مقهى المشاهير و«جواهرجي» الملوك ومقر إفطار أم كلثوم قلب القاهرة النابض.. مقاهٍ ومحال مئوية على قيد الحياة
تزخر القاهرة في شوارعها الفسيحة أو طرقها الضيقة التي لا يكاد يلاحظها أحد بالمقاهي والمحال التي تحكي تاريخا وأحداثاً رحل أصحابها، بينما بقيت هي شاهداً على ما كان. بعض هذه المقاهي والمحال امتد عمرها لما يزيد على مائة عام، يحتفظ بأصالته
لتعيد زوارها عشرات السنوات إلى الوراء.
في الموضوع التالي ننتقل في رحلة قصيرة إلى عدة مقاه ومحال شكلت جزءاً من تاريخ القاهرة وأحداثها السياسية والثقافية كثلاثية نجيب محفوظ وثورة 1919
والعائلة الملكية.
مقهى الفيشاوي
يعد مقهى الفيشاوي، أو كما يعرف في مصر بقهوة الفيشاوي أقدم مقاهي القاهرة وأعرقها، وشهد على عدة عصور، وكان من روادها المشاهير من الأدباء والفنانين والسياسيين وغيرهم. يقع مقهى الفيشاوي في قلب إحدى المناطق الأكثر ازدحاما بالسياح، ويمنحه موقعه الفريد أهمية أخرى إلى جانب تاريخه، فالمقهى في منطقة الحسين بحي خان الخليلي الشهير وقريباً من جامعي الحسين والأزهر.
تروي القصص أن مؤسس المقهى هو الحاج فهمي الفيشاوي، الذي بدأ في تقديم القهوة إلى الزائرين للمنطقة منذ ما يقرب من 245 عاماً. ومع الوقت توسع في عمله، واشترى المحال المجاورة للمنطقة التي كان يعمل بها لتتحول إلى مقهى كبير ذي ثلاث حجرات. يعرف المقهى بطابعه التاريخي، حيث صممت الغرف الثلاث “الباسفور، التحفة والقافية” بخشب الأرابيسك ومطعمة بالأبنوس والمرايا الذهبية. ولدى المقهى قطع فنية مميزة في تصميمها منها على سبيل المثال نجفة ضخمة يرجح البعض أن تاريخها يعود إلى عام 1800.
ولعل من أشهر من ارتادوا المقهى أديب نوبل، نجيب محفوظ، الذي تتردد روايات بأنه كتب جزءا من ثلاثيته أثناء جلوسه على المقهى، إلى جانب المطرب الكبير عبدالحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم والفنان نور الشريف والسياسي عمرو موسى.
توكيل جرائد أثينا
لما يصل إلى 127 عاماً ظل محل توكيل جرائد أثينا في مكانه بشارع عماد الدين في وسط البلد بالقاهرة، يبيع الجرائد والمجلات اليونانية. في الوقت الحاضر أصبح المكان مهجوراً يستكشفه من يمسه الفضول، أو تثيره الكتابة القديمة على واجهته، أو يرغب في معرفة حكاية المبنى الضئيل. تأسس توكيل جرائد أثينا في عام 1895 على يد أحد اليونانيين الذين استقروا في مصر، وكان يعمل على استيراد المجلات الفرنسية والإسبانية الخاصة بالموضة إلى جانب الجرائد والمجلات اليونانية.
بحسب ما تذكر جريدة الوطن المصرية في لقاء مع نيقولا مدوناس، حفيد مؤسس المكتبة، فقد توارثت المكتبة 4 أجيال من العائلة، وكان الأجانب الذين يعيشون في مصر بالماضي يشترون المجلات الأجنبية باستمرار من مكتبتهم. ولكن السنوات لم تبق على حال المكتبة، حيث عانت من الركود ثم التوقف نتيجة عدة عوامل منها العزوف عن شراء هذه المجلات، إلى جانب اللجوء إلى الإنترنت للحصول على مختلف المطبوعات.
منذ الوهلة الأولى تظهر المكتبة انتماءها إلى القرن الماضي، حين كانت الجالية اليونانية في مصر كبيرة، إذ كتبت اللافتة باللغتين العربية واليونانية. وتتبدى المكتبة في ثوب قديم، حيث تعاني من الإهمال بعد توقف نشاطها منذ فترة، كما تمتلئ بالكتب والمجلات اليونانية القديمة.
حلواني سيموندس
في منطقة الزمالك بغرب القاهرة تأسس حلواني سيموندس في عام 1898 أي منذ نحو 124 عاما، وهو من أقدم محال الحلويات في العاصمة المصرية. يعود تأسيس الحلواني إلى الخواجة السويسري اسيموندسب الذي جاء يزور مصر، بحسب الروايات، ثم قرر أن يعيش فيها. وبعد رحيله تسلمت إدارته عائلة من الشام، بحسب ما يذكر موقع دوت مصر، ثم تحولت ملكيته إلى مالك مصري في السنوات الأخيرة.
عرف سيموندس بين سكان حي الزمالك، نظراً لما له من تاريخ، وكونه يقدم المخبوزات الغربية والفرنسية منذ افتتاحه، كما ينسب له البعض كونه أول من أنتج العيش االفينوب وأدخل ماكينة الكابتشينو في مصر.
ارتاد سيموندس عدداً كبيراً من المشاهير، وخاصة أهل الفن، منهم على سبيل المثال، الفنان القدير الراحل محمود مرسي، والمخرج صلاح أبو سيف، ويحكى أن أم كلثوم كانت تتناول فيه الإفطار بشكل متكرر.
مجوهرات بايوكي
رغم حجمه الصغير يمتلك محل مجوهرات بايوكي تاريخا عريقا يمتد لما يزيد على 122 عاماً كان فيها محط أنظار كبار الأسر والمشاهير. يقع مجوهرات بايوكي في شارع عبد الخالق ثروت بوسط البلد بالعاصمة المصرية، وتأسس عام 1900 على يد أبناء الإيطالي باولو بايوكي الذي استقر في مصر منذ عهد الخديوي إسماعيل. وتخصصت أسرة بايوكي منذ مجيئها إلى مصر في تصنيع المجوهرات للعائلة الملكية.
في البداية كان محل المجوهرات في منطقة باب الحديد بالقرب من أحد الفنادق الشهيرة، ولكنهم سرعان ما انتقلوا إلى المقر القائم في الوقت الحاضر. ويمتاز المحل بالحفاظ على التصميم الكلاسيكي الفريد وديكوراته الخشبية المطلية بماء الذهب والكتابات العتيقة على الزجاج.
من أهم المشاهير والشخصيات التاريخية التي صمم لها بايوكي المجوهرات الملكة نازلي والملكة فريدة والأميرة فوزية وملك ألمانيا وكذلك إمبراطورة إيران فرح ديبا إلى جانب سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي كانت تذهب إلى المحل بنفسها.
مقهى كافيه ريش
في ميدان طلعت حرب بمنطقة وسط البلد بالقاهرة يقع مقهى كافيه ريش أحد أشهر وأبرز المقاهي في العاصمة، والذي مرت عليه عدة أحداث محورية أبرزها ثورة 1919 في القرن الماضي، وما زال موجودا منذ نحو 114 عاما. ويعود تاريخ كافيه ريش إلى بداية القرن العشرين، حيث أنشئ على يد أحد رجال الأعمال الألمان عام 1908. فيما بعد أصبح تابعاً لملاك فرنسيين، والذين منحوه الاسم الذي يعني بالفرنسية “المقهى الفاخر” وقيل إن الاسم جاء من أحد المقاهي الباريسية الشهيرة في ذلك العصر، ثم اشتراه أحد التجار اليونانيين، وانتقلت ملكيته إلى رجل مصري في الخمسينيات.
يمتاز مقهى كافيه ريش بطابعه القديم الكلاسيكي، الذي حافظ عليه الملاك على مر السنوات، ويظهر ذاك الطابع منذ الوهلة الأولى بتصميم أبوابه، مروراً بقاعة الجلوس الداخلية، والصور والمقتنيات المعلقة على الحوائط. ارتبط اسم كافيه ريش بثورة 1919 إلى حد بعيد، حيث تذكر الروايات أن المقهى ساهم في طباعة المنشورات الوطنية أثناء الثورة في القبو الخاص بالمقهى.
ضم مقهى كافيه ريش خلال بدايات القرن العشرين رواد الحركة المسرحية في مصر من أمثال عزيز عيد وفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف، وكان مقرا لصالون الأديب العالمي نجيب محفوظ، وعقدت في أروقته ندوات عباس العقاد وتوفيق الحكيم، وارتاده باستمرار الشاعر أمل دنقل.
«أسرتي» في كل مكان
مصر- داليا شافعي