خجل الأهل من أبنائهم ذوي الاحتياجات الخاصة مسؤولية تتقاسمها الأسرة والمجتمع
كثير من الأهل يتملكهم الخجل من إظهار ما يعانيه أبناؤهم من احتياج خاص أو الحديث عن إعاقته. وربما يفعل بعض منهم ذلك دون قصد أو رغبة في التخلص من الأسئلة الكثيرة التي قد تلاحقهم من الناس حين يعرفون أن لديهم طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن كيف يمكن أن يؤثر ذلك على الأطفال وكيف يمكن للمجتمع أن يسهم في مساعدة الوالدين في التخلص من ذاك الخجل؟ في هذا الموضوع نلتقي بعض الممارسين للعملية التربوية مع ذوي الاحتياجات الخاصة ونقترب من إحدى أولياء الأمور لنتعرف أكثر على تجربتها مع آبنتها.
ريهام درويش:
هناك أسر تُلحق أبناءها بمدارس لذوي الاحتياجات الخاصة ولكنهم لا يُعلمون أقرباءهم بالأمر
بداية تشدد ريهام درويش الاختصاصية في العلاج اللغوي والنطق على امتلاك كثير من الأهل لمشكلة الاعتراف بأن لديهم طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة «قابلت عددًا من الحالات التي تطلب مني عدم تعريف الأصدقاء أو الأقرباء بأن أبناءهم من ذوي الاحتياجات الخاصة».
وتكمل «هناك أسر تلحق أبناءها بمدارس لذوي الاحتياجات الخاصة ولكنهم لا يعلمون اقرباءهم بالأمر ولذلك ففي الاحتفالات أو المناسبات يرفضون أن يتم تصوير أبنائهم».
وتذكر أن الأسباب الكامنة وراء الخجل متعددة فتقول «يمتلك بعض الأشخاص وعيًا منخفضًا عن إعاقة الطفل فقد يظنون أن هذا الأمر قد يتسبب في عدم زواج بناتهن كما يخجل بعض أولياء الأمور من التعليقات أو التفسيرات التي قد يطلبها البعض لتصرفات الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة» ولا تغفل د.ريهام عن دور المجتمع في خلق هذا الخجل لدى أولياء الأمور حيث تقول «بعض الأماكن لا توجد بها تسهيلات مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة فإذا لم يجد الأهل مكانًا لتحريك الكرسي الذي يستخدمه الطفل على سبيل المثال قد يدفعهم ذلك إلى عدم الخروج والتنزه مع هؤلاء الأبناء، كما أن المجتمع إذا استطاع أن يقبل بذوي الاحتياجات الخاصة كما هم قد يساعد هذا بشكل كبير على تخطي هذ الخجل لدى الأهل وعبوره والتخلص منه».
وعن الآثار التي قد يتركها هذا الخجل لدى الأطفال تقول: «تأخر الوالدين في تقبل إعاقة الطفل يزيد من تفاقم الأمر فالعلاج المتأخر يكون بطيئا ولا يكون له التأثير المناسب للطفل». وتنصح الوالدين اللذين لديهما طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بـمايلي:
1 – التحلي بالوازع الديني وتقبل أن ذلك قدر الله وحكمته وأن هذا الطفل قد يكون سببًا في دخول الجنة والغفران لوالديه.
2 – الثقة بأن المجتمع الخارجي لا يعرف ظروفك وبالتالي عدم الاكتراث له بشكل كبير أو بالناس والتأكد ان الأهل والطفل ليسوا سببًا لهذه الإعاقة.
وتوضح د.عواطف البلوشي استشاري صعوبات التعلم وتشتت الانتباه وفَرط الحركة أن الأمر ليس مجرد خجل بل رفض حقيقي من قبل الوالدين للإعاقة وعدم تقبلهما لها ومحاولة إخفاء الحقيقة عن المجتمع الخارجي مما يؤثر على تأهيل الطفل «أهم العوامل التي تسهم في نشأة الخجل فقدان الثقة بالنفس ونقص المهارات الاجتماعية والشعور بالدونية أو الذنب من إنجاب طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة فهذه الأسر يكون لديها شعور بأن هذه الإعاقة وما تبعها من اختلاف ستشير لهم دومًا بأصابع الاتهام وأنهم السبب في إنجاب طفل غير مكتمل».
ومن خلال خبرتها بالعمل تؤكد مصادفتها لكثير من الحالات التي ترفض تعريف المجتمع بأن طفلها من ذوي الاحتياجات الخاصة «كثير من الأهل يطلبون أن يتم العلاج بسرية تامة وبعيدًا عن الأعين وهذا إذا كان الطفل من ذوي صعوبات التعلم أو بطيئي التعلم ولكن هناك إعاقات تكون ظاهرة على الطفل وبعضهم يتعامل مع هذا الطفل بإبقائه حبيس المنزل بحجة عدم قدرته على الخروج وعدم تمكنه من التكيف مع المجتمع الخارجي في حين لو اتيحت له الفرصة لكان التعامل مع العالم الخارجي من أعظم الفرص التعليمية التي تساعده على التكيف».
وتبين أن حرمان الطفل من الخروج للعالم الخارجي والاندماج مع أقرانه يفقده فرصة تعليمية عظيمة «هذا الاندماج يعد تدريبًا عمليًا يصقل شخصياتهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم مما يفجر طاقات قد لانراها نحن فيهم وهناك أمثلة كثيرة من أبطال حققوا نجاحات كبيرة وهم من ذوي الاحتياجات الخاصة فقط لأنهم وجدوا من يؤمن بقدراتهم وطاقاتهم».
د.عواطف البلوشي: حرمان الطفل من الخروج للعالم الخارجي يفقده فرصة تعليمية عظيمة
وتوجه د.عواطف بعضًا من النصائح لأولياء الأمور قائلة: «عليهم أن ينظروا لطفلهم على أنه من ذوي الطاقات المختلفة وبالتالي فهو لا يختلف عن أقرانه ولكن اختلافه في نوع وطريقة تقديم المهارة له، فلنعاملهم على أنهم أطفال عاديون بل مميزون وهذه الميزة قد تساعدهم على اكتشاف طاقات متعددة بهم والبحث عن مجالات القوة التي يتمتع بها الطفل فهو مختلف ولكنه مميز».
«كذلك لا بد من البحث عن الأماكن والأندية التي توفر أنشطة ملائمة لهؤلاء الأطفال كي تعزز مهاراتهم وتنمية هواياتهم فالهوايات من أهم مداخل تعزيز الثقة بالنفس وهذا ما يحتاج إليه هذا الطفل، إلى جانب تشجيع الطفل دومًا بعبارات مثل «أنت قادر» «أنت بطل» وتشجيع أي تقدم يحرزه».
وتكمل: على الأسر التدريب على مساعدة هؤلاء الأطفال في تحقيق الاستقلالية في الحياة من خلال تكليف الطفل من ذوي الإعاقة بمسؤوليات ليشعر بكيانه وقدراته فنحن بحاجة إلى أبناء قادرين على إبراز مواهبهم ومهاراتهم في خدمة المجتمع الذي يعيشون فيه لا أشخاص ينتظرون المساعدة من الآخرين فقط».
د.زينب الحساوي:
دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات يعزز ثقتهم بأنفسهم ويشعرهم بأهمية دورهم في الحياة
ثم انتقلنا إلى د.زينب الحساوي الاستشاري التربوي ومعدة استراتيجيات في التنمية المهنية للعاملين في مجال دمج ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تشرح سبب خجل بعض الأسر من التعريف بإعاقة أبنائهم قائلة «عندما يعرف الأهل بإعاقة أحد الأبناء يمرون بخمس مراحل للاستجابة لهذا الحدث وهي الصدمة ثم الإنكار فالانفعالات العنيفة ثم التكيف وقبول الأمر الواقع وأخيرًا البحث عن الخدمات، وجميع هذه المراحل قد تؤدي إلى خجلهم من طفلهم».
وتضيف أن الحالة المادية للأسرة وكذلك عدم تثقيف المجتمع قد يتسببان في خلق هذا الخجل إلى جانب العلاقة الأسرية السائدة داخل الأسرة «إذا كانت العلاقة قوية ومترابطة سيزيد وجود طفل من ذوي الإعاقة من العلاقة بين الأسرة وعلى العكس إذا كانت العلاقات ضعيفة فإن ظهور طفل من ذوي الاعاقة سيفككها».
وتوضح أن بعض الأسر تبدأ بالخجل والانسحاب والعزلة لعدم قدرتهم على مواجهة بعض المواقف المحرجة في المجتمع أو التعليقات ونظرات العطف والاستغراب مما يجعلهم يشعرون بالحرج والذنب.
وتشدد على أن للمجتمع دورا في هذا الخجل «يدعم المجتمع هذا الخجل من خلال عدم الوعي بكيفية و«اتيكيت» التعامل مع أسر ذوي الإعاقة ومع ذوي الإعاقة أنفسهم والممارسات والاتجاهات الخاطئة التي تنتشر في المجتمع مثلًا يرفض بعض أولياء الأمور لعب أبنائهم مع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بحجة أنهم قد يتعلمون منهم سلوكيات غير طبيعية وهو معتقد خاطئ فالطفل لن يقلد سلوك طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة إلا إذا وجد التقبل والتشجيع».
وتذكر أن هناك بعض الأسر التي تخجل وخاصة من خدمة السيارة التي تقدم من المراكز فعندما تذهب السيارة لمنزل الطفل من ذوي الإعاقة لتقدم له الجلسة يمتنع الأهل عن استقبالها لأن السيارة يُكتب عليها أنها لذوي الإعاقة مما يشعرهم بالخجل لأن الجيران سيعلمون بأمر الطفل مما قد يؤثر، في اعتقادهم، على زواج أبنائهم الآخرين خوفًا من انتقال الإعاقة بالوراثة ولهذا يرفضون الخدمة المنزلية وهم أيضًا لايذهبون لهذه المراكز لأنها قد تكون بعيدة مما يسبب اهمالًا وتفاقمًا لآثار الإعاقة لدى الطفل.
النصيحة التي تقدمها د.زينب، أقول لأولياء أمور الأطفال من ذوي الإعاقة الحل هو الدمج ثم الدمج ومن المراحل العمرية الصغيرة «رياض الأطفال» فالدمج ينجح كلما كان العمر صغيرًا، وإن ترك الطفل دون دمج أو بالأصح «تم عزله» يكون بداية كارثة وأزمة تنتظر الفرصة المناسبة لتقع، فنحن نربي بهذه الحالة وحشا منعزلا عدوانيا ويائسا وعاطلا عن ممارسة حياته مثل أقرانه ونحرمه من الحياة التي وهبها الله عز وجل له».
وتشرح أهمية الدمج قائلة «بالنسبة للأطفال من ذوي الاحتياجات فهو يعزز ثقتهم بأنفسهم ويعطيهم الشعور بالأمان ويشعرهم بأهمية دورهم في الحياة مما يحقق الاتزان النفسي المطلوب ويرفع من مستواهم الحياتي والمهني والعملي».
وتبين أن الدمج يحسن اتجاهات الأسر نحو أبنائهم ويشعرهم بالفخر بما يقدمون كما يساعدهم علي معرفة احتياجات أبنائهم من ذوي الاعاقة ويساعدهم على تقبل الاعاقة والتكيف معها بل والتغلب عليها.
وتوضح أن الدمج يعزز ثقافة تقبل الآخر المختلف ويدعم حفظ واحترام حقوق الاخرين وهو سبيل لخلق فرص التعاون بين الجميع، كما أنه يعدل الاتجاهات السلبية نحو الاشخاص من ذوي الاعاقة.
أسماء البلغيتي:
لاأظن أن هناك من يخجل من أبنائه «فلذة كبده» إلا أن ضغط المجتمع الخارجي يجعلنا نقارن بين أبنائنا وأبناء الآخرين
وبعد ذلك تحدثنا إلى السيدة أسماء البلغيتي وهي صاحبة مدونة وصفحة «proudmomdiarie» على «الإنستغرام» والتي تهدف لتوعية أولياء الأمور بالتوحد ومتلازمة داون وتنشر إنجازات أبنائها وتجربتها معهم.
في البداية تقول السيدة أسماء «لم أحس قط بالخجل من أبنائي لأن لديهم احتياجات خاصة، ولكن كانت تنتابني أحاسيس متضاربة من عدم تقبل تشخيص ابنتي البكر بمتلازمة داون، وهو إحساس بالذنب ظنًا مني أن لي يدًا في الموضوع أي أن أكون قد أكلت أو شربت شيئًا أثناء الحمل تسبب في إصابتها بمتلازمة داون».
تحكي أسماء قصتها عندما أخبرها الطبيب بإصابة ابنتها «سجى» بمتلازمة الداون وتقول « للأسف غذى الطبيب شعور عدم تقبل التشخيص بالطريقة التي أخبرني بها أن مولودتي الجميلة لديها متلازمة داون، فقد زف الطبيب لي الخبر ثاني يوم من ولادة ابنتي الحبيبة «سجوتي» وكأنها نهاية العالم بالنسبة لي وحياة قصيرة وحزينة لمولودتي!».
ولكنها لم تستسلم لذاك الشعور فقد قررت أن تتخذ موقفًا إيجابيًا حيث بدأت بحثها عبر الإنترنت وطالعت كتبًا ومراجع للتعرف على حالة ابنتها وكان ذلك بعد ولادتها بأسبوع تقريبًا « سجلتُ في مجموعة انجليزية لدعم أمهات ممن لديهن أطفال لديهم متلازمة داون وتمكنت ولله الحمد من التواصل مع أمهات والتعلم من خبراتهن كما اطلعت على صور أبنائهن الذين كانت أعمارهم تتراوح بين مولود جديد و٨ سنوات تقريبًا، وتمكنت من فهم احتياجات ابنتي وكيفية مساعدتها على التطور والتقدم فبدأت كل أحاسيسي المضطربة تتلاشى عند كل ابتسامة وخطوة تطور تحققها ابنتي، والتي كانت تدعمني نفسيًا وتعطيني دافعًا للقيام بما هو أكثر وعدم التوقف».
وتوضح أسماء أنها لا تنظر لابنتها أو تتعامل معها على أنها من ذوي احتياجات خاصة «أنا أعاملهم كأطفال عاديين عليهم تعلم كل مهارات الحياة والتعليم حتى أجعلهم مستقلين وأفرادًا راشدين بالمجتمع فهم ليسوا عبئا علي أو علينا كأولياء أمور».
وعن فكرة إنشاء الصفحة تقول «فكرة جاءت من إحساسي برد الجميل للمجتمع كما استفدت من مجموعة الدعم الإنجليزية والتي كانت سندًا لي في وقت كنت بأمس الحاجة للدعم النفسي، وأيضًا بسبب ملاحظتي عن قرب لبعض أولياء أمور ممن لديهم أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أنهم لا يأملون في تطوير أبنائهم جهلًا منهم وليس عدم حب أو اهتمام، فبعض الأهل يكتفون بتلبية احتياجات الطفل من ملبس نظيف وأكل ومشرب ولعب وخادمة وكأنه دمية! ولايوجد أي اهتمام بتطوير مهارات الطفل ليصبح شخصًا مستقلًا بذاته».
وتكمل «هذه الطريقة تضايقني نفسيًا، لهذا قررت اتخاذ خطوة لنشر الوعي ومشاركة الجميع حياة أبنائي وتجاربنا كأسرة وهكذا بدأت اولًا بمدونتي الخاصة
www.proudmomdiaries.com
والتي اكتب فيها مواضيع ليستفيد منها أولياء الأمور وبعدها صفحتي بـ «انستغرام» و«سناب شات» تحت نفس الاسم، ووجدتُ دعمًا رائعًا من زوجي كما أن كثيرًا من الأمهات اللواتي يراسلنني على المدونة يكن فقط بحاجة لصوت يسمعهن ويشاركهن نفس التجارب، أو لصوت يرفع معنوياتهن ويدلهن على الطريق للاستمرار في العطاء».
وعن نظرة المجتمع إلى من يمتلك طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة تقول «المجتمع يرى هذا الطفل غير كامل لأنه يريدنا جميعًا داخل نفس القالب وينظر إليه كأنه عبء وذلك لجهل المجتمع وخوفه من المجهول أو غير المألوف، وللأسف هذه الصورة السلبية التي يعكسها المجتمع عن أبنائنا تؤثر فينا وتشعرنا بالخجل من أبنائنا خصوصًا في التجمعات العائلية، حيث ينظر البعض للطفل أو الأم بأسف عليها وعلى طفلها!».
وترى أن الحل يكمن في تقبل الأبناء كما هم، وتذكر أن الإعاقة جزء منهم وليست تعريفًا لهم يحدد هويتهم «سنلاحظ أننا فجأة أصبحنا غير مكترثين للمجتمع ونظرة الآخر وأصبحنا نستمتع بأمومتنا وبتطور أبنائنا، لأن هذا دافعنا ورسالتنا في الحياة وليس إرضاء المجتمع!».
وتختتم حديثها قائلة «لاأظن أن هناك من يخجل من أبنائه «فلذة كبده»، ولكن كما ذكرت سابقًا أظن أن ضغط المجتمع الخارجي الذي يجعلنا نقارن بين أبنائنا وأبناء الآخرين، أو جهل بعض أولياء الأمور بحالة الطفل وعدم اطلاعهم هو سبب إخفاء البعض لأبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة».
كتبت: داليا شافعي