السيدة نُزاد.. أم البنين والبنات رحل ابنها في عمر الزهور.. فأصبح لديها 55 ابنًا وبنتًا!
كان محمد في عمر الشباب حين توفي في حادثة بعام 2003، وفُجِعت والدته نُزاد التي كانت تستعد لزواجه بفقدان ابنها الوحيد، لكنها قررت أن تحوّل ألمها إلى طاقة من الأمل. وفي الذكرى العاشرة لوفاة ولدها الراحل أسست نُزاد دارًا باسم ابنها، وفيها أصبح لديها 55 ابنًا وبنتًا يملأون حياتها بالبهجة، وتمنحهم هي حياة كريمة.
بيت العائلة
لم تكن فكرة الكفالة أمرًا غائبًا عن حياة السيدة نُزاد، إذ تكفلت مسبقًا بابنين وكبرا في رعايتها، حتى تمكنت من تأمين مستقبلهما. وفي شهر يوليو من عام 2013 أسست دار “محمد عماد راغب” بيد السيدة نزاد وزوجها تحت اسم ولدها الراحل، وتقول نُزاد عن فكرة الدار:” بعد وفاة محمد ابني بدأت التفكير في أعمال خيرية تعود عليه وعلينا، أنا ووالده، بالنفع وفكرت في بناء جامع ودار. وجاءت فكرة الدار من زياراتي المتكررة لدور الرعاية التي وجدتها غير لائقة للأطفال، ولا تمنح الاهتمام بكل طفل، كما أن الأجواء بداخلها بعيدة تمامًا عن الأجواء الأسرية. ومن هنا فكرت ببناء دار تكون مشابهة لبيت العائلة وإرساء لفكرة كوني أمهم وزوجي، رحمه الله، أباهم، ونسافر ونخرج معا، وأعرف كل طفل منهم، وأكون موجودة معهم باستمرار. ويظهر حضور محمد ابن السيدة نُزاد جليًا في بيت العائلة، بدءًا من مدخل الدار حتى كل ركن فيه وكأنه تأكيد على أخوة الأطفال للابن الراحل.
كانت نُزاد تستاء من تصميم دور الرعاية التي يشبه تصميمها وفق رؤيتها عنابر السجون، لهذا اختارت تأسيس الدار على الطراز الإنجليزي تضم الغرفة الواحدة فيه ما بين 3 و4 أطفال بحد أقصى، وتوفر حديقة ليمارس الأطفال فيها الأنشطة. وميزت نُزاد “بيت العائلة” لأطفالها بإمكانات جيدة تمنح خصوصية للأطفال، وتجمعهم فيه علاقة أخوية. وبداخل “بيت العائلة” يحصل الأطفال على الرعاية في مختلف المجالات بدءًا من الغرف الخاصة، والمكتبة وغرفة تعليم الموسيقى ومناطق الألعاب.
عن الصعوبات التي واجهت السيدة نُزاد في “بيت العائلة” تقول: “كنت دقيقة للغاية في تصميم الدار وهو ما أخرنا في افتتاحها، كذلك إلى جانب الإجراءات الحكومية التي تصعب من أي تطوير أو تجديد”.
ومنذ بدء الدار كانت تتسلم نُزاد الأطفال حديثي الولادة وحتى عمر ثلاث سنوات، إذ يصعب بعد هذا العمر تغيير بعض مفاهيم الأطفال بحسب رؤية إدارة الدار، ثم يوفرون للأطفال التأمين الصحي والعرض على عدد من الأطباء للتأكد من صحتهم، وكذلك التعامل مع أطباء نفسيين للتعامل مع حالة الأطفال. وتحرص نُزاد باستمرار على وصف المكان بـ “بيت العائلة”، وتقول: “كثيرًا ما آخذهم معي إلى بيتي الخاص أيضا، ونذهب في مصايف ورحلات معًا إلى عدد من المدن.
وفي معظم الأيام أكون في الدار من الصباح حتى الساعة الثامنة مساءً قبل موعد النوم، كذلك لدي كاميرات في البيت أتابع معهم سلوكياتهم وما يحدث بداخل الدار إن لم أكن موجودة. وأشرف أيضا على ما لديهم من أعمال مدرسية وكأني معهم 24 ساعة”.
خصصت لأبنائي عدداً من دفاتر التوفير واشتريت شقة لكل طفل منهم
يتراوح عمر أبناء نُزاد بين سن 4 سنواتتو12 سنة، وجميعهم يدرسون في المدرسة، ويشترك كثيرون منهم في أنشطة رياضية وبعضهم حصد ميداليات كذلك في الرياضة التي يمارسها. ووصل عدد أبناء نُزاد إلى 55 طفلًا، لكن حاليا تقلص العدد إلى 38 طفلا منهم 18 فتاة و20 صبيًا. وكي تؤمن مستقبلهم خصصت نُزاد عددا من دفاتر التوفير في البنك لكل طفل وحين يبلغون 21 عامًا يمكنهم تملكها، كما اشترت عمارتين وتعمل على شراء الثالثة ليكون لكل طفل شقة باسمه.
الأطفال سبب سعادتي وأعطوني الأمل بعد وفاة ابني
وتصف نُزاد أطفالها بأنهم “سبب سعادتها” قائلة: “أكسبتني الدار وأبنائي شعورًا بأن لي دورا في الحياة ودافعًا لأكمل عمري لتوصيلهم إلى بر الأمان، منحني الأطفال الأمل بعدما كنت أشعر بالإحباط بعد وفاة ابني وأصبح لدي هدف لأهيئ لهم كل شيء يجعل مستقبلهم آمنًا مثل الأموال والشقق ليواجهوا الحياة من أرض صلبة مثلهم مثل باقي الأطفال في أسرة عادية”.
كانت من بين أكثر اللحظات المؤثرة مع أبنائها عند رحيل زوجها، إذ تقول: “في عيون أطفالي لمست الحزن بداخلهم مع وفاة عماد زوجي العام الماضي، كنت أشعر كأن والدهم من توفي ووصلني منهم الوفاء والإخلاص والصدق، وتمنحني كلماتهم قوة لكوني المسؤولة عن حماية هؤلاء الأطفال”.
المجتمع لا يساعد في إتمام فكرة الدار كعائلة للأطفال وينظرون لهم كأنهم أقل من غيرهم
من ناحية أخرى، تشكو السيدة نُزاد والعاملون في الدار من أن المجتمع لا يساعد على إتمام فكرة الدار كعائلة للأطفال، إذ يُصِر الكثير من الأشخاص على عدم التعامل مع الأطفال إلا باعتبارهم أيتاما ينتمون لدار رعاية وينظرون لهم باعتبارهم أقل من غيرهم، رغم محاولات تغيير هذه الفكرة لدى بعض النوادي والمدارس والنجاح فيها أحياناً. لكن الوزارة وضعت بعض القيود التي صعبت من تحقيق فكرة العائلة في الدار، بحسب نُزاد، خاصة مع السماح للأسر البديلة بكفالة الأطفال ممن ينتمون لعائلة نُزاد.
وما زالت السيدة نُزاد تشعر بالألم من جراء رحيل بعض أطفالها لأسر بديلة، بعدما قررت وزارة التضامن عدم استثناء الدار من كفالة الأسر للأطفال، وتقول: “الدار هنا ليست دار استضافة توفر مكانًا لمعيشة الطفل فقط، حتى يكفله شخص أو عائلة، بل نحن عائلته وهم أولادي وأنا مسؤولة عنهم ومن أعتني بهم وأربيهم، لذلك لن أضم للعائلة أفرادًا آخرين من الأطفال، حتى لا ينكسر قلبي وأتألم مجددًا بأخذهم فجأة إلى أسر بديلة. وسأكتفي بمن لدي من أبناء حتى لا يقترب منهم أحد”.
وتأسف نُزاد من موقف الوزارة نفسها الذي لا يشجع النموذج المختلف، وبدلًا من دعمه فهي تعمل على تفكيكه من خلال فرض فكرة الأسر البديلة، والتي تسببت في ارتباك لأطفالها، وأجبرها على إعادة صياغة فكرة العائلة مجددًا مع الأطفال، مع محاولة شرح أسباب انتقالهم إلى بيوت أخرى.
أسرتي في كل مكان
مصر- داليا شافعي