على مواقع التواصل الاجتماعي أصبح هاشتاج (تزوجنيبدونمهر) حديث المغردين والمستخدمين في الفترة الأخيرة، إذ فتح الهاشتاج الذي قيل انه انطلق من لبنان، الجدل القديم الجديد عن المغالاة في المهور بالبلدان العربية، وارتفاع نسبة التأخر في الزواج مع تراجع الأوضاع الاقتصادية في الوقت الحالي. وطرحت الحملة العديد من التساؤلات عن أسباب المغالاة في المهور ونظرة الشباب والفتيات للمهر في البلدان العربية.
في البداية انتشر هاشتاج (تزوجني بدون مهر) باعتباره حملة أطلقتها فتيات في لبنان لمحاربة العنوسة، خاصة مع سوء الأحوال الاقتصادية في البلاد، فمع تعقد الحالة الاقتصادية في لبنان بسبب كورونا شهدت معدلات الزواج في لبنان تراجعًا كبيرًا، حيث انخفضت نسب الزواج الحديث نحو 14% في عام 2020 عن العام الذي سبقه في بلد يعاني من تأخر سن الزواج ويصنف الأول عربيًا في ارتفاع معدلات تأخر الزواج.
الحملة في مصر بين الترحيب والرفض
ولكن فيما بعد اتضح أن الحملة ليست مرتبطة بلبنان وحدها، حيث كان الهاشتاج متصدرًا في عدد من البلدان العربية ومنها مصر والسعودية والجزائر ولم يشهد مشاركة واسعة من لبنان كما ذكرت عدد من وسائل الإعلام العربية. وتهدف الحملة التي أثارت زخمًا على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تيسير الزواج ومحاولة إيجاد حلّ لتأخر سن الزواج، وما يصاحبه من طلبات مرهقة ومغالاة في المهور.
ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في أرجاء العالم تضاعفت تكاليف الزواج التي كانت في الأصل مرهقة للطرفين، مما ساهم في تراجع معدلات الزواج في عديد من الدول العربية ومنها مصر. فأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عن انخفاض عدد عقود الزواج إلى 876 ألفا و15 عقداُ لعام 2020،
مقارنة بـ 927 ألفا و844 عقداً عام 2019، بنسبة تراجع بلغت 5.6٪.
وألقى تدني معدلات الزواج في مصر بظلاله على الهاشتاج المنتشر، حيثُ لاقى ترحيبًا بين عدد من الشباب الذين وجدوا في الدعوة حلًا لتأخر الزواج وصعوبة الإقدام على هذه الخطوة في الوقت الحالي. على جانبٍ آخر عارض البعض هذه الدعوة باعتبارها (تقلل من شأن المرأة) أو تتخلى عن ركن شرعي للزواج حث عليه الدين.
يتراوح المهر في مصر -خاصة في أسيوط-
بين 50 و80 ألف جنيه!
فيما ذكر عدد من المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي أن المهور في مصر لم تعد كما كانت في السابق، خاصة في المدن، إذ يتشارك الزوجان في عدد من الأمور الخاصة بتأسيس منزل الزوجية. ورغم ذلك فإن بعض القرى والمدن في أقصى جنوب مصر لديها عادات تٌلزم العريس بدفع أموال باهظة فيما يشبه المهر. فعلى سبيل المثال تذكر جريدة اليوم السابع المصرية أن مركز (جهينة) في محافظة سوهاج لديها عادة تُعرف باسم (العلبة) يقدم فيها العريس لأهل العروس مقدرًا من المال لشراء مستلزمات العرس والمساعدة في تجهيز العروس، وغالبًا ما يتراوح المبلغ بين 50 و80 ألف جنيه كما تشير بعض الصحف المصرية. وتوجد مثل هذه العادة في مدينة أسيوط الواقعة في جنوب مصر أيضًا.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر قد شهدت منذ شهور قليلة ضجّة أحدثها انتشار قائمة لتجهيزات العروس للزواج كتب عليها والد العروس (من يؤتمن على العرض لا يُسأل عن المال)، في إشارة لعدم رغبة الأب في توثيق أي مهر أو ممتلكات لابنته. وانتشرت الورقة بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي لتتباين الآراء بين مؤيد ومعارض للكلام المذكور.
وذكر الأب في حينها أنه يثق في عريس ابنته لكونه (رجلًا محترما من عائلة محترمة). وأكد أنه يحافظ على حقوق ابنته بعهد وميثاق أمام الله على زوجها، لافتًا إلى أن المهر والمقدم والمؤخر من أخلاق الشاب وتربيته ودينه.
نفيسة الميرغني:
المهر اتفاق بين الزوجين لا يخص أي طرف آخر
من ناحية أخرى، تؤكد نفيسة الميرغني، الاخصائية والمعالجة النفسية، أن المهر إذا وضع أو لم يتم وضعه فهذا اتفاق بين الطرفين وتقول (يجب أن تكون العلاقة بين الشريكين قائمة على الصراحة والحوار، وبالتالي يجب على الطرفين من البداية أن يحددا اتفاقهم عن المهر قيمته، أو إن كان سيتفقان على إلغائه وهو أمر يجب أن يعود للزوج والزوجة المستقبلين وحدهما على كل حال).
وتوضح أنها قابلت الكثير من السيدات اللواتي يخفن من مناقشة المهر أو الأمور المادية مع الطرف الآخر فهن يتصورن أن عرضهن المساهمة في التكاليف قد تجعل الرجل فيما بعد يستغلهن، ولكن لا بد أن يتكلم الطرفان في كل الأمور بكل صراحة ومنها المهر والاتفاقات المادية.
فيما تلفت إلى أن الحملة إذا كان هدفها الزواج فقطّ فهي تنظر للأمر نظرة خاطئة للغاية (يجب أن يسأل كل طرف نفسه عما سيقدمه في علاقة الزواج والحياة بعد الزواج. فأنا لا أربط المهر باعتباره يمنح مقدارا للمرأة، ولكن ما يهم هو الشعور النفسي للمرأة، فقد لا يقدم العريس لعروسه مهرًا ولكنه يفرش منزلها أو يقدم لها دعمًا ماديًا).
الشيخ سمير سعد:
المغالاة في المهور لها مفاسد ومضار عظيمة!
بينما يؤكد الشيخ سمير سعد، المأذون الشرعي أن المهر في الفقه الإسلامي حق مفروض على الزوج، وألزمه بدفعه بالمعروف كما لم تحدد الشريعة الإسلامية قدرًا معلومًا للمهر، فيصح بكل ما له قيمة مالية، قليلا كان أو كثيراً، من غير تحديد، وهو مذهب الجمهور ويقول (المهر من حق المرأة لها أن تطالب به ولها أن تسقطه إن رأت المصلحة في إسقاطه فالمبادرة بتيسير المهور وتيسير أمور الزواج أمر محمود يدعو إليه الإسلام فالزواج من مقاصد الدين وأهدافه العظيمة).
ويشير إلى أن مبادرة (تزوجني بدون مهر) لها ما لها وعليها ما عليها، لافتًا لحديث النبي، صلى الله عليه وسلم، على تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهر وأن في المغالاة في المهور مفاسد ومضار عظيمة منها: انتشار العنوسة بين الجنسين، واتجاه الشباب من الجنسين لقضاء شهواتهم بطرق غير مشروعة مضرة بهم وبمجتمعهم وأمتهم.
فيما ينصح قائلًا: “على أهل الفتاة أن يقدموا مصلحة ابنتهم وأن يزنوا الأمور بميزان الشرع لا بموازين العرف والعادات المخالفة لهدي الإسلام، وليكن نظرهم كون هذا الشاب متصفا بالدين والخلق، فإن ذلك هو غاية المطلوب في الأزواج، وهو أرجى أن يكرم ابنتهم وأن يحفظ لها حقوقها، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، وألا يجعلوا الأمور المادية حائلا دون إتمام هذا الزواج. وعلى الشباب المسلمين الاستعانة بالله والحرص على الزواج واختيار أمهات المستقبل ذوات الدين فإن المرأة الصالحة خير متاع الدنيا”.