ثقافة
تُحلّق مُغرِّدة بألوانها خارج السرب فاطمة الشيباني: امتلأت حواسي ورئتاي بنكهة وشهية الألوان
وكأن الفنانة التشكيلية القطرية فاطمة الشيباني على موعد مع قدرها الفني الذي جعلها ترفض كل موروث يشكّل حالة اتّباع.. صاحبة كاريزما فنية خاصة، فهي لا يشبهها أحد.
التقت «أسرتي» بالفنانة فاطمة الشيباني لنتعرف من اسمها.. فنانة كل الحالمين بالحرية.. لا يمكنك أن تتوقف في رصد تاريخها المشرق.. ريشتها وفنها بالغا التأثير مقترنان بالدور الذي نذرت نفسها للقيام به، في بصمة فنية عالية، وجيشان أدبي صاخب، متدفق كنهر عارم، مع موهبة لا تخضع لقيود.
أصبحت أتأمل هذا العالم بلا جهد ولا تعب وكأنني في حالة تشكيل صامتة
بعد مشوار فني بديع.. كيف كبرت حالة التشكيل الصامتة وتلمست طريقك للفن مبكراً؟
- بعد هذا المشوار الطويل أصبحت أتأمل هذا العالم بدون جهد ولا تعب، وكأنني في حالة تشكيل صامتة، حتى امتلأت حواسي ورئتاي بشهية الألوان والمواد الخام المختلفة، وأحاول أن أحلق بمفردي دائماً خارج السرب المعهود لدينا كطائر مغرد يرتدي الألوان باستفزازية الفرح والتفاؤل، وأحاول أن أعمل جاهدة على صقل موهبتي وعملي بالممارسة والتنقل والبحث عن الجديد وغير المألوف من خلال قيامي بالعديد من الورش التدريبية والانضمام إلى أهم معاهد الفنون العالمية، ومن خلال قيامي بعمل العديد من المعارض الخاصة والعامة.
مررت بالعديد من أنواع وبحور الفن التشكيلي، ورسوت على شاطئ التجريد والأعمال المجسمة.. فلماذا؟
- بالفعل، مررت بالعديد من بحور ومدارس الفن التشكيلي سواء الواقعي أو الانطباعي أو فن العامة والفيديو آرت والفن المفاهيمي والسنوغرافيا الفنية وغيرها، وفي النهاية آثرت وفضلت بحر التجريد التعبيري في الفن، وآثرت النحت والأعمال المجسمة في الأماكن العامة كفن مفاهيمي منذ ما يقارب 15 سنة، لأنني أجد نَفْسِي في هذه الأعمال، وتميزت بها على الصعيد الخليجي والعربي ولأن هذه المدرسة أو البحر بحر صعب جداً لم تكن النساء يتقنه في تلك الفترة في مجتمعنا الخليجي ما عدا الفنانة منى السعودي، رحمها الله، وبعض الفنانات العربيات، وهذا بحر جدا صعب ومرهق ومتعب، وعليك مواصلة التجديف فيه وعدم الخوف من أعماقه!
قلت «إن النحت والمجسمات تحتاج إلى فنان مغامر».. حدثينا أكثر عن ذلك.
- أحب وأحترم الفن والفنان الذي يحمل قضية، ويجعلني في مواجهة مع المجتمع والناس ونفسي! وهذه مغامرة بحد ذاتها، حيث تضع أعمالك، وتجعل المتلقي يفسرها ويؤولها حسب ما يراه ويشاهده، وسر العمل في هذا النوع من الفنون هو الشغف والفضول لدى الفنان، وهو المفتاح السري للسعادة بالنسبة لي، وكان كثيرا ما يلهمني ويلفت انتباهي منذ الصغر هذا النوع من الفنون، وبالأخص حين أقرأ في سورة سبأ.
ماذا بين الفن والأدب.. من وجهة نظرك؟
- أرى أن الفن والأدب هو “خلع الأقنعة والمشي تحت المطر بصوت عارٍ من الزيف”.
والفن للفن لا يقنعني!
ولوحة الجوكندا لدافنشي لا تهزني!
كيف تنسج حرارة النار أعمالك الفنية المعبرة؟
- قال تعالى (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ). وهنا أتذكر أن الحديد كان في يد النبي داود كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء.
بالعزلة يستعين الإنسان على صلاح قلبه..
فالقلب يُفسِده الزحام
العزلة شرط الإبداع والوحدة هي مدرسة العبقرية، حدثينا عن طقوس تدفق الإبداع في ذهنك.
- هذا صحيح أرى أن العزلة شرط الإبداع، والوحدة هي مدرسة العبقرية، والمبدعون يمنحون معنى لكل شيء في هذه الحياة، فدائماً ما يوجد لكفاحهم ذاكرة.
وطقوسي كفنان مشاغب وغير منظم وعلاقتي مع اللوحة أو أي عمل فني كعلاقة حبيب بحبيبته علاقة سرية، وألجأ إلى اللوحة أو المجسم الفني كلما شعرت بأن العالم أكبر وأصعب مما أتحمله، فأطلق بعناني لممارسة عشقي معه، وأسافر معه على أجنحة اللامعقول واللاممكن، وحتى لو تضايقت منها، أو تركتها كما يحدث بين العشاق أرجع إليها وأنا في اشتياق عارم أو جامح، فحالة العشق مع العمل الفني لديَّ لا تنزل للأرض، ولا تهبط مطارات، إنها تدور في فلكي الخاص، وأدور معها في المجرة نفسها حالة لا يفهمها إلا الملائكة والمبدعون أو الفنانون فقط.
والعزلة تهمة تلاحق صاحبها، وقد يصفونه بالغرور والتكبر وانفصال النخبة عن الشارع العام، ولكن أنا أتفق مع الكاتب والمبدع إبراهيم الكوني على عدم دعوة مفكر لاعتلاء مسرح، فكيف سيزوره الإلهام بين الجماهير؟ وبرأيي فسباق مواقع التواصل تدمر النخبة وتساويها بالعامة. وبالعزلة أو الوحدة أحياناً يستعين الإنسان على صلاح قلبه، فالقلب يُفسِدهُ الزحام.
ما الخامات التي تتناغم مع أناملك في النحت؟
- العديد من الخامات من برونز وحديد وستانليس ستيل وطين ورزين وجبس، وكل ما لا يستوعبه عقل الإنسان، ولكنني أفضل الخامات القوية والصعبة مثل البرونز والستانليس ستيل والحديد.
من الأشخاص الذين دعموا فاطمة الشيباني وكانوا لها سنداً؟
- الحمد لله منذ بداياتي وأنا أجد الدعم والتشجيع من جميع أبناء ومسؤولي هذا الوطن، وبالأخص قيادتنا الحكيمة والرشيدة، وكل من يحب فاطمة كإنسانة، وليس كفنانة ومبدعة فقط، والدعم ليس فقط في دولة قطر، وإنما بالخليج والدول العربية والعالمية كافة، لأنه من السهل جدًا بناء اسم لك، ولكن من الصعب أن تحافظ عليه مع مرور الزمن وبطريقة تراكمية.
ما الفكرة التي حاولت إيصالها للمتلقي من خلال معرض قصص رويت بالفولاذ؟
- معرض قصص رويت بالفولاذ يمثل فنانتين متميزتين في مجالهما في الفولاذ أو المعدن، وتم نقل ثقافتهما من خلال نوع من التبادل الثقافي بين دولة قطر والخليج، وبين ألمانيا الاتحادية، كل فنان تميز في مجاله، واشتهر في مجتمعه ووطنه، وهذا المعرض كان نوعا من تسليط الضوء على المرأة في العالم، وأنها متميزة بجميع المجالات وإعطاء واجهة حضارية وثقافية للمرأة.
كيف ترين تعاونك مع الفنانة الألمانية غابرييلا فون هابسبورغ؟
- كان لي شرف التعاون مع الفنانة الألمانية غابرييلا فون هابسبورغ، حيث لديها خبرة طويلة بهذا المجال، وكان تعاونا مثمرا ورائعا سيثمر تعاونا مستقبليا أكبر بإذن الله.
ما أكبر مدة استغرقتِها في إنجاز عمل فني وما هو؟
- أكبر مدة استغرقت لتنفيذ عمل هو العمل الفني العاديات، وهو عبارة عن 9 خيول تمثل أسهم العلم القطري على مساحة 19 مترا في ارتفاع 5 أمتار من مادة البرونز، وأخذ مني فترة تنفيذ ما يقارب 10 أشهر تقريباً، وتم تثبيته في جزيرة وفندق مرسى اريبيا اللؤلؤة في دولة قطر.
المرأة والكرة تمثلان جزءا من مجسماتك.. فماذا وراء الرمزين؟
- هذا العمل عبارة عن مجسم البخنق القطري، وهو لباس قديم تلبسه الفتيات في قطر والخليج قديما، وقد تميزت فيه، وأثناء مونديال قطر 2022 تم تصميم وتنفيذ سوفنير بهذه المناسبة 22 قطعة من كل تصميم ليمثل هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعا كقطريين وعرب.
أنا ناقدة قاسية جداً على نفسي.. ولولا النقد لما تقدمت وتميزت
ما من فنان مبدع إلا ويكمن في داخله ناقد حصيف، فما النقد الذي تتلقاه أعمالك منك؟
- هذه حقيقة، ويقولون أيضا لا تبحث عن المديح. ابحث عن النقد، لأن النقد البنّاء مثل المطر والغيث ينبغي أن يكون يسيراً بما يكفي ليغذي نمو الإنسان دون أن يدمر جذوره! ويقال داخل كل مبدع ناقد مضمر، ودائماً ما أمارس نقدا لأعمالي بغية الحرص الدائم على تجويدها وإضافة روح جديدة لها، لذلك أنا ناقدة قاسية جداً على نفسي، ولولا النقد لما تقدمت وتميزت.