشارع وما فيه من مشتتات ومخربات لشخصياتهم بل جعلتهم الهواية أكثر قوة وثبات في الشارع”.
وتذكر مثالًا لفتاة في عمر التاسعة شُخصت بالتوحد وأثر عليها تعلمها العزف” بدأت الفتاة بتعلم العزف على آلة الكمان وساهم ذلك في تحسين الكثير من المهارات العقلية والوظيفية لديها من الإدراك الحسي والتركيز وجعلها تخرج ما في داخلها من طاقات ابداعية من خلال العزف”.
وبالنسبة لبتول فإن هوايتها في مجالي الموسيقى والغناء في عمر المراهقة هو ما جعلها تتجه لتخصصها الحالي (الاكتشاف المبكر لهوايتي جعلني احصل على فرص لتنميتها ودرستها في المعهد، مما دفعني إلى إكمال دراستي والتخصص في العلاج النفسي بالموسيقى، أي انني دمجت بين هوايتي وعملي الذي أحبه).

نوران أمجد:
الرسم يساعد ممارسيه على الانغماس بخيال بديع

فيما تؤكد نوران أمجد، مدربة الرسم والفنون التشكيلية، أن هواية الرسم تتميز عن غيرها من الهوايات والفنون بأنها تخطف ممارسيها لعالم خاص بهم بين الأدوات الفنية (الرسم يساعد ممارسيه على الهيام والانغماس بخيال بديع ويخرج ما بداخلهم من أفكار فنية ولوحات تشكيلية باختلاف أنواع الفن ومدارسه ومختلف الموضوعات من رسم المشاهد الطبيعية أو الأشخاص أو الطبيعة الصامتة).
وترى أن الفنون التشكيلية تزيد لدى المراهق حاسة التذوق الجمالي والدقة في التفاصيل (الرسم والفنون توضح لدى الشخص رؤيته لمعظم أمور الحياة؛ فهذه الهواية تخطف ممارسيها نحو عمق خاص ومميز عن غيرها من الهوايات).
وتحث الآباء على الاستثمار في هواية الرسم والفن التشكيلي (على الوالدين أن يقوما بتحفيز المراهق دائمًا بإشراكه في مسابقات فنية أو دورات تعليمية للرسم مما يطور مهاراته، وتشجيعه على التميز أكثر في هوايته واستغلالها في الاستمتاع بها في أوقات فراغه، مما يسهم في خلق مراهق واعٍ ومبدع له ذوق راقٍ ويؤدي الى رقي المجتمع كله).
ولاحظت من خلال تجربتها ان المراهق يحتاج الى الصبر والإصرار كي يتمكن من الشعور بالإنجاز في الهواية التي أقبل عليها (في البداية يكون الشخص فاقدا الأمل في اكتساب هذه المهارة بسهولة وغير قادر علي التحلي بالصبر في الحصول على نتيجة جيدة، ولكن مع التدريب والوقت يتبدل الحال مما يجعل الشخص ينتج لوحات فنية إبداعية واكتساب مهارة قد يكون الشخص نفسه غير واعٍ أنها بداخله أصلا ولكنه فقط كان محتاجًا الى معرفة بعض الأساسيات والخطوات الصحيحة).

محمود عبد اللطيف:
الهواية تخلق حلم المراهق

ومن الرسم إلى السباحة إذ يحدثنا كابتن محمود عبد اللطيف، مدرب السباحة والمحاضر في الإنقاذ الدولي، عن دور الهواية لدى المراهق في خلق حلم يسعى لتحقيقه قائلًا “المراهق الذي لديه حلم في التفوق بهواية محددة يحتاج الى المساعدة لكي يصبح له دور في المجتمع من خلال هوايته، فكثير من الناس اتجهوا مثلًا لتعلم السباحة كي يتمكنوا من العوم في البحر فقط، ولكن مع التعمق في معرفة السباحة تحولوا ليصيروا مدربين فتنمية الهوايات قد تكون طريقا يفتح مستقبلًا لمجال عمل أو احتراف فيما بعد للشخص”.

السباحة تكسب المراهق عدداً من السمات البدنية والنفسية

ويذكر أن السباحة تسهم في إكساب المراهق عددا من السمات البدنية والنفسية (السباحة تعمل على زيادة المناعة والقوة البدنية وتنظيم التنفس وتقويته وتقوية العضلات).
ويستذكر أحد طلبته الذين التحقوا بتدريب السباحة لتقوية المناعة (كانت مناعته ضعيفة جدًا وألحقته والدته بتدريب السباحة كي تزيد مناعته دون استخدام المقويات الطبيّة، وبالفعل بعد تدريب السباحة صارت مناعته قوية وتوقفت المقويات).
كما يؤكد أن تعلم السباحة تكسب المراهق عددا من السمات الأخلاقية في آداب التعامل مع الآخرين (يتعلم الشاب العمل مع فريق وأن يكون لديه هدف ويتنازل من أجله عن كثير من الأشياء لتحقيق هدفه مثل الخروج مع الأصدقاء والالتزام بمواعيد معينة للنوم والبعد عن الهاتف والتركيز والعمل على الأحمال البدنية إلى جانب التنافسية للوصول إلى مستوى متقدم في السباحة، كما يصير صاحب قرار ويتحمل المسؤولية، وخلق التزام ذاتي لديه).

ومن واقع خبرته يشدد على ان الالتزام بهواية رياضية كالسباحة يمكن أن يغير من مسار حياة الشخص للأفضل (نعم هناك الكثير من الشباب الذين دربتهم وكانوا ينتمون لمناطق تنتشر فيها المخدرات والعادات المدمرة للشخص والبلطجة فساعد تدريب السباحة الشاب على أن ينأى بنفسه عن تلك البيئة السيئة وأصبح له هدف، كذلك ابتعدوا عن سلوكيات التحرش لأن التدريب جعل الشباب الفتيان يتعاملون مع زميلات من الفتيات وخلق لديهم معرفة جديدة بعلاقة الزمالة وفي بعض الأحيان تصبح هذه الهواية فرصة عمل فيما بعد عند احترافها، فهي أيضًا تفتح باب رزق للشاب).
ويختتم قائلًا “بالنسبة إليّ شخصيًا جعلتني السباحة أغير من مسار حياتي، فالسباحة بدأت معي هواية ثم تحولت الى دراسة وعمل واحتراف حتى وصلت لكوني مدربا مصنفا عالميًا”.

داليا شافعي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق