معركة شرسة لـ 4 نساء واجهن خلالها الموت
حكايات سعيدة
مع الـســرطــان
دأبت المعارك وساحات القتال على تجسيد بطولات الرجال واستبسالهم وصمودهم حتى تمكّنهم من قهر أعدائهم؛ إلا أن المعركة مع «القاتل النَهِم» و«الفتَّاك الشرس» مرض السرطان تعكس بطولات نادرة لنساء انتصرن في معركة شرسة واجهن خلالها الموت ببسالة وعزيمة لا تلين، وقدمن طاقة أمل لمئات الآلاف من النساء اللواتي يواجهن المصير ذاته.. «أسرتي» رصدتْ عددًا من تجارب الصمود النسائي في معركة السرطان، وإليكم التفاصيل:
ولاء: تصاحبتُ مع المرض وقلتُ له «لن تهزمني وسأنتصر عليك»
نبدأ مع ولاء زاهر (35 عامًا)، التي بدأت معركتها أثناء حملها في طفلها الثاني.. شعرتْ فجأة بآلام حادة؛ إلا أن طبيب النساء المعالج طمأنها مؤكدًا أن ما تشعر به لا يتعدى الآلام العادية المصاحبة للحمل وأنها ستزول بعد الولادة مباشرة، لكن الآلام استمرت وتزايدت، فتأكدت أن تشخيص الطبيب لم يكن صحيحًا؛ فأجرت عددًا من الأشعة والتحاليل أثبتت إصابتها بـ «سرطان المبيض» وورم في الكبد.
تحكي ولاء رحلتها مع «الفتَّاك الشرس» قائلة:
«لم أكن أعاني من أي متاعب صحية، وأنجبت ابنتي الأولى دون مشاكل، ومع بداية الحمل الثاني شعرتُ بإعياء شديد، لكن الطبيب أخبرني بأنها آلام الحمل، لكن الآلام استمرت بعد الولادة وبدأ وزني ينقص بشكل مرعب، وبعد إجراء الأشعة والتحاليل تلقيت الخبر الصادم بأنني مصابة بالسرطان. أُصِبتُ بصدمة كبيرة واسودت الدنيا في وجهي، وكل ما يشغلني مصير أبنائي لو أصابني مكروه، من سيتكفل برعايتهم».
وتضيف: «دخلتُ في دوامة الأشعة والتحاليل، وثبتْ وجود ورم في المبيض وآخر في الكبد، ولم يكن أمامي سوى إجراء جراحة عاجلة لاستئصال الورم قبل انتشاره في أجزاء جسدي كافة. دخلتُ غرفة العمليات وظللت ما يزيد على الست ساعات تحت تأثير المخدر، وبعد إفاقتي كنتُ سعيدة وقلت: الحمد لله استأصلوا الورم؛ لكنني صدمت حين علمت أنهم خلال العملية اكتشفوا ورمًا كبيرًا في المستقيم اضطروا معه إلى استئصال جزء من القولون وعملوا تحويل مسار بفتحة خارجية في بطني».
وتواصل ولاء سرد ماسآتها مع السرطان قائلة: «الحمد لله خرجت من المستشفى هادئة مطمئنة، وكنت أتلهف لرؤية أولادي، وفي البيت تصاحبت مع الخلايا السرطانية وكنت أحادثها وأقول لها: لن تهزميني، سأنتصر عليك، أبنائي في حاجة إلى رعايتي، ولن أموت وأتركهم فريسة للزمن، سأظل إلى جوارهم أشاهدهم يكبرون أمامي»!
وتابعتْ:
«بعد متابعة مع الطبيب أخبرني بأن الخلايا نشطت من جديد في بعض الأماكن وأنني بحاجة إلى جرعات كيماوية، شعرت برعب شديد وتخيّلت شكلي بعد سقوط شعري؛ لكني تمسكت بالأمل، ولم يتزحزح يقيني في الشفاء، كنت أقترب من ابني وأشتم أنفاسه وأحس أن النفس يقتل الخلايا، وكذلك وأنا أمشط شعر نجلتي كنت أشعر بأنني أنتصر على المرض القاتل».
وعن أكثر من ساندها في محنتها قالت ولاء:
«أختي أكثر من وقف بجانبي، وكاد زوجها يطلقها بسبب تغيبها عن بيتها لرعايتي ورعاية أولادي خلال فترة تعبي؛ خصوصًا أن زوجي يعمل بعيدًا ولا يتواجد في البيت إلا أيامًا قليلة شهريًا، لكن الحمد الله نجحت في قهر السرطان، واستطعت الوقوف على قدمي مرة أخرى».
ووجهت ولاء رسالة إلى من أصبن بالسرطان قائلة:
«لا تخفن من السرطان، واجهنه بقلوب مطمئنة، وستنتصرن عليه حتمًا».
سمر: حققتُ حلمي بارتداء فستان الزفاف وواجهتُ بكاء أهلي بمداعبتهم
ننتقل إلى ساحة معركة أخرى، بطلتها سمر سيد، التي تعافت من السرطان في تجربة ملهمة؛ فهي فتاة لم تكمل عامها الثلاثين، تعمل مدربة سباحة بالنادي الأهلي المصري والجامعة الأمريكية بالقاهرة، هاجمها المرض خلال فترة خطوبتها، فكرتْ كثيرًا قبل أن تخبر خطيبها بالأمر، لكنها كانت واضحة واتخذت قرارها بإخباره بحقيقة مرضها؛ ليصبح صاحب القرار في أن يكمل معها ويساندها في مرضها أو يفر من المعركة مبكرًا ويفسخ الخطبة، وهذا ما حدث للأسف بعد أن أخبرته بالأمر اختفى من حياتها ولم يسأل عنها!
ومع ذلك، وبرغم قسوة الموقف، لم تستسلم سمر.. وتروي قصتها مع سرطان الثدي قائلة:
«عرفتُ أني مصابة بالسرطان بالمصادفة، أعملُ مدربة سباحة ومنظِّمة حفلات، وعملي يتطلب الحركة طوال اليوم. وفي يوم استيقظتُ من النوم وشعرت بألم في صدري، اعتقدت في البداية أنه ربما يكون ناتجًا عن تدريبات السباحة، لكن الألم كان يزداد يومًا بعد يوم؛ فذهبت إلى الطبيب، وبلا مواربة، أخبرني بأنني مصابة بسرطان الثدي».
وأضافت:
«اكتشفتُ أن الورم خبيث، وأنني بحاجة إلى اسئصال الثدي، لكن الأطباء رفضوا الاستئصال؛ خصوصًا أني آنسة لم أتزوج بعد، وقالوا إنه من الأفضل الانتظار لما بعد الزواج. المهم، في هذه الفترة تقدم إلى خطبتي شاب، وحين أخبرته بحقيقة مرضي طلب مهلة لأخذ رأي والدته، ومن يومها خرج ولم يعد».
وواصلت قائلة بمرارة:
«كان نفسي أتزوج مثل كل البنات وأرتدي فستان الفرح الأبيض، لكن الطبيب قال لي ليس هناك حل سوى استئصال الثدي بالكامل، رفضتُ في البداية؛ لكن بعد بحث على الإنترنت عن طبيعة المرض اكتشفتُ أنه لا يوجد حل آخر سوى الموافقة على كلام الأطباء، فتوكلت على الله».
وأضافت:
«بعد العملية واستئصال الثدي بالكامل قررت أن أعيش حياتي وأستمتع بها وأفعل ما يحلو لي؛ ولأني كنت أتمنى الزواج والإحساس بفرحة العروس وهي ترتدي الفستان الأبيض قررت تنظيم حفل زفاف لنفسي واتفقت مع صديقاتي على حضور الحفل، وبالفعل ارتديت فستان الفرح وكانت المشكلة فيمن يلعب دور العريس، وتبرع أبي بلعب الدور، وكان يومًا من أسعد أيام حياتي، والتقطت الصور بفستان الفرح مع أبي وأصدقائي».
وتابعتْ: «بدأتُ جلسات الكيماوي وبدأ شعري يتساقط؛ حتى لم تبق هناك شعرة واحدة، وكنت حزينة جدًا على حالي وأشعر بالحرج الشديد على منظري، وأهدتني إحدى صديقاتي (باروكة).. بعد فترة، تماسكتُ، وفي الوقت الذي كان يبكي فيه أهلي وأصدقائي على حالي كنت أداعبهم وأقول لهم: «هذه ذنوب ربنا بيخلصها مني».
وقالت سمر إن متابعتها لبرنامج الداعية مصطفى حسني على الفضائيات كانت من أكثر الأمور التي أعانتها على مواجهة السرطان: «كنت أشاهد البرنامج قبل ليلة واحدة من بدء جلسات الكيماوي، وكان اسمه «عيش اللحظة»، وفي تلك الحلقة يتحدث عن «لحظة المرض» وكيف ينجح المريض في مواجهة متاعبه وآلامه وكيف يكون المرض ابتلاءً واختبارًا من الله، وأنه فرصة جديدة في حياتك».
إيمان: تعاملت مع مرضي باعتباره «هدية من السماء».. وساندني زوجي للنهاية
السيدة إيمان أحمد (56 سنة)، أخصائية اجتماعية بوزارة التضامن الاجتماعي، فخاضت معركة أخرى مع المرض. بدأت قصتها مع السرطان منذ أكثر من 20 عامًا، وقتها كانت أنجبت ابنتها الوحيدة حينما أخبرها الأطباء بحرمانها من إنجاب المزيد من الأطفال وقرروا استئصال رحمها، سلّمت أمرها لله واستجابت لتعليمات الأطباء، وحين عادت إلى بيتها عقب استئصال رحمها منحتْ زوجها حرية الزواج مرة أخرى لإنجاب مزيد من الأطفال؛ لكنه كان شهمًا معها ورفض الزواج مرة أخرى، وفضّل الوقوف خلفها ومساندتها في محنتها.
وتحكي إيمان بعض تفاصيل معركتها:
«بعد إنجاب ابنتي الوحيدة، وكانت ترضع رضاعة طبيعية، اكتشفت إصابتي بسرطان في الثدي والرحم. ورغم اعتقادي السابق بأن من ترضع أبناءها طبيعيًا يصعب أن تصاب بهذا المرض؛ إلا أن ما حدث حدث، وحمدتُ الله على ما ابتلاني به».
وتضيف:
«واجهت صعوبات كبيرة في بداية مرضي؛ فزوجي كان يعمل ضابطًا في حرس الحدود وكان يغيب عن البيت لفترات طويلة للغاية، وتحمّلت أعباء الأشعة والتحاليل وحدي، ولم أكن خائفة؛ فقد ألهمني المولى سبحانه وتعالى الثبات وتحمل المصيبة، وحينما قرر الأطباء استئصال الرحم والثدي كان كلُّ أهلي منهارين، لكني كنت أقول إن هذا المرض «هدية من السماء». وقتها الطبيب أخبرني بأنني لن أستطيع الإنجاب مرة أخرى؛ لأنه سيستأصل الرحم بالكامل»!
وتابعتْ:
«بعد العملية بدأتُ رحلة الكيماوي، واستيقظت في أحد الأيام لأجد شعري قد سقط بالكامل على الوسادة وأصبحت (صلعاء) بلا شعر، يومها تحدثتُ إلى ربي وقلت: «اللهم إني استودعتك رحمي إلى يوم الدين، وقد تقبّلتُ الابتلاء، وأحمدك ربي أن زوجي من أكبر الداعمين لي»، وبالفعل لقد وقف بجانبي منذ بداية الأزمة، وكان يشجعني دائمًا ويقول لي ممازحًا: شكلك أحلى من غير شعر؛ لدرجة أنه كان يحلق شعره تضامنًا معي، وكان يحافظ على شراء أدوات التجميل الخاصة بي، ورغم أن حماتي طالبته أكثر من مرة بالزواج، وأنا وافقتها على ذلك؛ إلا أنه رفض وتمسّك بي».
بعد رحلة طويلة مع السرطان شفيت إيمان، لكن منذ ما يقرب من عام عاودتها آلام المرض مجددًا؛ انهارت حين علمت أنها ستعود إلى تناول الكيماوي مجددًا، لكن زوجها طمأنها ووقف إلى جوارها حتى تعافت مرة أخرى.
في عيد الأم الماضي طلبتْ إحدى الجمعيات المهتمة بشؤون مرضى السرطان من أبناء المصابات كتابة رسالة إلى أمهاتهن، فكتبت «بسنت» نجلة إيمان الوحيدة رسالة كلها شجن، عبّرت فيها عن المعاناة التي مرت بها والدتها.
حياة إيمان تغيّرت تمامًا بعدما شفيت من المرض، كانت خجولة لا تحب الاحتكاك بالناس والمجتمع؛ فتحولت إلى شخصية اجتماعية تشارك في المناسبات العامة، ونشطت مؤخرًا في مجال التوعية من مخاطر السرطان والتعايش معه.
سُمينة: حين بلغت
16 عامًا استعديت لمواجهة المرض.. وواجهته بصدر رحب
سُمينة الباز فاضت بدورها معركة شرسة مع السرطان، وهي التي أتمت عامها التاسع والثلاثين مؤخرًا. فقد أصيبت بسرطان في العظم وهي في السادسة عشرة من عمرها، ولم يكن هناك بدّ من بتر قدمها حتى يتوقف المرض عن الانتشار في جسدها.
سُمينة تروي تفاصيل رحلة 24 عامًا في أروقة المستشفيات بحثًا عن أمل للهروب من جحيم السرطان قائلة:
«مات خالي متأثرًا بالسرطان، وطوال الوقت كان لدي إحساس بأنني سأصاب بالمرض نفسه.. وحين وصلت إلى السادسة عشرة من عمري شعرت بألم، وبعد فحوصات طبية كثيرة تأكدتْ إصابتي بسرطان في العظم، ولأني كنت مستعدة لمواجهة السرطان واجهت الأمر بصدر رحب، والأطباء كانوا يتعجبون عن سرّ صمودي وثباتي في مواجهة مرض خطير مثل السرطان»!
وأضافت: «أغلب الأطباء أكدوا أن حالتي تحتاج إلى بتر ساقي حتى لا ينتشر المرض في بقية الجسد؛ وهو الأمر الذي رفضته والدتي بقوة، لكنني تقبلتُ الأمر وتأهبت نفسيًا لإجراء الجراحة في أيّ وقت. وبعدها ذهبت إلى مركز لإعادة التأهيل وتعلمت كيفية استخدام الأجهزة التعويضية وكيفية تركيبها في القدم؛ فقد كان بداخلي إحساس رافض بشدة لفكرة جلوسي في البيت بقية عمري، وقررتُ أن أعيش الحياة وأستمتع بها مهما كانت التحديات»!
واختتمت تجربتها قائلة:
«بعد العملية ارتديت بنطلونًا من الجبس لمدة خمسة أشهر، وخضعت لجلسات علاج طبيعي لفترة تخطت خمسة أشهر أخرى، بعدها تعودت على حياتي الجديدة؛ ولأن حلمي طوال عمري كان الالتحاق بالجامعة فقد ذاكرت واجتهدت والتحقت بالجامعة وأنهيت دراستى فيها بتفوق».
القاهرة- دار الإعلام العربية
آدم مهران