الصداقات الوثيقة ضرورية من أجل الصحة والسعادة، ليس مجرد كلمات، بل هي حقيقة أقرتها دراسات وأبحاث، الصداقات تكبر معنا منذ الصغر، نعم، ولكن ماذا إذا كان من الصعب عليك تكوين صداقات وثيقة كشخص بالغ؟!، وماذا إذا لم نكن على تواصل دائم بأصدقاء طفولة؟!
أول شيء نبحث عنه في الصداقة في هذا العمر هو التقبل
للصداقة شروط، أهمها التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل، وكذلك تشابه الميول والاتجاهات، إضافة إلى تقارب العمر، خاصة إذا كانت ثنائية، وربما كان للأخلاق الحسنة (مفعول السحر) في الحفاظ على الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح الشخصية، التي تسمو عن السلوكيات الخاطئة مثل الغيبة والانشغال بعيوب وخصوصيات الآخرين.
سيرينا تشن، خبيرة علم النفس الاجتماعي والأستاذة بجامعة كاليفورنيا، أكدت على أن الشعور بالألفة هو أساس الصداقة الوثيقة، ويكمن جزء كبير من هذا التآلف في القدرة على أن تكون نفسك بالكامل، وأن يراك الآخرون ويفهموك، فعندما لا يفهمنا الأشخاص المقربون منا، يقل الشعور بالألفة.. ويعد التشارك أيضا عاملا جوهريا لخلق الشعور بالألفة.
وتوضح سيرينا أن جميع الأشخاص الذين تعرفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك أو انستغرام، ليسوا بالضرورة أصدقاء أو أشخاصا مقربين، لأننا حين ننشر شيئا ما على فيسبوك ويشجعنا الناس من خلال كتابة التعليقات اللطيفة، التي يكون وقعها علينا جيدا، فإنها لا تخلق شعور الألفة بالضرورة، لأنها تفتقر إلى الأخذ والعطاء.
هذا، وقالت الاختصاصية النفسية تهاني الحمد إن هناك العديد من أشكال الصداقة ولكن الأغلب يكون هناك عوامل تحدد شكل الصداقة بعد النضج.
وأضافت: في سن النضج من بعد الأربعين يتبدل الإنسان وتتغير ميوله واتجاهاته وأحيانا أصدقاؤه، فما كان يريده الإنسان قبل هذا العمر من الصداقة يختلف عما يبحث عنه في الصداقة بعده، هناك صور للصداقة في سن النضج كما حددها الباحثون:
عالم الصداقة يفترض أن يكون خالياً من التصنّع
1- لأن سن النضج يحمل الكثير من التغيرات للإنسان في شخصيته وميوله واتجاهاته وأفكاره، فإن أول شيء يبحث عنه في الصداقة في هذا العمر هو التقبل، فهو يريد أصدقاء يتقبلونه كما هو دون أن يطالبوه بشيء.
2- التغيرات التي يحملها سن النضج تجعل الإنسان، في حالة تقلب دائم، فهو أحيانا يرغب أن يكون وحده، وأن يحظى بقدر من الخصوصية وأحيانا أخرى يرغب في الصخب وتواجده وسط أصدقاء كثر، ولذلك فإن أهم الأمور التي يتم البحث عنها في الصداقة بعد هذا العمر، هي التفهم حيث إن عالم الصداقة يفترض أن يكون خاليا من التصنع، ولذلك فإن الإنسان في هذا العمر يبحث عن أصدقاء يتفهمون طبيعته وتغيراته ويستطيعون التعامل معها دون أن يبذل أي مجهود لكي يتصنع غير ما يشعر به.
3- الصخب الذي كان يصحب صور الصداقة المختلفة في سن العشرينيات يختفي في هذه المرحلة العمرية الجديدة، ويبدأ الإنسان في البحث عن أصدقاء أكثر هدوءا ورغبة في مشاركة هذا النضج الفكري، ولذلك يرغب الإنسان في الحصول على صداقة هادئة تعزز من شعوره بالنضج، وفى نفس الوقت يكون هؤلاء الأصدقاء على أتم استعداد أن يشاركوه لحظات جنونه، كما لحظات نضجه الجديدة.
4- يدرك الإنسان معنى الصداقة في هذا العمر وقيمتها، ولذلك ففي هذا العمر لا يرغب الإنسان في مجرد وجود أصدقاء في حياته، حتى وإن كانوا أصدقاء حقيقيين وأوفياء، ولكنه يرغب في أن يكون هؤلاء الأصدقاء بمثابة عائلة له، ففي هذا العمر يرغب الإنسان أن تندمج عائلته مع أصدقائه وأن يصبحوا كيانا واحدا يصعب انفصاله.
وأوضحت الحمد أن الصداقة الحقيقية لا تنتهي بالخلافات، لكنها قد تنتهي بالنضج، أي معرفة أن الشخص الذي أتعامل معه كصديق يسبب لي ضغطاً عصبياً، أو أصبح مصدرا للقلق، أو أن ظروف الحياة أجبرتنا على الابتعاد عن بعض.
هناك قواعد للصداقة مهما بلغت قوتها
خصائص الصداقات السامة
وأشارت إلى أن الصداقة المبنية على المصلحة لا تستمر مهما دامت لسنوات، مع الأخذ في الاعتبار قواعد الصداقة مهما بلغت قوتها وهي: “التماس العذر، وعدم التدخل في الخصوصيات، عدم النقد اللاذع”، كما أن الصديق “مصاص الطاقة” وهو من يشتكي كثيرا وتسود عليه صفات الشخصية الدرامية قد يسبب إزعاجا كبيرا لصديقه دون أن يدري، فيجد نفسه فريسة للاكتئاب دون أن يعرف السبب.
وأكدت تهاني الحمد أن الصداقات السامة موجودة، تماما مثل علاقات الحب السامة، قد يتبين يوما أن أقرب الأصدقاء لنا هم أشخاص متطفلون بشكل مفرط، لا يتردد الصديق المزيف في اجتياح مساحتنا أو إغراقنا بالمطالب المتواصلة أو التدخل في علاقاتنا الحميمة.
وتصبح أي علاقة سامة حين يجرحنا سلوك الصديق أو يسيء إلينا أو يمعن في إضعافنا وينعكس سلبا على أعمق قيمنا، قد تكون الصداقة متطلبة أحيانا من حيث القيم التي تفرضها، لكن لا يمكن أن تكون متسلطة وتضعف احترامنا لنفسنا أو تزعزع معاييرنا والتزاماتنا.
وتقول إلين هندريكسن مؤلفة كتاب “كيف تكون نفسك؟”:إن عقودا من الأبحاث وآلاف السنين من المنطق تخبرنا أن التواصل مع الأصدقاء الحقيقيين أحد أفضل الأشياء التي يمكننا القيام بها لصحتنا وسعادتنا، في المقابل، فإن الانفصال عن الأصدقاء هو قرار صعب، ولكن ضروري أحيانا.
الأصدقاء الحقيقيون يجب ألا يؤذوك أو يتلاعبوا بك أو يستغلوك، أو يضغطوا عليك حتى لا تكون شخصاً آخر، الصديق الحقيقي يلهمك بأن تكون أفضل وأكثر سعادة وصحة، والأكثر انه يساعدك لتكون “نفسك”.