النصف الحلوشابات

«رفيقة الفحم» خلود الدسوقي.. فنانة تشكيلية

 

تحترف الرسم بـ «الماكياج»

 

أجمل ما في العمل الفني هو تلك الراحة التي ترافق العين وهي تتابع هذا الإبداع المنسجم الألوان والخطوط، فتتكحل العين ويرتاح القلب وتنتعش النفس في المتابعة.

هذا ما ينتابك وأنت تشاهد أعمال الفنانة الفلسطينية خلود الدسوقي (22 عاما)، المتميزة بالرسم بأنواع مختلفة من المواد الغريبة, فحين تمسك بالفرشاة، تطير كالفراشة فوق حقل من الزهور، تشكل في ذلك مشهدا جميلا، يزداد بهاؤه إذا ما أنتجت لوحة فنية بديعة تحمل تفاصيل إحساسها.

تتمنى خلود أن تقدم فنا خالدا تتناقله الأجيال، تاركة بصمة فنية فريدة تسجل باسمها بين كمان الفنانين التشكيلين الفلسطينيين.

وعلى الرغم من صغر سنها، فإن تجربة خلود الفنية تحمل زخما يبشر بولادة فنانة شابة متمردة، تسعى إلى التميز بالانفراد بألوان لم يسبقها إليها احد، فبعد أن برعت في الرسم بالفحم النباتي، كما أنها تحب فن النحت والرسم بالزيت والزجاج، أبدعت خلود في الرسم بأدوات التجميل.

قدرة خلود على تحويل الأدوات المخصصة للتجميل لألوان تنتج أبهى اللوحات كان تطورا فريدا في موهبتها، وزاد متابعوها إعجابا بالطريقة المحترفة لهذا الاستخدام الجديد، فتجد الكثير منهم لا يكاد يصدق أن هذه اللوحات قد تم رسمها بالماكياج فقط.

على مستوى الوطن العربي كانت تجربة خلود هي الأولى من نوعها، حيث تعتبر تجربتها هذه بالأكثر إثارة خلال مسيرتها الفنية، فقد استطاعت من خلاله تجسيد جمالية فريدة لم يسبقها إليها أحد.

 

حول هذا تقول:

ربما يعتبر البعض الأمر جنونا، ولكن ما الفن إلا ضربا من جنون، وهذا ما حدث عندما أنجزت أولى لوحاتي باستخدام ألوان الماكياج التي تتزين بها الفتيات، استخدمتها لتزيين لوحتي، وحصلت على نتائج مبهرة من خلال تعدد الألوان واتساع الخيارات، ولم يصدق الأهل والأصدقاء بداية أنها رسمت بالماكياج فقط.

وتتابع:

شغفي الدائم بالبحث عما هو جديد، جعلني أجرب الرسم بالكحل، قبل ثلاثة أعوام، كانت التجربة الأولى، مؤكدة انها لا تزال تبحث عن استخدام كل ما يحلو لها في الرسم لتطوير مهاراتها وفنها بالرسم بأدوات أخرى من البيئة.

 

الحب والثورة

فنانة رسمت للثورة والحب، ولا ترى بينهما أي تناقض بل إنها تؤكد أن الثورة جزء من الحب، وتعبير عن الانتماء إلى الوطن المحتل، ففي الثورة لا جنس ولا جنسية تفرق.

فكانت أجمل وأضخم لوحتها، باستخدام الفحم النباتي تحمل اسم «عنوان ثورة حتى النصر»، والتي بلغت مساحتها 3 أمتار، بطول 175 سم، والتي تعتبرها خلود الأقرب إلى قلبها، تلك اللوحة التي جسّدت خلالها أبرز رموز التحرر الوطني عربياً وعالمياً، التي جمعتها خريطة الوطن العربي وعلى رأسهم الرئيس الراحل ياسر عرفات.

حيث اختصرت اللوحة أزمنة وعصورًا بين رموز كثيرة مثل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وغاندي، ونيلسون مانديلا، والشيخ عمر المختار، والثوري تشي جيفارا،جمع بينها حب التحرر والانعتاق من الاحتلال.

هذا ما توضحه خلود التي كانت لوحتها هذه هي مشروع تخرجها في الجامعة، فتقول:

لا فرق بين العصور ولا الشخصيات التي تناولتها ريشتي، حيث كان المبدأ واحدا، وأنا استلهمت شخصيات لوحتي الفنية من الوطن وكل من كان يدافع عنه سواء بالكفاح السلمي أو المسلح على حد سواء، وقد جلسوا جميعاً على طاولة مزيّنة بالخريطة والبنادق.

 

بداية مبكرة

من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة بدأت رحلة خلود الفنية مبكرا، فمنذ سن الرابعة وقبل أن تلتحق بالصف المدرسي كانت الطفلة الصغيرة تهوى الإمساك بالقلم، ولا تنتظر حضور الورق فكانت تطبع بصمتها على أي شيء متاح أمامها.

خلود تحمل الفضل لوالديها لما بذلاه من اجلها، وكيف كان لتشجيعهما بالغ الأثر في مسيرتها، وكيف استطاعا تحويل خربشات الطفولة إلى مشروع فنانة بوضعها على الطريق الصحيح، فهي تدين بكل ما تحقق لهما وفق تعبيرها.

الأسرة بدورها تلقفت هذه الموهبة وحاولت أن تسخر لها الإمكانيات اللازمة لتفرغ المبدعة الصغيرة ما بداخلها على ورق يحفظ لها إنتاجها الفني، وإحضار فراشي الرسم والألوان التي تلزمها لرسم نفسها دمية، وتفرح كلما ضحك لها احد من أهلها وشجها على الاستمرار.

فرحة الطفولة لم تغادرها حتى اليوم، فتغمرها الفرحة كلما أشاد احد ما بأعمالها وتعتبر ذلك تأشيرة استمرار لها، ففي الخامسة عشرة من عمرها امتلكت خلود أدوات مكنتها من المشاركة عبر مدرستها الثانوية في مسابقة حازت فيها المرتبة الأولى على مستوى محافظة خانيونس.

كانت خطوة مهمة في رحلتها شجعتها على بذل مزيد من الجهد لتطوير قدراتها، وحملتها مسؤولية أكبر من ذي قبل.

تقول:

الوصول إلى القمة سهل، ولكن الحفاظ عليها صعب، ونجاحي في هذه المسابقة المحلية جعلني أفكر فيما هو أكبر من ذلك في أفق أوسع ضمن مشاركات أكبر لتحقيق مراتب متقدمة.

 

دراسة الحلم

لم تمنع الظروف خلود من دراسة الفنون الجميلة في جامعة الأقصى بغزة، محققة هذا الحلم الغالي رغم كل الصعوبات التي واجهت العائلة، من أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة، وأنهت دراستها وحصلت على الامتياز وتوقع لها أساتذتها مستقبلا كبيرا في عالم الفن.

وخلال دراستها بزغت موهبة خلود أكثر من زملائها فشاركت في العديد من المعارض الفنية والمسابقات، ولكن تبقى كلها مشاركات محلية تتمنى خلود لها أن تتطور وان تتمكن من المشاركة في معارض عربية وعالمية، تقدم فيها إنتاجها الفني.

وتعلق على هذا بالقول:

علينا جميعاً أن نعمل من أجل إبراز ذلك الوجه الفلسطيني الجميل، وأن الشعب الفلسطيني غنيّ بالمواهب القادرة على إيصال الرسالة رغم المعوقات كافة.

 

رفيقة الفحم

برعت خلود في استخدام الفحم النباتي الذي يتغير حسب شكل النبات الأصلي، وهو عبارة عن مخلفات مكونة من كربون صرف تنتج عن عملية نزع الماء من المواد النباتية, وطريقة تحضيره تسمى بالتقطير الاتلافي وهو الحرق بمعزل عن الهواء, ويصنعه الإنسان بتسخين الخشب, ولونه أسود.

ولهذا الفحم العديد من المزايا مثل تنوع الخط ودرجات الظل الذي ينتجه وهو يستخدم بسهولة لإظهار كل تفاصيل اللوحة ويمكن معه استخدام الممحاة، مما يجعله وسيلة جيدة للرسم.

ولأن قلة الموارد هي من أبرز المعوقات أمام الفنان الفلسطيني كان لجوء خلود إلى الفحم انسب وسيلة تمكنها من إنتاج لوحات مميزة وفريدة.

وتقول حول هذا:

يتيح الفحم لي إنتاج لوحة تتنوع خطوطها ودرجات الظل فيها، وقد ساعدني كثيرا خلال مسيرتي حتى أطلق علي البعض رفيقة الفحم.

أحلام خلود كبيرة لا تنتهي، تبدأ من امتلاك مرسم خاص يوفر عليها نقل لوحاتها الكبيرة من مكان إلى آخر، لأن الفحم يتسبب في اتساخ أي شيء يلامسه، وصولا إلى إقامة معرضها الشخصي الأول، والذي تطمح إلى أن يكون فريدا ومليئا بالأفكار الجديدة والغريبة واللوحات الجميلة والمميزة.

كما تحلم بمواصلة دراستها الأكاديمية في ذات المجال الذي أحبته ضمن تخصص العلاج البيولوجي والسيكولوجي بالفن التشكيلي.

 

الفن المهمل

خلود تنتقد قلة الاهتمام الرسمي والشعبي بالفن، ويبدأ ذلك من إلغاء حصص التربية الفنية في المدارس واستبدالها بحصص لمواد أخرى يعتقد القائمون أنها أكثر أهمية، تنتج جيلا فاقدا للذوق الفني يجهل أهمية الفن من الأساس.

وحتى الدراسة في الأكاديمية الفنية الوحيدة في قطاع غزة، يجب على الطالب فيها إذا ما بحث عن التميز والاعتماد على التعليم الذاتي وتطوير نفسه خارج أسوار كليته، لأن الإمكانيات التي توفرها الكلية قليلة ولا تصنع تميزا وفنا حقيقيا.

وترى خلود انه في الوقت الذي يستمر فيه قتل شعبها، كان واجبا على مبدعيها الاستمرار في عملهم وأداء رسالتهم السامية، عبر القلم أو الريشة أو الكلمات.

وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة تزداد المسؤولية على الفنان، فهو المطالب بتجسيد هذا الواقع بعمل فني يعمل على نقل الواقع وتوثيق اللحظة التاريخية في ذات اللحظة، وهذا ما عملت فيه خلال فترة الحرب التي كانت الأصعب في حياتي كلها.

 

 

 

أسرتي في كل مكان

فلسطين – عبدالله عمر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق