قطاف الزيتون في لبنان.. جمع شمل العائلة والعودة لحياة الأرض «الزيت المبارك».. يجمع شمل العائلات فـي لبـنـان
لعل موسم قطاف الزيتون يعتبر المناسبة الوحيدة المتبقية التي يعود فيها الجميع في لبنان إلى حياة الأرض، صغارا وكبارا، يتوجه الجميع إلى الحقل بعد تلقي الإيعاز من رب الأسرة أو الجد، خلية نحل تعمل كل بحسب المهمة الموكلة إليه، لا مجال لتضييع الوقت، بل نشاط يعم الأجواء وسباق بين العائلة من يجمع كميات أكبر من حبات الزيتون بسرعة قياسية.
العم أحمد:
علّمت أولادي أن شجرة الزيتون مقدسة وحرصت دائماً على خلق أجواء عائلية دافئة خلال القطاف تماماً كما كان يفعل والدي
ينتظر العم أحمد (66 عاما) كل سنة موعد قطاف الزيتون، يعتبر هذه المناسبة مقدسة؛ لأنها تجمع أولاده جميعا في الحقل، يقول ”منذ زمن علمت أولادي أن شجرة الزيتون مقدسة، وحرصت دائما على خلق أجواء عائلية دافئة خلال القطاف تماما كما كان يفعل والدي، وها أنا اليوم أحصد نتاج ما زرعته بتربيتي لهم، سعادتي لا تقدر بثمن حين يتركون العاصمة بيروت ويأخذون إجازة من أعمالهم كي يساعدوني بالموسم”.
يضيف “في العادة يجتمعون في الضيعة بالمفرق، أما في الموسم فجميع أولادي في أرض العائلة أفرح حين أراهم يعملون في أرضهم، يساعدون بعضهم ويتسامرون، بعيدا عن هواتفهم الذكية اللعينة”.
يصف العم أحمد يوم القطاف بفرح، ويقول “في الحقل أجواء عائلية سليمة وصحية، حتى الفطور الصباحي تكمن رائحة الأرض بين تفاصيله، البيض البلدي واللبنة البلدية، الزعتر الجاف وخبز المرقوق، أجلس بين عائلتي حاملا كوب الشاي وأكون متخماً بالحب والسعادة والفخر بهم”
الحاج حسين:
الحمد لله عندي «كرم زيتون».. أؤمن مونة بيتي من الزيتون والزيت
موعد القطاف مناسبة للعناية بالأرض
منذ ساعات الصباح الأولى ينزل الحاج حسين وزوجته إلى الحقل مجهزين بالعدة اللازمة للقطاف وتجميع “الرزق” بدءا من المفرش الأرضي البلاستيكي، للسلم، والشوالات والسطول، والمشط. يتساعد الزوجان في مد المفرش تحت كل شجرة ويحرصان على تغطية المساحة المطلوبة بشكل جيد كي لا تفلت حبة. يترك الحاج حسين مهمة قطف الحبات المنخفضة الارتفاع لزوجته، ويهم بدوره بالصعود على السلم لإسقاط الحبات المرتفعة تارة بيده وتارة بعصاه أو المشط.
تمر الساعات ويطل باقي أفراد الأسرة والأصدقاء للمساعدة، فيترك الحاج حسين مهمة القطف، ويباشر بعملية تشحيل الشجر لتأمين ما تيسر من حطب للشتاء القادم، ويقول “الحمد لله عندي “كرم زيتون”، أؤمن مونة بيتي من الزيتون والزيت، مشيرا إلى أن سعر تنكة الزيتون وصل إلى حدود الـ 5 ملايين و200 ألف ليرة لبنانية، وهذا السعر بعيد عن مقدرة أغلبية الشعب اللبناني وكذلك الأمر بالنسبة لمتر الحطب”.
في هذا الموعد بالذات يصب اهتمام الأسرة للعناية بالأرض، قطاف، تشحيل وتعشيب الأرض، يجتمع الشمل في الحقل على فنجان قهوة وأحاديث تقيم الموسم الحالي مقارنة بالعام الماضي، إلى أن يصرخ الحاج حسين بالجميع معلنا انتهاء الاستراحة.
أبو خليل:
أجدادي علموني بأن القطاف الأنجح بعد هطول الأمطار بعشرة أيام فعندها حبة الزيتون تكون في أوج عطائها وجودة الزيت تكون ممتازة وغنية
خلال جولتي في الحقول، رأيت من بعيد رجلا يمد يده بسلاسة إلى حبات الزيتون، يقطفها بعناية وكأنه يخاف عليها، استأذنت القدوم فصرخ مرحبا، وعند سؤالي عن سبب عمله وحيدا أجابني بأنه يعمل بهدف التسلية والتمتع برزقه، وقال “لم أبدأ القطاف الجدي بعد؛ لأنني أنتظر هطول الأمطار، أجدادي علموني بأن القطاف الأنجح بعد هطول الأمطار بعشرة أيام، فعندها حبة الزيتون تكون في أوج عطائها وجودة الزيت تكون ممتازة وغنية”.
بروحه المرحة وظله الخفيف يشكو أبوخليل من تعامل بعض المزارعين بقسوة مع شجرة الزيتون، بقوله “يمسكون بالعصا ويبدأون الضرب، وكي يسقطوا حبة الزيتون يكسرون الأغصان ويسقطون الأوراق”، معتبرا أن البعض يشتكون من أن محصولهم يفرق حتى ضعف الكمية بين سنة وأخرى، وهذا مرده بحسب قوله إلى أن الأغصان التي تكسر أثناء القطاف تكون مهمتها حمل حبات الزيتون في السنة القادمة.
ترك الستيني المرح قطاف زيتونه، وبدأ يحدثني عن الزيتون بشغف، أنواعه، التربة الأنسب، أيهما أنسب للكبيس وللزيت، الأطيب مذاقا، موسوعة ناطقة ولكن كل ما يقوله حسب خبرته الشخصية وتجربته، وقد يخالفه الرأي بعض المزارعين، إلا أنه يتسلح بتجربته ويقول “أنا خبرتي هيك بتقول وهيدا يلي بعتبروا الصح”.
العم سعيد:
«حبة زيتون باليد ولا عشرة ع الشجرة»
بدأ موسم قطاف الزيتون في عكار باكرا هذا العام، وعند سؤالنا عن السبب أجاب العم سعيد (70 عاما) “حبة زيتون باليد ولا عشرة ع الشجرة”، وشرح “تشهد عكار حالات من الاعتداءات التي تطول كروم الأشجار عموما، فقطع الأشجار يتم بلا حسيب ولا رقيب ولا محاسبة، في ظل الأسعار الجنونية للمحروقات والحطب، فلم يجد البعض حلا أمامهم غير القطع العشوائي للأشجار”.
البعض الآخر، عمد إلى سرقة محاصيل الزيتون بهدف تأمين مؤونة الشتاء من الزيتون والزيت نظرا لأسعاره المرتفعة. يقول العم سعيد “كنا نقول فيما مضى إننا نستطيع العيش، ولو على الخبزة والزيتونة، وواقع الحال اليوم يقول: حتى الزيتونة باتت بعيدة المنال عن الفقراء، والبعض لا يستطيع تأمينها إلا بالسرقة”.
المعصرة
بعد الانتهاء من مرحلة القطاف، يتم جمع الكمية وأخذها إلى المعصرة ويتم العصر وفق الخطوات التالية: تفريغ أكياس الزيتون في حوض واسع، يتم سحب الزيتون بواسطة حزام مطاطي نحو حوض معدني كبير، من ثم مرحلة الغسل وفصل حب الزيتون عن باقي الأشياء الأخرى كالأوساخ والأوراق. بعدها يتم هرس وعجن حبات الزيتون النظيفة، ومن ثم يتم عصر الخليط المهروس وفصله ويتم إنزال الزيت. تجمع الفضلات داخل قوالب لتصبح “جفت” (يستعمل أيضا للتدفئة)، من ثم يتم ضخ الزيت إلى المصفاة الأخيرة، وبعد تنقية الزيت يتم وضعه في خزانات ليتم وضعه في عبوات.
«أسرتي» في كل مكان
علي غندور