تحقيقات

الرجوع بعد الطلاق.. ندمٌ عظيم أم صفحةٌ جديدة؟

ذكريات عِشرة جميلة، حب وأطفال وحياة مشتركة بحلوها ومرّها، قد تكون الدافع الأكبر في عودة المطلقين زوجين لبيت الزوجية بعد الطلاق وما يرتبط به من مرار، ليعود الصفاء في ظل حياة وصفحة جديدة، وفي جانب آخر يفشل آخرون في الوصول للاستقرار المطلوب لبيت زوجي تملؤه السعادة مجدداً.

وحين تعود الحلقة الفارغة من المشاكل السابقة، قد تتحطم آمالهم على صخرة المثل القائل «عادت ريما لعادتها القديمة».

فما الظروف التي قد تدفع الزوجين للعودة بعد الطلاق؟! هل هي معاناة الفراق وما يصاحبه من نظرة المجتمع ومعاناة الأطفال النفسية التي يتسبب فيها الطلاق أم هي مرارة التجربة الثانية حين تفشل تجعل الزوجين يدركان مدى خسارتهما للشريك الأول؟!

 

حبٌّ كبير وذكرياتٌ لا يمكنني نسيانها

داليا مقداد (31 عاماً) تروي ما عاشته في قصة عودتها بعد طلاقٍ دام 3 سنوات، حيث عانت في بعدها عن زوجها وغيابها عن طفليهما محمد وعبير، بعدما كثرت المشاكل بينها وبين زوجها العصبي، مما تسبب في تكرار عودتها لمنزل أهلها الذين لم يتحملوا بدورهم هذا الوضع وقاموا بتطليقها.

وتشير مقداد بالقول:

كان بيننا حبٌ كبير وذكرياتٌ لا يمكنني نسيانها ولكن مزاجه العصبي لم يسمح لحياتنا بأن تستمر دون طلاق، فوقع الطلاق لأسباب تافهة أدت إلى ذهابي لمنزل أهلي كثيراً، ما جعل الأمر يصعب عليهم في تقبله فأجبروه على طلاقي، وبعد الطلاق لم أستطع تحمل فكرة العيش بدونه، وكذلك هو لم يقبل فكرة الزواج ولم يتخيل حياته مع زوجةٍ غيري، وقبل انتهاء العدة الشرعية عدت له ولمنزلي وطفلي، ونعيش الآن حياة رائعة وهادئة وعرف كلٌ منا قيمة الآخر.

وتتابع مقداد وعيناها تملؤها السعادة والأمل:

لقد رزقت بطفلي رامي بعد رجوعي بتسعة أشهر، وهو من جعل الأمل يُولد في حياتنا من جديد.

 

درس أو خسارة

وفي تجربة ناجحة أخرى، يشير أحمد الخضري (41 عاماً) المتزوج منذ 11 عاماً والذي طلق زوجته بعد زواجهما بثلاث  سنوات، قبل أن يعيدها إلى ذمتهِ إلى اقتناعه بأنها تستحق فرصةً أخرى، واصفاً حالة الطلاق والرجوع بـ «علاج بالصدمة» مؤكداً أنه فعل الصواب وصحّح مسار الزوجة التي كانت لا تدرك مدى خطورة سلبياتها على الأسرة.

وعن هذا يقول:

طلقت زوجتي مرغماً، فقد كانت صغيرة السن وغير مبالية بمنزلها ولا بزوجها ولا تأخذ الحياة بالجديةِ المطلوبة، بل كانت وباستمرار تهددني بطلب الطلاق إذا اعترضت على تقصيرها واستهتارها، حتى شعرتُ بأنها غير مدركة لأهمية الحياة الأسرية والزوجية.

ويتابع الخضري روايته مبتسماً:

كانت تهددني بطلب الطلاق للمرة الثانية عشرة حين قررت أن أُخاطر وأُطلِّق، وفي نفسي كنت أشعر بأنه إما سيكون درساً قاسياً يعيدها إلى رشدها ويجعلها تدرك ما لها وما عليها، وإما سيكون خسارةً كبيرة لن أستطيع تعويضها فلا يوجد زوجةٍ يمكن أن تملأ مكانتها في قلبي وتعوض حبي لها.

ويؤكد الخضري أنه كان الاحتمال الأول الذي راهن عليه هو الصحيح، حيث يقول:

لم يكن الطلاق سهلاً علينا، ولكنه والحمد لله كان الحل الأمثل ليصحح مسارنا في الحياة، فبعد أن شعرت بالفراق وبمعنى كلمة الطلاق وواجهت المجتمع وصعوباته، أدركت أنها يجب أن تتغير وتتحمل مسؤولياتها كزوجة وأم وشريكة حياة بمعنى الكلمة، وها نحن عدنا وكأننا ولدنا من جديد، ونعيش في منتهى السعادة في علاقتنا الأسرية.

 

الوجه الآخر.. فشل كبير

وعلى النقيض تماماً حالة طلاق أروى السكني (26 عاماً) التي تبعها عودة غرق في سراديب المشاكل الزوجية التي لا تنتهي ثم طلاق آخر.

تتحدث عن تجربتها بغصَّةٍ تكاد تخنقها، فقد ذاقت ألم الطلاق مرتين حين قررت إعطاء فرصة أخرى.

تعبر عن ندمها قائلة:

«اللي بجرب المجرب عقله مخرب، وأنا منهم».

وكانت السكني التي طلقها زوجها طلقة واحدة مكثت على اثرها في منزل والدها سنةً كاملة بعد زواج دام ست سنوات بسب كثرة الخلافات التي كانت تنشأ بينهما وتدخل أهله المستمر في حياتهم الخاصة حتى في تربية ابنيهما الذين لم يبلغا الخمسة أعوام وتحريضه المستمر عليها، ما كان يجعله يعود للمنزل غاضباً وينهال عليها بالضرب المبرح لم تكن نهاية معاناتها.

وتتابع:

بعد أن وعدني بعدم تكرار ضربه لي وتحقيق الاستقلالية الكاملة عن والديه وعودتي له تؤكد أنها أصبحت في حالٍ أسوأ مما كانت عليه من ضرر معنوي وجسدي.

وتتحدث السكني عن رأيها في العودة بعد الطلاق من واقع تجربتها الشخصية:

للأسف فكرة الطلاق أو حتى الرجوع بعد الطلاق في مجتمعنا هي فكرة متخلفة جداً، في المجتمعات الأخرى يحدث الطلاق والانفصال ولكن تبقى العلاقة بين الزوجين حضارية فلا يتأثر الأطفال، وكذلك لا ينفر المجتمع من الزوجين ويرفضهما، أو يفرض عليهما اتخاذ القرارات بالعودة الكاذبة.

وأضافت:

في مجتمعنا الطلاق هو نهاية العالم والأطفال ضحية تجعل الزوجة تتنازل عن حقوقها وحريتها لتحافظ على أطفالها، فهي الحلقة الأضعف، وبعد كل هذا يقدر تنازلها ورغبتها في المحافظة على أسرتها بأنه صك تنازل عن كرامتها فيتفنن الزوج في ابتزازها مرةً أخرى.

 

مغامرة خاسرة

تزوجت مها عبيد (29 عاماً) من زوجٍ يعمل عاملاً في البناء ما يعني أن عمله متقطع غير مستمر وأجره قليل، بينما كانت هي تعمل في وظيفة تدرُّ عليها دخلاً مرتفعاً، ومع ذلك لم تعتبر أن هناك فرقًا بين الزوج وزوجته فقامت بشراء معظم أثاث البيت كـغرفة النوم وطاولة السفرة و«طقم الكنب»، بينما هو لم يشترِ سوى الستائر وبعض أدوات المطبخ.

تقول عبيد:

بعد الزواج وجدت كل شيءٍ من الاستغلال والضرب والإهانة والابتزاز، كان يأخذ مصوغاتي الذهبية ليبيعها قطعةً تلو الأخرى وحين كنت أرفض كان يزيد من إهانتي وشتمي وحبسي ومنعي من العمل، حتى هربت لمنزل والدي طالبةً الطلاق عن طريق المحكمة، وبالفعل بعد سنتين طلقت منه رسمياً وتنفست الصعداء.

وتتابع عبيد حديثها، حيث قصتها لم تنتهِ بعد:

تدخل رجال الإصلاح وتعهد بأنْ يحسن من نفسه، وألا يضربني ولا يسألني عن مرتبي وعن أموالي وذهبي، مضى الشهر الأول وهو يتعامل معه بشكلٍ جيد، وبعد انقضاء الشهر حتى الآن أبكي كل يوم بدل الدموع دماً وأعضُّ أصابعي ندماً على عودتي إليه، ولولا رفض أهلي طلاقي مجدداً لما بقيتُ معه لحظة واحدة.

وتؤكد عبيد أن زوجها يفهم الزواج بشكل خاطئ، فلا تفاهم ولا شراكة بينهما، وما بين فترة وأخرى تكتشف أنه له علاقاته، ولا يهتم إلا براتبها.

تقول: رغم أنَّ دخله تضاعف كثيراً ودخلي قلَّ كثيراً إلا أنَّ دخله لا أرى أين يذهب، ونسكن بالإيجار منذ ثماني سنوات حتى اللحظة، فهو مبذر لأبعد الحدود.

وتضيف عبيد:

بجانب أنني لا أعتمد عليه في تلبية متطلبات المنزل ولا يشعرني بأنه يقوم بدور الرجل فهو إنسان غير مبال، وسرعان ما ينفعل لأتفه الأسباب ويبدأ بالصراخ والسباب.

وتلفت إلى أنه في كثير من المشاكل التي حدثت بينهما اتفقا أن يغيرا من نفسيهما لأجل ابنتهما لكن دون فائدة.

وتضيف: «أتظاهر بالسعادة لكنني لست سعيدة ولم أذقها يوما لا قبل الطلاق ولا بعد العودة، فالرجوع بعد الطلاق مغامرة خاسرة.

 

نازك خليل: تجاوز «غصة» ما حصل بين الزوجين بالعفو والإحسان

 

وبحسب رأي الإخصائية النفسية نازك خليل فإن عودة الزوجين لبعضهما بعد الطلاق تكون بحسب بعض الأمور المتعلقة بهما أو بعائلتهما أو بالمجتمع، ففي الكثير من الأحيان تعود الزوجة مكرهة ومجبرة بسبب تجنب نظرة المجتمع السلبية للمطلقة أو بسبب وجود أبناء.

وأضافت:

ربما عادت الزوجة بعد اتفاق وتفاهم وحل للمشكلات والخلافات المسببة للطلاق، ورغبة مشتركة بين الزوجين في إصلاح ذات البين، مشيرةً إلى أنه في حال عادت الزوجة وهي مكرهة فإنها ستحمل مشاعر سلبية عديدة، قد تضعف تقديرها لذاتها، وتعزز لديها الشعور بالنقص، وعدم القدرة على الاستقلالية، بل من الممكن أن يشعر كلا الزوجين بعدم تقبل الآخر، فتستمر بالتالي الخلافات، مما قد يؤدي إلى الطلاق العاطفي، ذاكرةً أنه في حال عادت بالتفاهم والتراضي، فإنه يعود الزوجان لبعضها بقناعة مفادها أن الطلاق ليس النهاية، ولكنه قد يكون بداية لحياة زوجية جديدة خالية من الخلافات، وستزيد من فهم الطرفين لمتطلبات بعضهما ورغباته، ويشعر كل منهما بحاجته للطرف الآخر، مما يجدد مشاعر المودة والمحبة بينهما، لافتةً إلى أنه يمكن لكلا الطرفين تجاوز «غصة» ما حصل بينهما بالعفو والإحسان، وتناسي ما حدث، وبدء صفحة جديدة للتغيير نحو حياة أفضل.

 

د. كمال الشاعر: الطلقة الأولى درس وتجربة

 

يقول الدكتور كمال الشاعر: إن الرجوع بعد الطلاق يحتاج إلى تفكير متأمل وترو من قبل الزوجين أو أحدهما, حتي لا يعودا إلى مربع المشاكل والتناقضات التي أوصلتهما إلى الطلاق, مبيناً أن الطلقة الأولى هي درس وتجربة مهمة يتلقاها الزوجان أو أحدهما فعليه التمحيص قبل الرجوع بأنه يستطيع أن يعود للعيش مع شريكه أو لا.

وأوضح الشاعر أنه على الزوجين معالجة الأمور التي أوصلتهما إلى طريق مسدود كانت نهايته هذا الطلاق, ودراسة الأسباب التي قللت جاذبية كل منهما في نظر الآخر, والمؤثرات الداخلية والخارجية التي افتعلت المشاكل بينهما, والأسباب المباشرة وغير المباشرة التي جعلت كل واحد منهما ينفر من الآخر.

وأكد الشاعر، ضرورة تجنب الزوجين السلوكيات التي يمكن أن تثير الانفعالات والمشكلات بينهما سواء معارضة أحدهما للآخر, أو سوء إدارة النفس أو البيت أو الأولاد, والتزام كل منهما بما له من حقوق وما عليه من واجبات, وتلاشي السلبيات وتجاوز الأخطاء عند العودة مرة أخرى.

 

«أسرتي» في كل مكان

فلسطين – عبدالله عمر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق