تحقيقات
أخر الأخبار

بعشرة‭ ‬قروش‭ ‬أسست‭ ‬ورشتها‭ ‬للمصنوعات‭ ‬الجلدية‭.. ‬ولجائزة‭ ‬الأم‭ ‬المثالية الست‭ ‬وجيهة‭ ‬عبدالجواد‭: ‬ أبي‭ ‬تجاهل‭ ‬تسجيلي‭ ‬واستخراج‭ ‬شهادة‭ ‬ميلاد‭ ‬لي‭ ‬لأنني‭ ‬فتاة

بيقين‭ ‬راسخ‭ ‬بالله‭ ‬وإيمان‭ ‬يظهر‭ ‬جلياً‭ ‬في‭ ‬كلماتها‭ ‬باستمرار‭ ‬وإمارات‭ ‬الإرادة‭ ‬والرغبة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفارق‭ ‬عينيها،‭ ‬نجحت‭ ‬السيدة‭ ‬وجيهة‭ ‬عبد‭ ‬الجواد‭ ‬بورشتها‭ ‬للمصنوعات‭ ‬الجلدية‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬أبنائها‭ ‬الثلاثة،‭ ‬بل‭ ‬وصلت‭ ‬منتجاتها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬مصر،‭ ‬وعرضت‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬مسيرة‭ ‬امتدت‭ ‬لما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬للست‭ ‬وجيهة‭ ‬جعلتها‭ ‬تتأكد‭ ‬أن‭ ‬السيدات‭ ‬لديهن‭ ‬عقل‭ ‬راجح،‭ ‬وأن‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬لهن‭ ‬قاصرة‭. ‬وتحكي‭ ‬لنا‭ ‬وجيهة‭ ‬عبد‭ ‬الجواد‭ ‬في‭ ‬لقائنا‭ ‬معها‭ ‬قصتها‭ ‬الملهمة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بورشة‭ ‬صغيرة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬ورش،‭ ‬وكيف‭ ‬جعلتها‭ ‬ورشتها‭ ‬للمصنوعات‭ ‬الجلدية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬لقب‭ ‬الأم‭ ‬المثالية‭.‬

في‭ ‬بداية‭ ‬حديثها‭ ‬تستذكر‭ ‬وجيهة‭ ‬الظروف‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬طالتها‭ ‬منذ‭ ‬مجيئها‭ ‬الحياة،‭ ‬إذ‭ ‬وصفت‭ ‬نفسها‭ ‬بـ‭ “‬ضحية‭ ‬الجهل‭” ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتقول‭:” ‬لم‭ ‬يعترف‭ ‬أبي‭ ‬عند‭ ‬ولادتي‭ ‬بتسجيلي‭ ‬وتجاهل‭ ‬استخراج‭ ‬شهادة‭ ‬ميلاد‭ ‬لي‭ ‬لأنني‭ ‬فتاة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أعتبره‭ ‬ظلما‭ ‬لي‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬حياتي‭. ‬فكان‭ ‬أبي‭ ‬ينتظر‭ ‬قدومي‭ ‬كولد،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬عرف‭ ‬أنني‭ ‬بنت‭ ‬لم‭ ‬يستخرج‭ ‬لي‭ ‬شهادة‭ ‬ميلاد،‭ ‬فما‭ ‬ذنبي‭ ‬في‭ ‬هذا؟‭”.‬

بدأت‭ ‬بالاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬المنتجات‭ ‬الجلدية‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الملابس‭ ‬الجاهزة‭ ‬وتوقفي‭ ‬عن‭ ‬الخياطة

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬طفولتها،‭ ‬إذ‭ ‬لازمها‭ ‬الظلم‭ ‬المجتمعي‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬حين‭ ‬أراد‭ ‬أبوه‭ ‬تزويجها،‭ ‬ولم‭ ‬يأخذ‭ ‬برأيها‭ ‬الرافض‭ ‬للزواج‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬لتحمل‭ ‬عبء‭ ‬أسرة‭ ‬سيغيب‭ ‬عنها‭ ‬معيلها،‭ “‬عندما‭ ‬تزوجت‭ ‬ذهبت‭ ‬للوحدة‭ ‬الصحية‭ ‬للتسنين‭ ‬وأعطاني‭ ‬الطبيب‭ ‬سنا‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬سني‭ ‬الحقيقية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬تفكير‭ ‬أبي‭ ‬مخطئا‭ ‬في‭ ‬تزويجي‭ ‬لرجل‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬حياته‭ ‬العملية‭ ‬بعد،‭ ‬وعندما‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬زواجي‭ ‬قوبلت‭ ‬بالرفض،‭ ‬ولم‭ ‬يسمع‭ ‬لرأيي‭”.‬
وبعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬زواجها‭ ‬مع‭ ‬انتقالها‭ ‬للقاهرة‭ ‬من‭ ‬بلدتها‭ ‬أصبحت‭ ‬وجيهة‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬بيتها‭ ‬وأسرتها‭ ‬نظرا‭ ‬لخدمة‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وغيابه‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وتوضح‭ ‬وجيهة‭ ‬أن‭ ‬أباها‭ ‬عرض‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬معهم‭ ‬ببيت‭ ‬العائلة‭ ‬أثناء‭ ‬غياب‭ ‬زوجها‭ ‬عن‭ ‬البيت‭ ‬لكنها‭ ‬رفضت،‭ ‬قائلة‭: “‬أرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يربى‭ ‬أبنائي‭ ‬في‭ ‬بيتهم‭ ‬الخاص،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لأحد‭ ‬عليهم‭ ‬فضل،‭ ‬أو‭ ‬يتعرضوا‭ ‬لموقف‭ ‬ظالم‭ ‬كما‭ ‬مررت‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬عيونهم‭ ‬مكسورة‭”.‬
ولرغبتها‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬دخل‭ ‬لأسرتها‭ ‬وتربية‭ ‬ابنها‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬بمصدر‭ ‬لدخل‭ ‬الأسرة‭: “‬فكرت‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬صغير‭ ‬يمكنني‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬إعالة‭ ‬نفسي‭ ‬وابني،‭ ‬دخلت‭ ‬جمعية‭ ‬بعشرة‭ ‬قروش‭ ‬مع‭ ‬جيراني‭ ‬كنت‭ ‬أدخرها‭ ‬من‭ ‬معاش‭ ‬زوجي‭ ‬كمجند‭ ‬وحين‭ ‬تحصلت‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬قسط‭ ‬من‭ ‬الجمعية‭ ‬اشتريت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأقمشة‭ ‬وبدأت‭ ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬ماكينة‭ ‬الخياطة‭”.‬
لكن‭ ‬عقبة‭ ‬جديدة‭ ‬اصطدمت‭ ‬بها‭ ‬وجيهة‭ ‬في‭ ‬بدء‭ ‬مشروعها،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتعلم‭ ‬القص‭ ‬والتفصيل،‭ ‬رغم‭ ‬امتلاكها‭ ‬لماكينة‭ ‬الخياطة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬المرج‭ ‬بشمال‭ ‬القاهرة،‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬تقطن‭ ‬به،‭ ‬لتتعلم‭ ‬مبادئ‭ ‬الخياطة‭ ‬استعدادا‭ ‬لمشروعها‭ “‬كنت‭ ‬باستمرار‭ ‬أطبق‭ ‬ما‭ ‬أتعلمه‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬على‭ ‬ماكينة‭ ‬الخياطة‭ ‬الخاصة‭ ‬بي‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬خياطة‭ ‬الملابس‭ ‬لزبائن‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬القاهرة‭ ‬والجيزة،‭ ‬وكان‭ ‬العمل‭ ‬جيدا‭ ‬حتى‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات‭”.‬
ومجددا‭ ‬تظهر‭ ‬أمام‭ ‬وجيهة‭ ‬عثرة‭ ‬تجعلها‭ ‬توقف‭ ‬عملها‭ ‬لفترة‭ ‬إذ‭ ‬تقول‭: “‬في‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬الملابس‭ ‬الجاهزة،‭ ‬تقلص‭ ‬عدد‭ ‬الزبائن،‭ ‬وتوقفت‭ ‬لمدة‭ ‬شهرين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يجعلني‭ ‬أتوقف‭ ‬بل‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬صنعة‭ ‬جديدة‭ ‬أتعلمها،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬بدايتي‭ ‬مع‭ ‬صناعة‭ ‬الجلود‭”.‬

واستهلت‭ ‬وجيهة‭ ‬تصميم‭ ‬الجلود‭ ‬بالتعلم‭ ‬كما‭ ‬اشترت‭ ‬ماكينة‭ ‬جديدة‭ ‬بالقسط،‭ ‬وعملت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تسديد‭ ‬الأقساط‭ “‬تعلمت‭ ‬كذلك‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬وما‭ ‬يفيدني‭ ‬في‭ ‬عملي‭ ‬وفي‭ ‬الحياة‭. ‬كان‭ ‬أطفالي‭ ‬صغاراً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬وأخذت‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬ما‭ ‬يفيدني‭ ‬مثل‭ ‬كتابة‭ ‬الخامات‭ ‬والحسابات،‭ ‬وكنت‭ ‬سعيدة‭ ‬لأنني‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬شقتي‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬أولادي‭ ‬والاضطرار‭ ‬للخروج‭ ‬بعيدا‭ ‬عنهم‭”.‬

أول‭ ‬مرة‭ ‬أتلقى‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬حين‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬تصنيع‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬قطعة‭ ‬جلدية‭!‬

ولدى‭ ‬وجيهة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبناء‭ ‬في‭ ‬صغرهم‭ ‬كانوا‭ ‬يساعدونها‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬زملاء‭ ‬أبنائها،‭ ‬وتعلموا‭ ‬صنعة‭ ‬تصنيع‭ ‬الجلود،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬بعضهم‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬ورشها‭ ‬للمنتجات‭ ‬الجلدية‭.‬
مع‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬للسيدة‭ ‬وجيهة‭ ‬جاءت‭ ‬القفزة‭ ‬التي‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتخيلها،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬أعجبت‭ ‬مشغولاتها‭ ‬الجلدية‭ ‬شركة‭ ‬سياحية‭ ‬تواصلت‭ ‬معها‭ ‬لتصنع‭ ‬لهم‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬مشغولاتها‭ “‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬باب‭ ‬رزق‭ ‬لي‭ ‬وأول‭ ‬مشروع‭ ‬كبير‭ ‬أدخل‭ ‬به‭. ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أذكر‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬التي‭ ‬أمسك‭ ‬بها‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬واشتريت‭ ‬ماكينة‭ ‬جديدة‭. ‬وبعدها‭ ‬تتابعت‭ ‬الطلبات،‭ ‬ووصلت‭ ‬مشغولاتي‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأوروبية‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬والسويد‭ ‬أيضا‭”.‬

تؤكد‭ ‬السيدة‭ ‬الخمسينية‭ ‬أن‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تشهد‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬عملها،‭ ‬قائلة‭: “‬فتح‭ ‬الله‭ ‬عليّ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أدري،‭ ‬وكان‭ ‬الرزق‭ ‬والخير‭ ‬يأتيني‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬لأن‭ ‬قلبي‭ ‬كان‭ ‬مليئا‭ ‬بالعمار‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬واتخذه‭ ‬سندي،‭ ‬فلا‭ ‬يخذل‭ ‬الله‭ ‬أبداً‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬كان‭ ‬مخلصا‭ ‬له‭. ‬وأحمد‭ ‬الله‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬أصبح‭ ‬لدي‭ ‬الآن‭ ‬أربع‭ ‬ورش‭ ‬للمشغولات‭ ‬والصناعات‭ ‬الجلدية‭”.‬
ورغم‭ ‬وقوفها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬خدمته‭ ‬بالجيش،‭ ‬فإنه‭ ‬بعد‭ ‬قضاء‭ ‬خدمته‭ ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬حين‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬تسير‭ ‬ارتكن‭ ‬للكسل‭ ‬ولم‭ ‬يعمل،‭ ‬ولذلك‭ ‬حصل‭ ‬الانفصال‭: “‬اخترت‭ ‬الانفصال‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬تصرف‭ ‬خاطئ‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬لأبنائي‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭”.‬
وفي‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬اشترت‭ ‬وجيهة‭ ‬لابنها‭ ‬الكبير،‭ ‬محمد،‭ ‬أرضا‭ ‬استعداداً‭ ‬لبناء‭ ‬مصنع‭ ‬للمشغولات‭ ‬الجلدية‭. ‬وكانت‭ ‬تهدف‭ ‬لجمع‭ ‬شباب‭ ‬المنطقة‭ ‬لتعليمهم‭ ‬حرفة‭ ‬صناعة‭ ‬الجلود‭ ‬وتوفير‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬لهم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬وجيهة‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬حادثة‭ ‬ستغير‭ ‬مسار‭ ‬حياتها‭ ‬وحياة‭ ‬أسرتها،‭ ‬ويحول‭ ‬حلمها‭ ‬إلى‭ ‬ألم‭ ‬ثقيل‭: “‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬عند‭ ‬تسلم‭ ‬الأرض‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أننا‭ ‬وقعنا‭ ‬ضحية‭ ‬مافيا‭ ‬سرقة‭ ‬الأراضي،‭ ‬وتعرضنا‭ ‬لعملية‭ ‬نصب‭ ‬كبيرة‭. ‬كان‭ ‬ابني‭ ‬محمد‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬شبابه‭ ‬بأوائل‭ ‬العشرينيات‭ ‬حينها‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أو‭ ‬استرداد‭ ‬الأموال‭ ‬ونتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬نصبت‭ ‬له‭ ‬هذه‭ ‬العصابة‭ ‬كمينا‭ ‬وتعرضوا‭ ‬له‭”.‬

كنت‭ ‬أستعد‭ ‬لإقامة‭ ‬مصنع‭ ‬حين‭ ‬تعرض‭ ‬ابني‭ ‬لحادثة‭ ‬وسرقت‭ ‬منا‭ ‬أرضنا

وتستذكر‭ ‬الست‭ ‬وجيهة‭ ‬الحادثة،‭ ‬وتغالبها‭ ‬الدموع‭ ‬وتقول‭: “‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أذكر‭ ‬الساعة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬ففي‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬يناير‭ ‬2010‭ ‬استدرجت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬ابني‭ ‬الأكبر‭ ‬محمد‭ ‬والشوارع‭ ‬فارغة،‭ ‬زاعمين‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يطلب‭ ‬أحد‭ ‬مشغولاتنا‭ ‬الجلدية،‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬حين‭ ‬ذهب‭ ‬إليهم‭ ‬وجد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬هجموا‭ ‬عليه،‭ ‬وهدده‭ ‬أحدهم‭ ‬بالمسدس‭ ‬أيضا،‭ ‬ونتجت‭ ‬الحادثة‭ ‬عن‭ ‬إصابة‭ ‬مستديمة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬محمد‭ ‬اليمنى‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها،‭ ‬وكانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬البتر‭”.‬
وقررت‭ ‬وجيهة‭ ‬أن‭ ‬تخوض‭ “‬حرباً‭” ‬كما‭ ‬وصفت‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬سرقوا‭ ‬أرضها‭ ‬وأصابوا‭ ‬ابنها‭.. ‬لكنها‭ ‬تعرضت‭ ‬لمدة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬للتنازل‭ ‬عن‭ ‬البلاغات‭ ‬المقدمة‭ ‬بشأن‭ ‬الأرض‭ ‬وإصابة‭ ‬محمد‭ “‬لأنني‭ ‬خشيت‭ ‬خسارة‭ ‬أبنائي‭ ‬الثلاثة‭ ‬قررت‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬لنستكمل‭ ‬عملنا‭”.‬

كلمة‭ ‬قيلت‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬عند‭ ‬تنازلها‭ ‬وابنها‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬راكمت‭ ‬الحزن‭ ‬بداخلها،‭ ‬وسددت‭ ‬خنجراً‭ ‬لقلبها،‭ ‬وكانت‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬إطلاقها‭ ‬مبادرة‭ ‬للشباب‭ ‬والبيوت‭ ‬المصرية،‭ ‬إذ‭ ‬تقول‭: “‬عند‭ ‬تنازلنا‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬لابني‭ ‬محمد‭ “‬أخيرا‭ ‬كنت‭ ‬أنتظرك‭ ‬منذ‭ ‬عام‭”‬،‭ ‬وشعرت‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬بالقهر‭ ‬وأشفقت‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬خاصة،‭ ‬ونحن‭ ‬تعرضنا‭ ‬للظلم‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬تعهدت‭ ‬بعدما‭ ‬أصابوا‭ ‬يد‭ ‬ابني‭ ‬أن‭ ‬أعلم‭ ‬ملايين‭ ‬مثله‭ ‬لنشر‭ ‬الحرفة‭ ‬وبأعلى‭ ‬صوتي‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬قلت‭ ‬سأطلق‭ ‬مبادرة‭ “‬يا‭ ‬شباب‭ ‬بكرة‭.. ‬منتج‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بيت‭” ‬لأعلم‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والشابات‭ ‬للتدريب‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬الجلود‭. ‬وبالفعل‭ ‬دربت‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وصل‭ ‬عددهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬متدرب‭”.‬
تصف‭ ‬وجيها‭ ‬إصابة‭ ‬ابنها‭ ‬الأكبر‭ ‬محمد‭ ‬بكونها‭ ‬أكبر‭ “‬كسر‭” ‬في‭ ‬حياتها‭ ” ‬محمد‭ ‬الأقرب‭ ‬لي‭ ‬ومنذ‭ ‬صغره‭ ‬يساعدني‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬فقد‭ ‬ترك‭ ‬تعليمه‭ ‬ليساعدني‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والإنفاق‭ ‬على‭ ‬إخوته‭”.‬

وبعزيمة‭ ‬لا‭ ‬تفتر‭ ‬عادت‭ ‬وجيهة‭ ‬للعمل‭ ‬مجدداً،‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬قررت‭ ‬العودة‭ ‬للتعليم،‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الإعدادية،‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬الثانوي،‭ ‬وعن‭ ‬العودة‭ ‬للتعليم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬قالت‭: “‬التعليم‭ ‬كان‭ ‬حلما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬وفي‭ ‬البداية‭ ‬استكبرت‭ ‬عمري،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬سيدة‭ ‬مسنة‭ ‬عمرها‭ ‬ثمانون‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬معي‭ ‬تغيير‭ ‬فكري‭ ‬كما‭ ‬رجع‭ ‬ابني‭ ‬معي‭ ‬للتعليم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭”.‬
تتويجا‭ ‬لكفاحها‭ ‬كرمت‭ ‬السيدة‭ ‬وجيهة‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬عدة‭ ‬مثل‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬وحصلت‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الأم‭ ‬المثالية‭ ‬في‭ ‬2016،‭ ‬وتكريم‭ ‬من‭ ‬المحافظ،‭ “‬ولكني‭ ‬أعتز‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬بالوسام‭ ‬الذي‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭ ‬وجائزة‭ ‬الأم‭ ‬المثالية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التمكين‭ ‬الاقتصادي‭”.‬
ورغم‭ ‬بساطتها،‭ ‬استطاعت‭ ‬وجيهة‭ ‬خلال‭ ‬حياتها‭ ‬أن‭ ‬تطبق‭ ‬قواعد‭ ‬اقتصادية‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الأم‭ ‬المثالية‭ ‬في‭ ‬التمكين‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬طبقت‭ ‬مبادئ‭ ‬ترشيد‭ ‬الميزانية،‭ ‬ودائماً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تدخر‭ ‬يومياً‭ ‬ولو‭ ‬مبلغاً‭ ‬ضئيلاً‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬لأي‭ ‬ظرف‭ ‬طارئ‭ “‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬سيدة‭ ‬وزيرة‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬بيتها‭”.‬

مازلت‭ ‬أتمسك‭ ‬بحلمي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مصنع‭ ‬لتشغيل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص

وتأسف‭ ‬وجيهة‭ ‬لما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬السيدات‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬قائلة‭: “‬يقهرني‭ ‬ظلم‭ ‬البنات‭ ‬والسيدات‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬وما‭ ‬يتعرضن‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬وقهر‭ ‬من‭ ‬أسرهن‭. ‬والسيدات‭ ‬عقولهن‭ ‬جبارة،‭ ‬ويمكنهن‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد‭ ‬وتحقيق‭ ‬نجاحات‭ ‬عدة،‭ ‬فهن‭ ‬يتسمن‭ ‬بالحكمة‭ ‬ولديهن‭ ‬سرعة‭ ‬بديهة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقف‭”.‬
وفي‭ ‬ختام‭ ‬حديثها،‭ ‬تعبر‭ ‬وجيهة‭ ‬عن‭ ‬أملها‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬خلال‭ ‬الفترات‭ ‬المقبلة‭ ‬للأسر‭ ‬المنتجة‭ ‬وما‭ ‬تقدمه،‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬زيادة‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬تعرضها‭ ‬هذه‭ ‬الأسر،‭ ‬وعما‭ ‬تود‭ ‬تحقيقه‭ ‬مستقبلا‭ ‬تقول‭: “‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أتمسك‭ ‬بحلمي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مصنع‭ ‬وتشغيل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬لأشارك‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬بلدي،‭ ‬والحج‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭”.‬

أسرتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان
مصر‭- ‬داليا‭ ‬شافعي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق