تحقيقات
أخر الأخبار

سارة‭ ‬أكبر‭: ‬مع‭ ‬إطفاء‭ ‬البئر‭ ‬الأولى‭ ‬انكسر‭ ‬الحاجز‭ ‬النفسي

م‭. ‬سارة‭ ‬أكبر‭ ‬‮«‬رقم‭ ‬وطني‭.. ‬علمي‭.. ‬نفطي‮»‬‭ ‬نعتز‭ ‬به‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬القدوة‭ ‬الحقيقية‮»‬‭ ‬كما‭ ‬لمسنا‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والفتيات‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يستمعون‭ ‬لها‭ ‬كقائدة‭ ‬ببطولتها‭ ‬الفذة‭ ‬وهي‭ ‬تخوض‭ ‬في‭ ‬بحيرات‭ ‬النفط‭ ‬المشتعلة‭ ‬وسط‭ ‬الألغام‭ ‬لتطفئ‭ ‬البئر‭ ‬تلو‭ ‬البئر‭ ‬بروح‭ ‬المغامر‭ ‬والتفوق‭ ‬المهني‭.‬
وسردت‭ ‬أكبر‭ ‬قصة‭ ‬إطفاء‭ ‬الآبار،‭ ‬مسترجعة‭ ‬شريط‭ ‬الذكريات‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬بعنوان‭ ‬رحلة‭ ‬شغف‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬تنظيمها‭ ‬مؤسسة‭ ‬شغف‭ ‬وكأنها‭ ‬تعيش‭ ‬اللحظة،‭ ‬مشيرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬إلى‭ ‬العزم‭ ‬والإصرار‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬وطنية‭ ‬حقيقية،‭ ‬تمثّلت‭ ‬بخوض‭ ‬المخاطر‭ ‬لأجل‭ ‬إطفاء‭ ‬حرائق‭ ‬النفط،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المبالغة‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬كلمات‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تصف‭ ‬الملحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬أحدثتها‭ ‬م‭. ‬سارة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬ونفوس‭ ‬الحضور‭.‬
ومن‭ ‬موقع‭ ‬نشاطها‭ ‬واهتمامها‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬بيّنت‭ ‬أكبر‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬بحاجة‭ ‬لإرادة‭ ‬التنفيذ؛‭ ‬فالخطط‭ ‬والدراسات‭ ‬موجودة،‭ ‬ملمحة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكويتيين‭ ‬رسخوا‭ ‬في‭ ‬إطفاء‭ ‬الآبار‭ ‬نموذجا‭ ‬حيا‭ ‬لتمكنهم‭ ‬من‭ ‬تخطي‭ ‬الصعاب،‭ ‬والكويت‭ ‬بحاجة‭ ‬لتكرار‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬اليوم‭.‬

في‭ ‬بداية‭ ‬حديثها‭ ‬قالت‭ ‬صحيح‭ ‬أنني‭ ‬أحببت‭ ‬تخصص‭ ‬الهندسة‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬عشق‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬هندسة‭ ‬البترول‭ ‬ترعرع‭ ‬معي‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬صغيرة،‭ ‬حيث‭ ‬كنا‭ ‬دائماً‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬النفط،‭ ‬وكانت‭ ‬مرابع‭ ‬لهونا،‭ ‬ولعبنا‭ ‬هي‭ ‬المساحات‭ ‬الفارغة‭ ‬بين‭ ‬المصافي،‭ ‬وكان‭ ‬الهواء‭ ‬الذي‭ ‬أستنشقه‭ ‬مشبعاً‭ ‬بروائح‭ ‬النفط،‭ ‬وكان‭ ‬المنظر‭ ‬الذي‭ ‬أصحو‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬هو‭ ‬مشاعل‭ ‬الغاز‭ ‬المحترقة‭.‬
لذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬ألتحق‭ ‬بعد‭ ‬إكمالي‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬طالبات‭ ‬الهندسة‭ ‬الكيميائية‭ ‬بالجامعة،‭ ‬وأتخرج‭ ‬بتفوق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬لأبدأ‭ ‬بعده‭ ‬مسيرة‭ ‬تطبيق‭ ‬ما‭ ‬تعلمته‭ ‬ميدانياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬بلادي‭ ‬النفطية،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬إيماني‭ ‬القوي‭ ‬بأن‭ ‬المهندس‭ ‬المبدع‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬عمله،‭ ‬وأنْ‭ ‬ينزل‭ ‬للمعمل‭ ‬والمشروع‭ ‬والمنشأة‭ ‬والحقل‭ ‬النفطي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬عمله‭ ‬ليكتسب‭ ‬خبراته‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬ويطبق‭ ‬ما‭ ‬تعلمه‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وليعيش‭ ‬روح‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي،‭ ‬ويتعرف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يواجهه‭ ‬أثناء‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وليضمن‭ ‬أفضل‭ ‬أداء‭.‬

نزولي‭ ‬كمهندسة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الميداني‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬البترولية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سهلا،‭ ‬وتطلب‭ ‬منى‭ ‬الإصرار‭ ‬والعزيمة‭ ‬وتكرار‭ ‬المحاولة‭ ‬تلو‭ ‬المحاولة،‭ ‬لأن‭ ‬رؤسائي‭ ‬الذكور‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬واثقين‭ ‬من‭ ‬قدراتي،‭ ‬وكانوا‭ ‬يخافون‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لي‭ ‬مكروه‭ ‬فيتحملون‭ ‬المسؤولية،‭ ‬لكنهم‭ ‬اضطروا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬لأن‭ ‬يستجيبوا‭ ‬لإلحاحي،‭ ‬فقمت‭ ‬بأولى‭ ‬مهامي‭ ‬الميدانية،‭ ‬وكان‭ ‬حقلا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البحر،‭ ‬وكانت‭ ‬لمدة‭ ‬يومين‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬النفطية‭ ‬المغمورة‭. ‬وبهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬أكسر‭ ‬القيود‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬شركة‭ ‬نفط‭ ‬الكويت‭ ‬على‭ ‬عملي‭ ‬مهندسة،‭ ‬وأن‭ ‬أخلق‭ ‬لنفسي‭ ‬صيتا‭ ‬ووضعا‭ ‬متميزا‭.‬

ماذا‭ ‬عن‭ ‬وجودك‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الغزو؟‭ ‬كيف‭ ‬استطعت‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مشاعرك‭ ‬وتصرفاتك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة؟
‏‭- ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭ ‬الشديدة‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للكويت‭ ‬في‭ ‬الغزو،‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬الإحساس؛‭ ‬لأنه‭ ‬يفقد‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمان،‭ ‬فكانت‭ ‬لي‭ ‬أولويات‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مسؤوليات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بها‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬المشاعر،‭ ‬صدرت‭ ‬لنا‭ ‬أوامر‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬العليا‭ ‬بأنْ‭ ‬نبقى‭ ‬في‭ ‬أماكننا‭ ‬لمحاولة‭ ‬تقليل‭ ‬الخسائر‭.. ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استمرارنا‭ ‬في‭ ‬العمل؛‭ ‬لأن‭ ‬محطات‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ننتجه،‭ ‬فإذا‭ ‬توقف‭ ‬الإنتاج،‭ ‬فإن‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬سيتوقفان‭. ‬كانت‭ ‬مهمتنا‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬الكويتيين‭ ‬الباقين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭. ‬كنا‭ ‬نحو‭ ‬أربعين‭ ‬شخصا،‭ ‬نرسل‭ ‬تقارير‭ ‬يومية‭ ‬للقيادة‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬داخل‭ ‬الشركة‭. ‬لقد‭ ‬بقيت‭ ‬أعمل‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬يناير‭ (‬1991‭) ‬وشاهدتُ‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬تلغيم‭ ‬آبار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬أسبوع‭ ‬بعد‭ ‬الغزو،‭ ‬كما‭ ‬شاهدت‭ ‬تفجيرها‭ ‬قبل‭ ‬رحيل‭ ‬العراقيين‭.‬

هل‭ ‬راودك‭ ‬الشعور‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬الموت؟
‏‭- ‬كنت‭ ‬أتسلل‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬الشركة‭ ‬في‭ ‬الأحمدي،‭ ‬رغم‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬المقر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوات‭ ‬العراقية،‭ ‬وقمت‭ ‬بإخفاء‭ ‬أشرطة‭ ‬الميكروفيلم‭ ‬والتقارير‭ ‬السرية‭ ‬الخاصة‭ ‬بشركة‭ ‬نفط‭ ‬الكويت‭ ‬عن‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬منزلي،‭ ‬وجعلت‭ ‬عليها‭ ‬حراسة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬شخصيين،‭ ‬وانتقلت‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬لمنزل‭ ‬آخر،‭ ‬وكنت‭ ‬يوميا‭ ‬أذهب‭ ‬للمنزل‭ ‬حاملة‭ ‬الأكل‭ ‬والماء،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الحراسة،‭ ‬وللاطمئنان‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬الشركة،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬سقطت‭ ‬قذيفة‭ ‬على‭ ‬المنزل،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعلم،‭ ‬وعندما‭ ‬ذهبت‭ ‬وجد‭ ‬منزل‭ ‬جيراننا‭ ‬مهدما‭ ‬وباب‭ ‬منزلنا‭ ‬سقط‭ ‬وخلفه‭ ‬الشخصان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هلع‭ ‬والمياه‭ ‬أوشكت‭ ‬على‭ ‬النفاد‭ ‬بسبب‭ ‬حدوث‭ ‬كسر‭ ‬في‭ “‬التنكر‭” ‬مخزن‭ ‬الماء،‭ ‬والغريب‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬علبة‭ ‬صغيرة‭ ‬أمام‭ ‬باب‭ ‬المنزل‭ ‬ضمن‭ ‬الهدم‭ ‬والأشياء‭ ‬المكسرة،‭ ‬فقمت‭ ‬بالتقاطها‭ ‬وإلقائها‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬المنزل،‭ ‬وعبرت‭ ‬للداخل‭ ‬ولم‭ ‬أكترث‭ ‬لأكتشف‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ألقيته‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قنبلة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬انفجرت‭ ‬حينها،‭ ‬وانفجرت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬
لذلك‭ ‬لدي‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬قدري‭ ‬وموتي‭ ‬حينها‭ ‬ربما‭ ‬لسبب‭ ‬ما‭ ‬مثل‭ ‬إطفاء‭ ‬الآبار،‭ ‬وأن‭ ‬عمري‭ ‬مكتوب‭ ‬منذ‭ ‬مولدي‭ ‬عند‭ ‬ربي،‭ ‬ولذلك‭ ‬لماذا‭ ‬أشعر‭ ‬بالخوف‭ ‬وهو‭ ‬قدر‭ ‬مكتوب‭ ‬لا‭ ‬فرار‭ ‬منه،‭ ‬والمطلوب‭ ‬مني‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬والاجتهاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحين‭ ‬القدر‭.‬

كنا‭ ‬نعد‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬الخشب‭ ‬والفحم‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬غاز‭ ‬حتى‭ (‬الصمون‭) ‬افتقدناه‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة

وعن‭ ‬ظروف‭ ‬تفجير‭ ‬آبار‭ ‬النفط‭ ‬الكويتية،‭ ‬قالت‭: ‬كنت‭ ‬أسكن‭ ‬قريبا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الحقول،‭ ‬وفي‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬18‭ ‬فبراير‭ ‬سمعتُ‭ ‬صوت‭ ‬طلقات،‭ ‬خرجتُ‭ ‬لأستوضح‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فرأيت‭ ‬العراقيين‭ ‬يطلقون‭ ‬نارا‭ ‬في‭ ‬الجو‭.. ‬أرسلتُ‭ ‬أخي‭ ‬الصغير‭ ‬ليسألهم‭ ‬فقالوا‭ ‬له‭: ‬خلاص‭ ‬راح‭ ‬نرجع‭ ‬العراق‭. ‬فرحنا‭ ‬وقلنا‭ ‬خوش‭ ‬خبر،‭ ‬ولكن‭ ‬سمعنا‭ ‬صوت‭ ‬انفجار،‭ ‬فالتفتنا‭ ‬نحو‭ ‬الحقول‭ ‬لنجد‭ ‬الدخان‭ ‬الأسود‭ ‬الكثيف‭ ‬يخرج‭ ‬منها،‭ ‬وبعد‭ ‬قليل‭ ‬سمعنا‭ ‬انفجارا‭ ‬آخر‭ ‬وهكذا‭. ‬أخذتُ‭ ‬أمي‭ ‬داخل‭ ‬سيارتي‭ ‬وهربنا‭ ‬من‭ ‬ملاحقة‭ ‬العراقيين،‭ ‬واختبأنا‭ ‬إلى‭ ‬أنْ‭ ‬رحلوا،‭ ‬
كانت‭ ‬الآبار‭ ‬مثل‭ ‬الشمعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬المشتعلة،‭ ‬منظر‭ ‬لم‭ ‬أتخيله‭ ‬أبدا‭.‬
استكملت‭ ‬م‭. ‬سارة‭ ‬المشهد‭ ‬بعد‭ ‬دحر‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬وانسحابها،‭ ‬فقالت‭:‬
كانت‭ ‬فترة‭ ‬عصيبة‭ ‬أولا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬هزيمتهم،‭ ‬حيث‭ ‬الدخان‭ ‬الأسود‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬حرائق‭ ‬آبار‭ ‬النفط‭ ‬يغطي‭ ‬السماء،‭ ‬ويحجب‭ ‬نور‭ ‬الشمس‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬للكهرباء‭ ‬والماء،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬أنستنا‭ ‬فرحة‭ ‬النصر‭ ‬والتحرير‭ ‬المعاناة‭ ‬الناتجة‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬كنا‭ ‬نعد‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬الخشب‭ ‬والفحم‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬غاز،‭ ‬حتى‭ (‬الصمون‭) ‬افتقدناه‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬لأن‭ ‬الأفران‭ ‬كانت‭ ‬تنتج‭ ‬الخبز‭ ‬فقط،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬للصمون‭ ‬استقبال‭ ‬خاص‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬يحضره‭ ‬معهم‭ ‬العائدون‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للموز‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬كان‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬مميزا،‭ ‬حيث‭ ‬استعدنا‭ ‬صورة‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬الأطباق‭ ‬بسيطة‭ ‬ومعدودة‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬إفطار‭ ‬رمضان،‭ ‬والعائلة‭ ‬كلها‭ ‬تجتمع‭ ‬حولها،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬النهار،‭ ‬فكنت‭ ‬أعمل‭ ‬يوميا‭ ‬نحو‭ ‬8‭ – ‬9‭ ‬ساعات‭ ‬مع‭ ‬الفريق‭ ‬الخاص‭ ‬بمسح‭ ‬حقول‭ ‬النفط،‭ ‬وكنت‭ ‬أترأس‭ ‬فريق‭ ‬حقول‭ ‬شمال‭ ‬الكويت‭ ‬لإعداد‭ ‬تقارير‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬الآبار‭ ‬والمنشآت‭ ‬لإعداد‭ ‬الخطط‭ ‬الخاصة‭ ‬بإطفاء‭ ‬الحرائق‭ ‬وإعادة‭ ‬الترميم،‭ ‬وكنا‭ ‬كلنا‭ ‬صائمين،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬جولاتنا‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬قرب‭ ‬إحدى‭ ‬الآبار‭ ‬التي‭ ‬يتفجر‭ ‬منها‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محترقة،‭ ‬وكان‭ ‬معي‭ ‬عبدالرحيم‭ ‬قاسم‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬بإغلاقها،‭ ‬ولم‭ ‬يبال‭ ‬بالنفط‭ ‬الذي‭ ‬يتدفق‭ ‬عليه‭ ‬وغطاه‭ ‬كليا،‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬التفت‭ ‬فوجدت‭ ‬خندقا‭ ‬ترك‭ ‬فيه‭ ‬الجنود‭ ‬العراقيون‭ ‬بعض‭ ‬معدات‭ ‬الحرب‭ ‬الكيماوية‭ ‬ومنها‭ ‬ثياب،‭ ‬فأخذت‭ ‬ثوبا‭ ‬وأعطيته‭ ‬له،‭ ‬ولبسه‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬عودتنا،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بالدوخة،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬قمنا‭ ‬بجولتنا‭ ‬التفقدية‭ ‬المعتادة،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فمن‭ ‬عاش‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬والمشاهد‭ ‬الصادمة‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بالزهو‭.‬

حقل‭ ‬أم‭ ‬قدير‭ ‬وحده‭ ‬كان‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬لغم‭ ‬تحت‭ ‬الأرض

ماذا‭ ‬عن‭ ‬أبرز‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهتك‭ ‬في‭ ‬إطفاء‭ ‬آبار‭ ‬النفط‭ ‬عقب‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬الكويت؟
‏‭- ‬أول‭ ‬ما‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬مساندة‭ ‬الفرق‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬توافدت‭ ‬على‭ ‬الكويت،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬لدينا‭ ‬خطط‭ ‬لكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآبار‭ ‬المحترقة،‭ ‬وشكّلنا‭ ‬4‭ ‬فرق‭ ‬لذلك‭: ‬فريقاً‭ ‬للمنطقة‭ ‬الغربية،‭ ‬وآخر‭ ‬للشمال،‭ ‬وفريقاً‭ ‬لحقل‭ ‬برقان،‭ ‬وفريقاً‭ ‬للأحمدي‭ ‬والمقوع،‭ ‬وكنت‭ ‬أنا‭ ‬رئيسة‭ ‬فريق‭ ‬الشمال،‭ ‬برفقة‭ ‬شابين‭: ‬هما‭ ‬عبدالرحيم‭ ‬قاسم،‭ ‬وعبداللطيف‭ ‬محمود‭. ‬ووقتها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لدينا‭ ‬سيارات‭ ‬وأحضروا‭ ‬لنا‭ ‬41‭ ‬سيارة‭ ‬جيب‭ ‬من‭ ‬السعودية،‭ ‬وعند‭ ‬مسحنا‭ ‬للمنطقة‭ ‬الشمالية‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬الآبار‭ ‬محترقة،‭ ‬وأثناء‭ ‬مسحنا‭ ‬المنطقة‭ ‬اكتشفنا‭ ‬كمّاً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمتفجّرات،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬متفجرات‭ ‬وصواعق‭ ‬وسيفور‭ ‬وديناميت‭ ‬موضوعة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الآبار،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تنفجر‭ ‬بعد،‭ ‬وعملنا‭ ‬على‭ ‬تنظيف‭ ‬المنطقة؛‭ ‬فحقل‭ ‬أم‭ ‬قدير‭ ‬وحده‭ ‬كان‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬لغم‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬كان‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬مخاطرة‭.‬

وكيف‭ ‬كنت‭ ‬تتعاملين‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الخطورة؟
‏‭- ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬الحذر‭ ‬والحرص،‭ ‬ولا‭ ‬ندخل‭ ‬مكاناً‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬التمشيط‭ ‬والفحص‭. ‬ومن‭ ‬الأساليب‭ ‬لذلك،‭ ‬كنا‭ ‬نرسل‭ “‬بلدوزر‭” ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ندخلها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فكان‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬فرق‭ ‬الإطفاء‭ ‬أعضاء‭ ‬فرق‭ ‬سلاح‭ ‬الهندسة‭ ‬بالتجنيد،‭ ‬وكانوا‭ ‬مهيئين‭ ‬للعمل‭ ‬مع‭ ‬مخلّفات‭ ‬الحرب‭.‬

وماذا‭ ‬عن‭ ‬الصعوبات‭ ‬الأخرى؟
‏‭- ‬الأمر‭ ‬الخطر‭ ‬الآخر‭ ‬كان‭ ‬الدخان‭ ‬الكثيف،‭ ‬والغازات‭ ‬السامة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬البلاد؛‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬غاز‭ ‬H2S‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بكمية‭ ‬قليلة‭ ‬يمكن‭ ‬شمّه،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬يُشم،‭ ‬ولكنه‭ ‬قاتل،‭ ‬ولولا‭ ‬تعاون‭ ‬الفريق‭ ‬والعمل‭ ‬بقلب‭ ‬واحد‭ ‬لما‭ ‬استطعنا‭ ‬الإنجاز،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تطفأ‭ ‬البئر‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬محاولة،‭ ‬ونضطر‭ ‬إلى‭ ‬تكرارها،‭ ‬بعزم‭ ‬وإصرار‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬هناك‭ ‬بئر‭ ‬160‭ ‬لم‭ ‬نطفئها‭ ‬إلا‭ ‬بالمحاولة‭ ‬الثالثة‭.‬

أطفأنا‭ ‬البئر‭ ‬الأولى‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬دقيقة‭ ‬ولم‭ ‬نصدق‭ ‬لأن‭ ‬الفرق‭ ‬الأجنبية‭ ‬كانت‭ ‬تستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً

ماذا‭ ‬عن‭ ‬إطفاء‭ ‬أول‭ ‬بئر؟
‏‭- ‬كان‭ ‬لسمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح‭ – ‬رحمه‭ ‬الله‭ – ‬موقف‭ ‬كبير‭ ‬حينها‭ ‬بجعل‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القطاع‭ ‬النفطي‭ ‬الحكومي،‭ ‬فصدر‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬توجيهه‭ ‬السامي‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة،‭ “‬نفط‭ ‬الكويت‭” ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬1991‭ ‬بتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬كويتي‭ ‬للإطفاء،‭ ‬وتعيين‭ ‬بويابس‭ ‬رئيساً‭ ‬للفريق‭. ‬وكانت‭ ‬مهمتي‭ ‬تشكيل‭ ‬فريق‭ ‬كويتي‭ ‬لإطفاء‭ ‬الآبار،‭ ‬وذهبنا‭ ‬مع‭ ‬الراغبين،‭ ‬واتفقنا‭ ‬على‭ ‬العدد‭ ‬والأعضاء‭.‬
كنت‭ ‬ضمن‭ ‬الفريق‭ ‬الكويتي‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬26‭ ‬فردا،‭ ‬وبعد‭ ‬ذهابنا‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬برقان‭ ‬أصبحنا‭ ‬29‭ ‬فردا‭ ‬من‭ “‬نفط‭ ‬الكويت‭”.‬
عندما‭ ‬ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬أم‭ ‬قدير‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حقل‭ ‬ألغام،‭ ‬ولذلك‭ ‬كنا‭ ‬حذرين،‭ ‬فلم‭ ‬نخرج‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬المؤمن‭.. ‬ذهبنا‭ ‬بالسيارة‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬محدد‭ ‬وعدنا‭ ‬منه،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬مرت‭ ‬بسلام‭.‬
كانت‭ ‬النظرة‭ ‬إلينا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬فريق‭ ‬هواة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الفرق‭ ‬الأجنبية‭ ‬تنظر‭ ‬إلينا‭ ‬بجدية،‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬نلقى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التشجيع،‭ ‬وحتى‭ ‬معدات‭ ‬الإطفاء‭ ‬الحديثة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تأتي‭ ‬إلينا،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬الفرق‭ ‬الأجنبية‭. ‬فاضطررنا‭ ‬إلى‭ ‬تصنيع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬والخزانات‭ ‬بأنفسنا،‭ ‬أو‭ ‬إصلاح‭ ‬معدات‭ ‬متوافرة‭ ‬لدى‭ “‬نفط‭ ‬الكويت‭”.‬
وبدأنا‭ ‬بإحدى‭ ‬الآبار‭ ‬في‭ ‬أم‭ ‬قدير‭ ‬كتجربة،‭ ‬باعتبارنا‭ ‬فريقاً‭ ‬مبتدئاً،‭ ‬وكان‭ ‬الأمر‭ ‬تحدياً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭.. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬11‭ ‬و45‭ ‬دقيقة،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬ربع‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬تاريخ‭ ‬14‭ ‬سبتمبر‭ ‬1991،‭ ‬وهو‭ ‬التاريخ‭ ‬الرسمي‭ ‬لبدء‭ ‬عمل‭ ‬الفريق‭ ‬الكويتي‭.‬

كانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬أننا‭ ‬أطفأنا‭ ‬البئر‭ ‬الأولى‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬دقيقة‭ ‬ولم‭ ‬نصدق،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الفرق‭ ‬الأخرى‭ ‬الأجنبية‭ ‬كانت‭ ‬تستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭.‬
لكن‭ ‬ظهرت‭ ‬مشكلة‭ ‬أخرى،‭ ‬فبعد‭ ‬إطفاء‭ ‬النار‭ ‬حل‭ ‬الظلام،‭ ‬وبدأ‭ ‬النفط‭ ‬يتدفق‭ ‬إلى‭ ‬السطح،‭ ‬ومعه‭ ‬الغاز‭ ‬السام‭ ‬جداً‭.. ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتصرّف‭ ‬سريعاً؛‭ ‬لأن‭ ‬استمرار‭ ‬التدفق‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يكوّن‭ ‬بحيرة‭ ‬نفطية،‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬الغازات‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬واسعة‭ ‬وتسبب‭ ‬الاختناقات‭.‬
لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامنا‭ ‬ساعتها‭ ‬إلا‭ ‬إعادة‭ ‬إشعال‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬البئر،‭ ‬لكننا‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬الإطفاء‭ ‬ممكن‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬دقيقة‭ ‬فقط،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلناه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭.‬
كانت‭ ‬عمليات‭ ‬الإطفاء‭ ‬تمر‭ ‬بثلاث‭ ‬مراحل؛‭ ‬تبدأ‭ ‬بإطفاء‭ ‬الحريق،‭ ‬ثم‭ ‬إصلاح‭ ‬الرؤوس‭ ‬المدمرة‭ ‬وتأمينها‭ ‬بشكل‭ ‬سليم،‭ ‬وأخيراً‭ ‬بناء‭ ‬رؤوس‭ ‬الآبار‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬
ومع‭ ‬إطفاء‭ ‬البئر‭ ‬الأولى‭ ‬انكسر‭ ‬الحاجز‭ ‬النفسي،‭ ‬واكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬بالصعوبة‭ ‬التي‭ ‬تخيلناها‭ ‬قبل‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬صورت‭ ‬لنا،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظنا‭ ‬أن‭ ‬المهمة‭ ‬الأولى‭ ‬سارت‭ ‬بسهولة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬تلقينا‭ ‬دفعة‭ ‬معنوية‭ ‬كبيرة‭.‬
وتمكنّا‭ ‬من‭ ‬إطفاء‭ ‬41‭ ‬بئرا‭ ‬خلال‭ ‬45‭ ‬يوما،‭ ‬وكان‭ ‬متوسط‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يستغرقه‭ ‬إطفاء‭ ‬البئر‭ ‬الواحدة‭ ‬25‭ ‬إلى‭ ‬26‭ ‬ساعة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬فريق‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬الفرق‭ ‬الأجنبية‭ ‬المحترفة‭ ‬يطفئ‭ ‬البئر‭ ‬خلال‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭.‬

لم‭ ‬أندم‭ ‬يوما‭ ‬أنني‭ ‬أعطيت‭ ‬وطني‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬ووقتي‭ ‬وجهدي

كيف‭ ‬كنت‭ ‬توفقين‭ ‬بين‭ ‬عملك‭ ‬وبيتك‭ ‬وأسرتك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬المتواصل؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬علاقتك‭ ‬بالمطبخ؟
‏‭- ‬أخرت‭ ‬فكرة‭ ‬الزواج،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬الغزو‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬متزوجة،‭ ‬وبعدها‭ ‬تزوجت‭ ‬وأنجبت‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬ولم‭ ‬أندم‭ ‬يوما‭ ‬أنني‭ ‬أعطيت‭ ‬وطني‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬ووقتي‭ ‬وجهدي،‭ ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬شيف‭ ‬وأعشق‭ ‬الطبخ،‭ ‬ومشهورة‭ ‬بطبخ‭ ‬مجبوس‭ ‬اللحم‭ ‬ومرقة‭ ‬البامية‭.‬

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق