منتجاتها تصميمات تراثية يدوية بلمسات عصرية عبير جداوي: مشروع «بدّارة».. حلم بدأ في إيطاليا وتحقق في الواحات
عبير جداوي اسم يجب التوقف عنده كثيرًا، فهي حدوتة مصرية لا تقل في أهميتها عن حواديت سيدات مكافحات استطعن أن يحققن أحلامهن، وأن يكن مصدرًا لفتح أبواب رزق لعشرات الأسر، والأهم أن يضفن بصمة واضحة في حياة من حولهن.
عبير هي مؤسسة “مشروع بدارة للمشغولات اليدوية والتراثية” الصديقة للبيئة، حيث تستخدم فيها المخلفات الزراعية، وتحديدًا النخيل كخامة أساسية لتطوير تلك المنتجات وإضفاء اللمسات العصرية الحديثة عليها.
وتقول جداوي إن مشروعها يتماشى مع مجريات العصر، فالعالم كله حاليًا يتجه باتجاه ترسيخ فكرة التنمية المستدامة، والعمل على الخامات البيئية، والحد من استخدام البلاستيك، وتضيف: “طبعًا إحنا بنشتغل على ده واقعيًا وفعليًا، احنا بنشتغل على الخامات المحلية، وكل الخامات التي نستخدمها غير ضارة بالبيئة، بل وتوفر عائدا كبيرا على الناس”.
وتعزو جداوي سر تسمية مشروعها بـ”بدارة” إلى دلالة ذلك الاسم المليء بالفرح والتفاؤل في منطقة الواحات مسقط رأسها، فهو الاسم الذي يُطلق على سلال الخوص البديعة التي تستخدم هناك في نقل جهاز العروس إلى منزل الزوجية، وغالبًا ما تكون أجمل ما في المكان،
لذا تعتبر جداوي أن منتجات “بدارة” تحمل بين طياتها طاقة الفرح والتفاؤل، وتنقلها معها أينما وجدت.
وتقول جداوي: “أنا اتولدت في الواحات في مدينة الخارجة، وعشت فيها حتى أنهيت دراستي الثانوية هناك، ومن ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث التحقت بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، مشيرة إلى أنها كانت من المحظوظين كونها حصلت على منحة دراسية بمعهد “فلاسيوس فانيلى ” في مدينة فلورنسا بإيطاليا.
كانت الدراسة التي تلقتها هناك متخصصة في علاقة الصناعات اليدوية بالسياحة وكيفية الربط بينهما، وقالت: “طبعًا احنا درسنا هناك كيفية الربط بين ثقافات المدن المختلفة وبين المنتجات اليدوية الخاصة بكل منهم والتي تكون بمنزلة سفير لها في العالم بأسره، فالسائحون عادة ما يقتنون المنتجات اليدوية أو الصور الخاصة بالمدن التي يزورونها سواء كذكرى لهم بالمكان أو كهدايا للأسرة والأصدقاء”.
وتشير إلى أن تلك التجربة كانت بمنزلة “نقلة كبيرة في حياتي” إذ لم يتوقف حلمها عند توفير هدية يشتريها السائح، بل كان الحلم أكبر من ذلك بكثير “أنا لما رجعت من هناك، كان حلمي أني أغير قرية”، ولم لا وهي من أبناء منطقة الواحات الخصبة التي تحمل كل مقومات السياحة التي يمكن أن تصل بها إلى العالمية، وأن تكون المكان الأمثل لتحقيق الحلم، وقد كان.
بدأت جداوي في تدريب عدد قليل من سيدات الواحات وهن مشهورات بالأعمال اليدوية وتحديدًا أعمال الخوص
بدأت جداوي في تدريب عدد قليل من سيدات الواحات وهن مشهورات بالأعمال اليدوية، وتحديدًا أعمال الخوص وذلك قبل أن تنتقل إلى القاهرة، وبعدها قررت أن تبدأ بتدريب ثماني سيدات من قرية دهشور كن النواة الأساسية لبداية مشروع بدارة. وأضافت أنها “زرعت فيهن كل ما تعلمته خلال السنوات الماضية” وربطت بين تراث القريتين من خلال أعمال يدوية تجمع بين سلال الخوص التي تصنع في الواحات، وتُطَرَّز يدويًا في دهشور لتخرج علينا بقطع فنية فريدة تعكس تراث تلك المنطقة الثرية.
نقطة تحول طرقت أبواب «بدارة» حين ساعدتها «مبادرة إبداع من مصر» في تسويق منتجاتها
لقد استطاعت جداوي أن تحقق الحلم، وأن تُحدث تغييرات ملموسة في حياة سيدات المنطقة اللاتي لم يعتدن العمل، حيث رأت ما لم تره نساء دهشور في أنفسهن من مواهب ربانية وقدرات إبداعية لم تكن بحاجة إلا لبعض التدريبات التي وفرتها لهن، فمنحتهن الثقة والفرصة للعمل والكسب الشريف.
ووصفت جداوي السيدات، وقالت “ستات بسيطة عاوزة تعمل حاجة لنفسها ولولادها” فكان مشروع “بدارة” بمنزلة طوق النجاة لحفيدات الفراعنة “الشطار” على حد قولها، حيث يمكنهن العمل وتحقيق حياة كريمة لأسرهن.
ومع الوقت تطور المشروع، وزادت خطوط الإنتاج لتشمل حقائب من الخوص المطرز برسومات تراثية ملونة ولافتة يمكنك أن تراها الآن في أغلى شواطئ الساحل الشمالي، وحافظات جلدية للنقود، وحقائب للمكياج، وسجاد الكليم اليدوي، ومفارش الطاولات، وسلال حلفة، إلى جانب الشالات والجلابيات القطنية الأنيقة المطرزة برسومات تعكس طبيعة تلك المنطقة.
ومن أبرز التحديات التي واجهت مشروع ”بدارة” هو تنفيذ سبعة آلاف حقيبة يدوية خلال شهر واحد فقط، وذلك حين أسندت لها وزارة البيئة المصرية المهمة، وذلك لتوزيعها خلال مؤتمر عالمي أقامته الوزارة آنذاك، وقالت “كان تحدياً كبيراً لسيدات الواحات ودهشور بس هما كانوا على قدر المسؤولية”.
ويشارك مشروع “بدارة” في الكثير من المعارض، ويتم البيع من خلال موقعهم الرسمي على الانستجرام.
نقطة تحول طرقت أبواب “بدارة” حين ساعدتها “مبادرة إبداع من مصر” في تسويق منتجات المشروع، تمتن للفرصة التي منحوها إياها، بينما تثمن عمل السيدات “هما فرحانين بنفسهم جدًا؛ لأنهم قدروا يعملوا حاجة”، لذا حين ينتهين من إتمام كل مشروع “لازم نطلع رحلة كلنا عشان نتبسط”، ليعدن بنشاط لمشروع جديد وبذهن صاف، فتتمنى الجداوي أن يلف مشروعها كل محافظات مصر “ويبقى مشروع يجمع تراث كل بلد في أعمال يدوية”.