هؤلاء النساء انتقلن من الانكسار إلى الانتصار.. من عتمة الهزيمة والكآبة إلى نور النجاح والفرح.. لم تكن حياتهن في النصف الاول منها سوى سلسلة من المآسي والآلام.. لكنهن في النصف الثاني من حياتهن استطعن بالعزيمة والإيمان بالذات أن يقهرن الضعف وأن يحولن الألم إلى أمل.. بل استطعن أن يكن نماذج عالمية للإنسانية كلها في كيفية الخروج من كهف الضعف والعوز والمحنة إلى آفاق القوة والتأثير والتغيير.
لويز هاي.. حكايتها تقول إن الإنسان يستطيع عمل المستحيل فقط عندما يقرر ذلك
الكاتبة الأميركية الشهيرة والغنية عن التعريف في مجال تدريب الحياة والإيجابية أو التحفيزية.. قصتها في حد ذاتها تليق بعالم السينما فهي مادة جدية لأكثر من فيلم سينمائي جيد.. روت هاي حكايتها في مقابلة مع مارك أوبنهيمر بصحيفة نيويورك تايمز عام 2008.. حكايتها هذه تقول إن الإنسان يستطيع المستحيل فقط عندما يقرر ذلك، فمراحل حياتها الأولى قبل التغيير تؤكد هذه الحقيقة، فقد عانت الكثير جداً على أكثر من مستوى، فقد وُلدت في لوس أنجيليس لأم فقيرة تزوجت من رجل غير أبيها وكان زوج أم عنيفاً. في عمر الخامسة، تم اغتصابها من جار لهم!. في عمر الخامسة عشرة خرجت لويزا عن الثانوية العامة دون تخرج.. ثم انتقلت إلى شيكاغو حيث عملت في وظائف متدنية الأجور. وفي عام 1950 عادت تجرّ أذيال الخيبة من نيويورك! ثم غيّرت اسمها وبدأت عملها عارضة أزياء، فحققت نجاحاً من عملها لدى بيل بليس وأوليج كاسيني وباولين تريجيه. وفي عام 1954 تزوجت من رجل الأعمال الإنجليزي أندرو هاي، لكنها تعترف وتقول إنها بعد أربعة عشر عاماً من هذا الزواج أحست أنها امرأة مدمرة! فقد تركها زوجها من أجل امرأة أخرى! وفي هذا الوقت، وجدت أول كنيسة للعلوم الدينية في شارع 48، والتي تعلمت فيها طاقة التفكير القادرة على التغيير.. ثم أكملت الشغل على نفسها والتعب لاكتشاف معنى الحياة وما في داخلها من طاقة جبارة، فدرست أعمالاً تتناول الأفكار الجديدة لكتّاب مثل فلورنس سكوفيل شين، الذي نادى بأن التفكير الإيجابي من الشخص بإمكانه تغيير الظروف المادية له، كما درست إرنست هولمز الذي كان يعتقد أنه بإمكان التفكير الإيجابي شفاء الجسم. وهذا ما يظهر في كتابها المعروف (Power Thoughts).
لقد تغيرت لويز هاي تماما ومعها حياتها بشكل جرس عندما آمنت بأن التغيير يأتي من التفكير وتحديدا من التفكير الإيجابي.. كما آمنت بل عاشت عدة مبادئ مهمة في التغيير، فالفكر أو الأفكار قوة جبارة عندما تكون مرتبطة أو مقرونة بالنظرة الإيجابية للحياة.. وبهذا استطاعت لويز هاي أن تنقل تجربتها الخاصة مع التغيير بالفكر الإيجابي إلى الملايين حول العالم المحتاجين إلى تغيير أنفسهم وحياتهم، وتمكنت من بناء إمبراطورية نشر هائلة جذبت أنظار وعقول العالم، فقد أطلقت سيلاً من الكتب النفسية الفلسفية عن قوة التفكير في تحسين حياة ومصير الإنسان.. بل ربطت بين الأفكار السلبية والمشاعر الهدامة والأمراض وغيرها من المصائب في الحياة، مشجعة الناس على إيجاد طريقة إيجابية لمقاومتها بل لتغييرها، واتخذت من نفسها نموذجا تعليمياً ناجحاً عندما عالجت نفسها من مرض السرطان بالتغذية والتفكير والتسامح، ففي عام 1977 تم تشخيصها بسرطان عنق الرحم، لكنها اكتشفت داخلها أن مرضها هذا سببه مشاعر الكراهية العالقة في نفسها بسبب سوء معاملتها في الطفولة، فرفضت العلاج الطبي ورأت أن العلاج الحقيقي من سرطانها هو شفاء نفسها من تلك المشاعر، فوصلت إلى شفاء نفسها بعد أن تخلصت من كل تلك المشاعر الراكدة في نفسها منذ الماضي، ثم ألفت بعد ذلك كتاباً صغيراً بعنوان «يمكنك أن تشفي حياتك»، بيع منه أكثر من 50 مليون نسخة.
تذكر عنها صحيفة «نيويورك تايمز» أن الحكمة من وراء أفكارها تعتمد على عبارات لافتة للانتباه، مثل «الحياة تحبك» و«أفكاري السعيدة تساعدني في التمتع بجسد صحي» و«لا يمكن إلا للأشياء الطيبة أن تتجه نحوي»، و«يمكنك أن تشفي قلبك: إيجاد السلام بعد انفصال أو طلاق أو موت». لقد اختبرت تماما لويز هاي أن التسامح قيمة عليا تفعل مفعول السحر في التغيير من الداخل.
وصفتها مجلة «ذا تايمز» بأنها «ملكة العصر الجديد». فدار النشر التي أسستها من منزلها في منتصف الثمانينيات تطورت ونجحت لتصير شركة رأسمالها ملايين الدولارات، بما في ذلك كتب وأسطوانات ونشر الكتروني، ومن أشهر مؤلفاتها التي تُرجمت إلى الكثير من لغات العالم «يمكنك أن تشفي حياتك» و«القوة داخلك» و«أن تكوني امراة» و«الامتنان» وغيرها الكثير. إلى جانب محاضراتها وورش عملها حول العالم أعمالها التي اشتهرت مثل وغيرها، لكن تبقى حقيقة مهمة حول لويز هاي ودعوتها للشفاء الذاتي أن هذا الشفاء قد أسيء فهمه انه شفاء كامل للجسد، ولكن هذا ليس بالضروة في كل حالة، فقد يشفى الجسد أو لا يشفى، لكن الاهم من هذا والضروي جدا أن يُشفى الإنسان من مشاعره السلبية كالحقد والغضب والكراهية وعدم الصفح، وهي المشاعر التي تؤذي الجسد بالفعل أو تعطل حتى شفاءه بالطرق الطبية العادية.
أوبرا وينفري احتفلت بالحياة رغم قسوتها فاحتفلت بها الحياة
ولدت في 29 يناير عام 1958م بولاية الميسيسيبي في الولايات المتحدة لأسرة شديدة الفقر، ثم انفصل والداها.. والدها كان حلاقاً ووالدتها كانت تعمل خادمة..لكنها استطاعت أن تتغلب على ما يسمى «عقدة الماضي» حيث الفقر والعوز والمذلة الاجتماعية وعدم الاستقرار الأسري، بل واللون الأسود الذي يقف عقبة كبيرة أمام من يحمله في بشرته دون أي ذنب له في ذلك، بل كانت ترتدي أثوابًا مصنوعة من أجولة البطاطس مما عرّضها لسخرية الأطفال من سنها، كما أنها تربّت مع جدّها وجدتها في الميسيسيبي، حتى أصبحت في السادسة من عمرها.. لكن منذ طفولتها وذكاؤها وتميزها كانا واضحين جداً، فبعد دخولها روضة الأطفال، رأت مدرسّتها أنها أذكى من باقي الأطفال، فنقلتها إلى الصف الأوّل، لأنّ نسبة ذكائها تؤهلها للحلول في صف الروضة الأولى..ثم حصلت أوبرا على لقب الطالبة الأكثر شعبية، نظراً إلى علاقتها الجيّدة بجميع الأساتذة والتلاميذ والزملاء.
لكن الحياة كأنها كانت تقف بالمرضاد ضد أوبرا، ففي سنّ الرابعة عشرة تعرّضت أوبرا للتحرش الجنسيّ والاغتصاب على يد أحد أقاربها، وكانت النتيجة حملها لطفلها الأوّل، لكنه توفي بعد ولادته بساعات قليلة، فحُرمت من بعدها من نعمة الأطفال وهكذا صبغت كل هذه الأحداث المأساوية حياة وشخصية أوبرا بصبغة داكنة حزينة، فأدمنت الحبوب المخدّرة والهيرويين والكوكايين! وما كان من والدتها سوى محاولة التخلص منها بأن ترسلها إلى إحدى دور الرعاية والتأهيل، ولكن لم تجد أوبرا وينفري لها مكاناً! فقررت والدتها إرسالها إلى والدها رجل الأعمال الذي قام بتعليمها وتأديبها تأديبًا صارمًا، فبدأت حياتها تتغير وسط تنقلات عديدة وعدم استقرار بين منازل لوالدها وأقربائها، لكنها بالرغم من عدم الاستقرار العاطفي من الأب أو الام أو الاسرة المفككة وعدم الاستقرار في المكان، والظروف الاجتماعية القاسية، قررت أن تستمر في تعليمها، فتخرجت في جامعة Tennessee.. بعد التفوق على جميع زملائها، وأصبحت من أوائل الطلاب الأميركيين من أصل أفريقي، كما حازت لقب Miss Black Tennessee.
انجذبت الأنظار إلى الخريجة أوبرا وينفري التي ستصير فيما بعد امبراطورة الإعلام النسائي، وفُتحت امامها امبراطورية الإعلام بأميركا.. وهنا تحدث نقلة نوعية لأوبرا، ويسند إليها العمل مراسلة في محطة إذاعية محلية WVOL، ليبدأ مشوارها الإعلامي وحياتها المهنية وهي في سن السابعة عشرة، عندما دخلت الإذاعة. وفي التاسعة عشرة انتقلت للعمل في تلفزيون Nashville، فصارت أصغر مذيعة في تاريخ المحطة، لكنها عانت من الفشل من جديد، عندما فصلوها من المحطة، لأنها تُصبح عاطفيّة عند نقل الأخبار مراسلة إخبارية في النشرة المسائية، ولكن عُرض عليها دور في برنامج نهاري. ثم شاركت في تقديم الأخبار للتلفزيون المحلي في بالتيمور، ماريلاند، فأعجب بها المسؤولون في محطة «دبليو إل إس» WLS في شيكاغو ثالث أكبر مدينة إعلامية في أميركا، وطلبوا منها تقديم برنامج طبخ! ورغم عدم درايتها بالطبخ تماما إلا أنها تخطت الخوف كاستراتيجية أساسية عندها في التحدي والنجاح.. فهي اختبرت وآمنت بمبدأ معرفة النفس طريق النجاح والثبات والتحدي لأي صعاب، فهي تقول «عندما تتبلور معرفتك بنفسك، ستكون أكثر قدرة على معرفة ما هو الأفضل لك».
اقتحمت أوبرا مجال التمثيل كوسيلة تعبير قوية جديدة لها عن قضاياها التي صارت قضايا نساء كثيرات سوداوات بشكل خاص وبيضاوات بشكل عام، ففي عام 1985 شاركت في دور رئيسي في فيلم المخرج الكبير ستيفن سبيلبيرج «اللون الأرجواني» الذي رُشّح لتسع جوائز أوسكار، وبعدها نالت أوبرا العديد من العروض السينمائية والتلفزيونية.
وفي عام 1989 كانت أوبرا على موعد مع برنامجها الأشهر على مستوى العالمOprah Show، وهو برنامج يومي بدأ بتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية التي تهم المجتمع الأميركي، كما صورت عدة حلقات تاريخية مع نجوم ورموز المجتمع الأميركي، وحققت فيه أوبرا تفوقاً غير مسبوق، بفضل الحضور الطاغي لها وذكائها وعمق تفكيرها، فصارت أيقونة إعلامية نسائية منقطعة النظير على مستوى العالم، حيث صار برنامجها هذا يُعرض في أكثر من 100 دولة على مستوى العالم.. لتصير هي بذاتها امبراطورية إعلامية مستقلة متميزة، حيث أنشئت شركتها للانتاج تسمى Harpo (Oprah بالمقلوب)، واستديو في شيكاغو؛ لتصبح بذلك ثالث امرأه تملك شركة إنتاج، كما صارت أول مليارديرة سوداء 1995 فلا تخلو قائمة لمجلة فوربس الاقتصادية أو الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم من اسمها، حيث بلغت ثروتها 2.5 مليار دولار.. لكن الأهم من المال أنها أصبحت من أكثر الشخصيات تأثيرا بإيجابية وحب الحياة والنجاح والتحدي حول العالم..فهي تحتفل بالحياة كل يوم، فمن مبادئها ضرورة الاحتفال بالحياة رغم قسوتها، فتقول: « كلما احتفلت بحياتك أكثر، منحتك الحياة أشياء جديدة تحتفل من أجلها».
هالة كاظم.. ممتنّة للاكتئاب الذي غيرها!
«ممتنّة للاكتئاب الذي أصابني منذ 20 عاماً».. كانت تلك هي العبارة التي صرحت بها مدربة الحياة الاماراتية الشهيرة والأم لخمسة أبناء، والزوجة بل والجدة، هالة كاظم في احدى مقابلاتها بالإعلام.. وأما سر هذه العبارة اللافتة التي أطلقتها فيرجع إلى قصة المعاناة العظيمة التي مرت بها وحولتها من امرأة مكتئبة إلى امراة مؤثرة مغيّرة لحياة الكثيرين.. فالسنوات والزمن قد غيرا فيها الكثير وتعلمت الصبر، وأن الفروق المتعلقة باللون والدين والجنسية لا أهمية لها، فالإنسان هو المهم. أما هذا النوع من التغيير، الذي ينبع من الذات، فهو ينبع من قرار داخلي ينادي بالتغيير، وقد اتخذت هي هذا القرار بالتغيير الشامل لحياتها وقت أزمتها الشديدة، فالتجربة عندها هي السبيل الأول للتعلم، على أن تكون هناك إرادة واختيار ثم قرار ثم فعل. وترجع قصة تغيير هالة كاظم إلى نحو أكثر من عشرين عاما، عندما أصيبت بالاكتئاب الوضعي، وعانته كثيراً، وضاعت وتشتت، ولم يكن لديها أمل في الحياة، ثم ذهبت إلى مستشارة نفسية، أسهمت في تغييرها، وعرّفتها أنها تستحق السعادة، مشيرة الى أنه عندما نطلب الأفضل سنحصل على الأفضل.. ولكنها صارت الآن مُدربة حياة ورائدة أعمال اجتماعية إماراتية، كما أنها مُبتكِرة «برنامج رحلة التغيير»، وصارت أيضاً إحدى مقدمات برنامج «كلام نواعم» على شاشة إم بي سي منذ 2017. كما تم تكريمها عام 2017 في لندن بمهرجان المرأة العربية في مجال التحفيز ولا يقتصر تأثيرها على كل تلك المجالات المتنوعة بل شغلت منصب سفير لعلامة «أودي» التجارية في إلامارات الشمالية. كما تم اختيارها ضمن أكثر الشخصيات تأثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي. وتم تقديمها من قبل شركة جوجل العالمية والأمم المتحدة في حدث عالمي تحت اسم
My Voice Matters في عام 2015..وفي عام 2018 تم اختيارها عضوا في المجلس الاستشاري في لندن في احتفال جائزة المرأة العربية السنوية. وتسعى هالة إلى تغيير حياة الناس بالإيجابية والتوازن من خلال رحلات مشي لمسافات طويلة تتخللها أنشطة تدريبية.
قصة معاناة كبيرة حولتها من امرأة مكتئبة إلى امراة مؤثرة مغيّرة لحياة الكثيرين
لقد قررت هالة كاظم تحدي الظروف الصعبة والاكتئاب الشديد كي تكون امراة مختلفة بل مؤثرة.. فاشتغلت على نفسها كثيراً، فدرست وحملت شهادة معتمدة في الاستشارات والتدريب من جامعة سيتي في لندن، وحصلت على شهادة مدربة وممارسة في تخصص البرمجة العصبية من البورد الأميركي في لندن، ثم برنامج برنامج «رحلة التغيير» وهو برنامج متكامل أطلقت عليه هذا الاسم عام 2011 بغرض إحداث تغيير إيجابي في حياة الناس من خلال تغيير مناطق الراحة، وتوسيع حدودهم الفكرية، وانخراطهم في أنشطة متنوعة، فنظمت رحلات مشي لمسافات طويلة حول العالم وتم مزج هذه الرحلات بمختلف الاستشارات، والتدريبات، وورش العمل، والمحاضرات. كما صار لديها أيضاً شغف تجاه الخدمة الاجتماعية، فتمكنت من الاستفادة من مهاراتها وقامت بتوظيفها في برنامجها المتكامل، ليغطي كل النواحي سواء العاطفية أو البدنية أو الفكرية. وتوصلت هالة كاظم إلى حقيقة مغيّرة لها ومن ثم للكثيرين على يديها وهي أن حب الذات لا يكون من خلال الأشياء المادية، بل من خلال الاهتمام بالصحة النفسية والعاطفية والفكرية والجسمية، وأن البذخ المادي على النفس يكون دليلاً على وجود نقص أو فراغ، فالمبالغة، والمغالاة في الصرف، والبذخ أو هوس الشراء، تدل على فراغ، وهو يشبه المسكن الذي لا يمكن أن يشبع الذات.