تنتصر للنساء لأنهن يحملن الكثير من الأعباء نور عبدالمجيد: في كتاباتي أنا مهمومة بالمرأة كي تنال التقدير والاهتمام
تبحر الكاتبة نور عبدالمجيد بقرائها داخل حكاياتها وشخوص رواياتها لتضعهم في قلب الأحداث وينفعلوا مع أطرافها، ما جعلها تحظى بقطاع عريض من القراء. ودخلت نور عالم الكتابة من بوابة الصحافة، لكنها أدركت بعد فترة أن مكانها الأنسب مع الأدب والحكي اللذين تألقت فيهما فيما بعد. يشغل الكاتبة قضايا المرأة إلى جانب العلاقات العاطفية والحب في المجتمع العربي، ولديها في رصيدها ما يزيد على اثنتي عشرة رواية وديوان شعر، وأحدث ما قدمته رواية «كان» التي صدرت العام الحالي. في الحوار التالي تتحدث نور عبدالمجيد إلى «أسرتي» عن الكتابة في حياتها، وكيف تشغلها قضايا المرأة والأمومة والعلاقة السليمة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا العربي:
متى قررت التفرغ للكتابة الأدبية؟
- ضاحكة تقول: قررت التفرغ للكتابة الأدبية والروائية حين أعلنت فشلي في الكتابة الصحافية حين وصلت لنقطة اكتشفت فيها أنني لن أستطيع الاستمرار في العالم الصحافي وبلاط صاحبة الجلالة. في هذه اللحظة أدركت أن مكاني مع الكتابة الأدبية.
ومَن الكتاب الذين أثروا فيكِ بكتابتهم أو أسلوبهم؟
- أي كاتب يكتب كلمة حلوة، وتجذبني له وتجعلني أمسك كتابه أعتبره علمني وأثراني وأثرى فكري، وهناك الكثير من الكتاب الذين حققوا ذلك، لكن يحضرني أحب الأسماء الكبيرة التي تربينا عليها مثل إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم وباولو كويلو في الوقت الحالي ودانيل ستيل، وفي الشعر نزار قباني وصلاح جاهين، ولكن في المجمل أي شخص يكتب كلمة تنير القلب أحبها وأتعلم منها وأمتنّ لها.
دائمًا ما تؤكدين على صدقك فيما تقدمين من أعمال روائية، فما أهمية الصدق للكاتب؟
- من دون الصدق سيفقد أي شيء معناه وأهميته وقدرته أن يصل لأحد وبهاءه، وهذا ينطبق على كل شيء في الحياة بدءًا من الكلمات والتحيات البسيطة التي يتم تبادلها بين الناس.. ودائمًا ما أذكر عبارة لكامل الشناوي، وهو من الكتاب الذين تركوا تأثيرهم في بشدة، قرأتها مسبقًا فيقول “عندما جئت أكتب هذا الكتاب شعرت أنني كنت أرقص وأغني ومن الجائز أن أكون فشلت في رقصي وغنائي، ولكن ما أعلمه جيدًا أنني كنت صادقًا”. ولذا دائمًا أؤكد أنني أعمل على توصيل رسالة، قد تفشل محاولتي فيها أو تنجح! ولكن ما أعلمه جيدًا أمام الله أنني صادقة في هذه المحاولة دون ادعاء أو زيف أو ومحاولة إظهار شيء أنا لست صادقة فيه.
أكتب ما تمتلئ به نفسي ويفيض بقلبي دون تفكير في تحويل العمل الكتابي إلى فني
هل تكتبين أعمالكِ الأدبية وعيناكِ نصب تحويلها إلى أعمال فنية؟
- لا قطعًا ونهائيًا، فأنا أكتب ما تمتلئ به نفسي ويفيض بالقلب والروح ويسيطر عليّ، فأخرجه على الأوراق ليتحول إلى سطور وحروف، وفي ذلك الوقت لا أفكر في تحويل العمل الكتابي إلى درامي أو فني وغيره.. يكون كل تفكيري وقتها أن تصل كلماتي وعملي كما أشعر بها وأتمنى أن تصل.
فيما بعد حين تصبح رواية وتنال إعجاب أحد الأشخاص لتحويلها إلى عمل فني، فليس هناك مانع من ذلك. ولكن إن كنت أضع في المقام الأول تحويل الرواية إلى عمل فني فكان الأفضل لي كتابة سيناريو من البداية.
المرأة تعرضت للإهمال على جميع المستويات خلال العصور الماضية وما زالت تعاني من الظلم
ولكن ألا يشبه أسلوبك في الكتابة طريقة السيناريو إلى حد كبير؟
- بشكل عام أرى أن الكتاب الذي يقرؤه القارئ ويشعر بأنه يشاهد بعينيه مشاهد وشخوصا تتحرك ويمكنه لمسهم، يعد نجاحًا من الكاتب.. وذلك الكاتب يتمكن من جعل القارئ مشاهدًا لكتابه وشخصياته، مثل روايات باولو كويلو وإحسان عبدالقدوس. وهذه قدرة تكون لدى البعض من الكتاب في تحويل العمل الأدبي أمام عيني القارئ إلى مشاهد متحركة.. وأنا لا أرى ذلك نقطة ضعف البتّة، وفي رأيي أن ذلك يثري العمل الروائي ولا يقلل من قيمته.
وبالنسبة لي أتمنى أن أكون قادرة على تطبيق هذا الأسلوب في رواياتي، لأنني حين أقرأ رواية وأشعر بقدرتي على رؤية البطل والإحساس به والانفعال معه أعجب بهذا العمل، لذا أرجو أن يكون أسلوبي الكتابي يوصل القارئ لهذه الحالة.
تهتمين في أعمالكِ الروائية بطرح قضايا المرأة بشكل خاص، فهل تهدفين لتوصيل رسالة محددة من وراء هذا الاهتمام؟
- أنا مهمومة بالمرأة للغاية؛ لأن لدي إيمانا أن المرأة هي الأم والأخت والتي أصبحت الآن قائدة وعاملة في جميع المجالات وتحمل أعباء كثيرة ومكبلة بها على أكتافها، وتستحق أن نهتم بها ونحاول مساعدتها كي تأخذ حقها في التقدير، فنعم أنا مهتمة بقضايا المرأة.. ولكن من ناحية أخرى اهتمامي الأكبر هو الإنسان، فلو صلح كيان المرأة وروحها وشعرت ببعض من الاهتمام والتقدير التي تستحق، فبهذا يمكننا أن نقطع شوطًا كبيرًا للوصول إلى مجتمع لا نرى فيه كل ما نراه في الوقت الحاضر من الإحباطات والمشاكل وغيرها، وكل ما نعاني منه.
والاهتمام بقضايا المرأة ليس سبة، ولكنه شرف أتمنى لو أحظى به واستحقه، فأنا مهمومة بالمرأة ككائن يحمل الكثير والكثير بداخله، ويؤدي أفضل كثيرًا من أي كائن آخر؛ لأنها تأخذ أي عمل على محمل الجد، وتعمل باستمرار على إثبات وجودها وقدرتها..
وأرى أن هذه الروح التي اصطفاها الله -سبحانه وتعالى- بجعلها سببًا في مولد البشرية كلها تستحق أن يكون الإنسان مهمومًا بها وبأمرها، وخاصة مع إهمال روح المرأة على جميع المستويات خلال العصور الماضية في مجتمعات عدة. ففي الأدب وخلال العصور الوسطى في البلدان التي نطلق عليها صفة التقدم حاليًا كانت المرأة لا تستطيع أن تكتب باسمها، بل تستعير اسم رجل، فأي عدل في هذا؟! وبالتالي كيف يمكنني تجاهل كل هذه المظالم التي تعرضت لها، وأقول إن وضع المرأة جيد وتتساوى مع الرجل؟!ت
والمرأة ما زالت تتعرض لظلم رغم كل ما قدمته وتقدمه. فالنساء حتى الآن في بلدان عدة يتقاضين أجورًا أقل من الرجال لأسباب كثيرة، وهذا شاهد على أنها ما زالت تُظلم، رغم أنها تُحمّل بأعباء أكثر.. ويشرفني محاولة تسليط الضوء على دواخل المرأة لعلنا نستطيع تحقيق، ولو جزءا بسيطا مما تستحقه من تقدير واهتمام.
موروثات المجتمع وعاداته الخاطئة تحوّل المرأة العظيمة إلى النقيض
ألا تقدمين بعض الشخصيات في ألا تقدمين بعض الشخصيات في رواياتك التي تمثل عدوًا للمرأة أو لديها جوانب ذكورية نوعًا ما؟
- لا أرى أنني أقدم هذا النوع من الشخصيات، وفي حالة الأم (يامنة) في رواية “أريد رجلًا” على سبيل المثال فهي امرأة عظيمة وتمتاز بالقوة بين أخواتها وتتخذ كثيرًا من القرارات، بل وتقود كثيرا من الرجال في قرية بقلب الصعيد، كما أنها ربت ابنها وحدها وضحت بعمرها من أجله.. ولكن هذه المرأة العظيمة ولدت ومُزِجت بعادات وموروثات خاطئة في المجتمع التي تحض على ضرورة إنجاب ابن ذكر، وهذا هو ما يصنعه المجتمع بعظمة المرأة أو الرجل، فالموروثات البالية والتخاريف هي ما تحوّل عظمة الإنسان إلى النقيض.. ويامنة ومن مثلها ليست عدوًا للمرأة، ولكنها ضحية المجتمع.
الزواج والعلاقات العاطفية من الموضوعات التي تُطرح باستمرار داخل رواياتكِ، فكيف ترين دور الأدب في تقديم مشكلات الزواج والعلاقات بين الرجل والمرأة؟
- لا تخلو الحياة اليومية وحتى قيام الساعة من علاقة الرجل بالمرأة أو الزوج بالزوجة، وهذه العلاقة هي التي تثمر مولد أطفال ممن يصبحون قادة بالمجتمع، ومن البداية إذا كانت العلاقة سوية وسليمة صحيحة ومبصرة بين الطرفين، ويُراعى فيها الحق والواجب سيكون كل ما يترتب عليها سليم وصحيح ونوصل لقادة متميزين في المجتمع وأبناء أسوياء، ولكن إذا استمرت الأخطاء والخيانات والمشاكل وعدم الوعي الصحيح بداخل العلاقات بين الرجل والمرأة، فكل ما يترتب عليها سيكون سيئًا، ويخلق بالتالي أبناء غير أسوياء ما يجعلهم أفرادا مهزوزين وينتج عنه معاناة المجتمع ككل.
ناديت في «أنين الدمى» بأن يخضع الأب والأم لاختبار عقلي ونفسي قبل الإنجاب
وفي رواية “أنين الدمى” ذكرت أن من لا يعرف معنى الإنجابتيجب عليه ألا ينجب، وضرورة ألا يترك الإنجاب عشوائيًا ويخضع الأب والأم لاختبار عقلي ونفسي قبل الإنجاب، أو أن يلتحق الأب والأم غير المؤهلين إلى ما يشبه التدريب لكي يعرفوا كيف يمكنهم تربية أبنائهم، وذلك لصالحهم ولصالح الأبناء والمجتمع. ولا يوجد شيء مثالي، ولكن علينا أيضا ألا نكون بمثل هذا التشتت الذي نشهده حاليًا.
تطرقتِ في رواية «نساء ولكن» إلى زواج المصلحة فكيف ترين هذا النوع من الزواج؟
- الزواج كعلاقة يكون رمزًا لغيره من العلاقات الإنسانية، وأي علاقة تقوم على المصلحة تحتاج إلى إعادة نظر.. وكانت العلاقة بين بطلة الرواية وزوجها ليست مصلحة فقط، بل عملية انتهازية بحتة قامت على الغش والكذب، واختلت موازين العلاقة بين الزوجين وأهم ركن بها وهو الصدق، وكان يجب أن تدمر هذه العلاقة.. فإذا كان الصدق عماد العلاقة بين الزوجين فإنها إن لم تنجح لن تفشل وإن فشلت لن تترك تشوهات على أطراف العلاقة.
الإهداء في رواية «نساء ولكن» كان لأختيّ فمنهما استوحيت أحداث الرواية
في مقدمة رواية «نساء ولكن» إشارة لاستقاء أحداث الرواية من قصة واقعية، كيف تطوعين الواقع في أعمالكِ الروائية؟
- لا يوجد كاتب يكتب إلا إذا تشبع بخبرات من الواقع من خلال قصص وانفعل معها حتى وإن لم تكن حدثت له شخصيًا، ثم يبدأ في نسج حكاياته.. في رواية نساء ولكن، كنت متأثرة للغاية بحياة أسرة لديها حالة خاصة، فأنا نشأت في أسرة كان فيها أختاي يعانيان من إعاقة معينة، وكان الإهداء لهما في بداية الرواية. لهذا شهدت على كيفية تعامل المجتمع بموروثاته الخاطئة مع هذه العطية التي منحها الله لأسرتنا، إلى جانب أنني لمست شعور أمي التي عانت في هذا الأمر كثيرًا. وفي كل الروايات يكون هناك جزء حقيقي، حتى وإن لم يكن شخصيًا.. وفي رأيي لا توجد قصة كُتِبت، ويمكنها أن تصل للقلب وتؤثر في الناس إلا وبها مسحة من الواقع.
الأمومة جعلتني أكثر رفقًا بكل ما هو حيّ وأدين لأبنائي بهذا التحوّل
كيف أثرت الأمومة على نور عبد المجيد وكتاباتها؟
- كتبت في مقدمة “نساء ولكن” أن الله خلق ذكرا وأنثى وجنسا ثالثا هو الأم، فالأمومة تحول الإنسان بدرجة كبيرة، إذ ترين شخصًا يولد منكِ أمامكِ، أو هذا ما حدث معي.. الأم الحقيقية التي تحيا الأمومة حتى تصبح في خلايا دمها تتحول.. جعلتني الأمومة أكثر رفقًا بكل ما هو حيّ وأكثر انفعالًا بما يحدث ولدرجة لم أكن أتوقع أو أتخيل أن أصير عليها. والأمومة هو أن تصبحي أما لكل ما في الكون، وترى كل شيء في الحياة يستحق الرحمة والاحتواء والتفكير فيه، وتجعلكِ تفهمين أشياء جديدة وترين بمنظور مختلف. وأدين بهذا التحوّل لأبنائي رغم ما دفعته من ثمن تمثل في دموع وأعصاب وتوتر.
وصلت بكلماتي إلى شريحة لا تحب القراءة ووصلت لهم الرسالة التي أرغب فيها
هل أضاف لكِ تحويل أعمالكِ الأدبية إلى التلفزيون وتجسيدها على الشاشة؟
- نعم أضاف لي وأسعدني للغاية، لأنني كسبت شريحة جديدة من القراء فكثير من المشاهدين لم يكونوا قارئين، وعندما يشاهدون العمل يرغبون في قراءته، وهو ما يسبب لي سعادة غامرة كوني سببًا في دخولهم لعالم القراءة. كذلك وصلت بكلماتي إلى شريحة لا تحب القراءة ووصلت لهم الرسالة التي أرغب فيها.
ما أقرب أعمالكِ الأدبية لكِ؟
- كل رواية بها قطعة مني، ولكن أكثر رواية أرهقتني هي “صولو” في كتابتها، وما زالت حتى الآن رغم صدورها منذ ما يقرب من سبع سنوات تطاردني شخصية “ملك مندور” البطلة وما شعرت به من تناقضات.. وأيضا رواية “كان” وقصة الفتاة بداخلها التي تحارب كل ما لم تكن تعرف أنه موجود على وجه الأرض. وفي المجمل تعبت بجميع الأعمال وبذلت بها مجهودا وإحساسا وانفعالا وحبا وصدقا.
رسالة جعلتني أضع نصب عيني باستمرار أن هناك أمهات يأتمن قلمي على أولادهن
هل تتذكرين كلمة قيلت لكِ وما زالت تؤثر بكِ حتى الآن؟
- بالطبع، بعد رواية “رغم الفراق” وصلتني رسالة عن طريق البريد الإلكتروني من سيدة أخبرتني أنها أعطت روايتي إلى ابنتها ذات الثمانية عشر عامًا، وكونها سعيدة وفخورة بأنها ستقرأ هذه الرواية.. وما زالت هذه الجملة أمام عينيّ باستمرار وأنا أكتب، فهناك أمهات يأتمن قلمي على أولادهن لقراءة رواياتي.
المشروع الكتابي القادم لنور عبدالمجيد هل يظهر قريبًا؟
- سيكون رواية وبدأت فيها وأعمل عليها، ولكن حتى الآن لا أعرف بالتحديد موعد الانتهاء منها أو صدورها، وأرجو الله أن تكون في القريب.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي