من أرشيف مجلة أسرتي سلسلة مقالات أسرية
عزيزتي غنيمة
بقلـم: غنيمـة فهـد المـرزوق (رحمها الله)
هو صاحب المشكلة
أكتب لك هذه الرسالة وأنا في حيرة من أمري ولا أدري ماذا سأفعل.. وسوف أسرد لك مشكلتي:
أنا طالبة في السابعة عشرة من العمر، في الصف الثاني الثانوي ومشكلتي هي الأولى من نوعها، مشكلتي مع أمي وأخي.
بدأت المشكلة منذ أن أنهيت المرحلة المتوسطة وفي بداية الثانوية، منزلنا في الرميثية وأنا من عائلة كويتية كريمة وحالة والدي في العمل ممتازة.
بدأ الخلاف مع أخي بدون سبب. والله يا أختي لا يوجد أي سبب ولا أذكر يومًا أنني أسأت له، لكنه إذا دخل المنزل نهرني وسبني وإذا طلع فعل نفس الشيء.. إنه يكبرني بـ 5 أعوام أمرني بلبس العباءة مع أني ظللت بدونها طوال المرحلة المتوسطة، أطعته في جميع الأوامر إلا شيئا واحدا هو لبس العباءة، لبستها في السوق والزيارات لكنني أبيت لبسها في المدرسة، وأعتقد أني أطعته خوفا منه، فأخذ يزيد من الاستهزاء بي، ودائما يردد على مسمعي هذه العبارة، في الصباح وكلما أوصلني إلى المدرسة يقول لي «انت بلوة في الدنيا لو تموتين أريح لي من كل يوم أوصلك الى المدرسة».
تغلبت على مشكلة التوصيل، فأصبحت أذهب الى المدرسة في الباص، وأحضر في الباص، لكن المشكلة لم تحل بعد.. يا سيدتي بالله العظيم أني لا أذكر أني أسأت لهما بشيء.. حاولت مرارا أن أجلس مع والدتي لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة، وكلما حاولت أن أكلمها صرخت في وجهي قائلة: «روحي من ويهي».. كل هذا بدون سبب، لا أعرف أنني أخطأت يوما، فكل شيء أحاول أن أفعله دون أن أترك المجال لأحد يهينني بكلمة جارحة.
استشرات المشرفة الاجتماعية في المدرسة، وطلبت مني أن أحاول أكلم والدتي عندما تكون بحالة غير عصبية أو تعبة، وعملت بنصائح الجميع ولكن الجواب كان كالعادة «امشي وروحي من ويهي ما أبي أشوفك».. نفس النغمة ونفس الاسطوانة، إنني أتعذب كثيرا، وأتمنى أن تنشق الأرض وتبلعني، وإذا كنا نجلس على مائدة الطعام، وحضرت وأخي جالس، أو حضر أخي وأنا جالسة قال لي «قومي من هني خليني آكل وبعدين تعالي انتي كلي»!
ماذا أفعل؟! أتمنى أن أتخلص من الحياة وأريحهم مني لولا أن الانتحار يودي بصاحبه إلى النار، حاول مرارا أن يصفعني على وجهي ونجح مرة فكنت أهرب الى حجرتي.. أبكي عل البكاء يريحني، قررت ترك المدرسة والبقاء في المنزل لعل المشكلة تحل، لكنني وصلت الى درجة كبيرة من التعلم، وأخاف أن يتحقق له ما يريد ويفعل كل ما وعد بأن يجعلني مثل الخدامين، ولكنني إذا انتهيت من التعليم أستطيع أن أكفي نفسي الحاجة، ونصحتني صديقتي بأن أجاهد حتى لو أدى الأمر الى محاربته في سبيل عدم ترك المدرسة، صبرت كثيرا، صبرت سنتين متواصلتين.. فكيف أصبر بعد ذلك؟ لا أستطيع الصبر.. كلما زاد صبري زاد عذابي وتكبر مع الأيام المشكلة وتزداد تعقيدا وقسوة، وأخي يزداد إساءة في معاملتي وأمي نفس الشيء..أختي الكبيرة في المنزل تحس بآلامي وتحاول مساعدتي لأنها أيضا تجد الجفاء لكن ليس مثلي، تصوري أن أخي يقول «أنا عندي أخت وحدة» أخي في المنزل يفرض السلطة على الجميع لكن يزداد كرهًا لي.. أنا حائرة في أمري.. هل أترك المدرسة؟! هل أنتحر؟!
المعذبة ن.ب.م.
أتصور أن العقدة بينك وبين أخيك تكمن في أنه يكبرك بخمس سنوات وأنت تلاحقينه في الدراسة، وهو يشعر بهذه المطاردة ويخافها، وهو يتمنى لو يوقفها، ولكنه يتبع أسلوبا عاجزا إزاء هذا الوضع، فبدلا من تركيز طاقاته لينجح في الدراسة حتى لا تقفزي إلى صفه بل وربما تسبقينه كما يتوقع، فإنه يحاول أن يزيحك أنت بكل ما تمثلينه من رعب بالنسبة له.
الحقيقة أنك لست صاحبة المشكلة، بل هو صاحب المشكلة الحقيقي، فأنت ومهما كانت ظروفك أثبت أنك تستطيعين النجاح رغم كل شيء، والنجاح في النهاية يعني الاستقلال بشخصيتك وعملك ثم فرض احترامك على الجميع بما فيهم هو.. ولذا فمهما طالت آلامك، فهي لن تستمر أطول مما استمرت، وما هو مطلوب منك احتماله أقل بكثير مما تحملت فعلا، فعام والثاني، وبعد ذلك الجامعة ثم العمل.. أي أنه بقي أمامك القليل، أما هو ففي حاجة منك إلى فهم أكثر وربما إلى عطف أكثر.
وعليه أن يعلم أنك لن تموتي ولو تمنى ذلك، وانه لن يسد أمامك المستقبل بإهاناته، وان رسوبك لن يعني نجاحه.. عليه أن يفكر في الطريق الذي يسير به نحو النجاح لا أن يسد طريق النجاح على الآخرين، لو نظر إليك بعين تحمل الحب والتقدير، لو شعر بأنه إنسان قوي وغير ضعيف، وبأنه قادر على النجاح أكثر من قدرته على الخوف المرضي من نجاح الآخرين، إذن لانحلت العقدة، وازدادت ثقته بنجاحه الذاتي وقوته الذاتية، ولتلاشي خوفه منك ومن نظرة المقارنة بينك وبينه، تلك النظرة التي تؤرقه وتصيب تفكيره وتصرفاته بالخلل.
تعلمي كيف تعطفي عليه وحاولي أن تمنحيه الثقة بنفسه، أما أمك فهي تشعر غريزيا بالمشكلة.. وككل أم تقف الى جانب الضعيف من أبنائها.. وهو الضعيف بلا شك.
عام 1971