تحقيقات

هبـة الشـرفـا.. أول معلمة من مصابي متلازمة داون

جميل أن تحقق ذاتك وانت ما زلت في سن صغيرة نسبيا، والأجمل ان تعمل في المهنة التي تعلقت بها منذ طفولتك، وأن تمنح العلم والفائدة وفوقها الابتسامة لمن يحتاج إليها أكثر من غيرها، وقتها فقط ستشعر بأنك امتلكت العالم وأن الدنيا بأكملها قد دانت لك.

تمضي الشابة هبة الشرفا وبعمر لا يتجاوز السادسة والعشرين، ساعات عملها والفرح والسرور يسري في جسدها كالدماء، تقف على الأرض لكن روحها تحلق في السماء، وتزداد مشاعرها توهجاً كلما لمحت نظرة الرضا في عيون طلابها الصغار.

طلابها يحملون نفس حالتها الخاصة، ويحتاجون إلى رعاية مختلفة، وقد يصعب على البعض التعامل معهم، لكن هذا ما لا تواجهه هبة التي تعمل معهم منذ سنوات، بسهولة ويسر واستمتاع.

 

 

في جمعية الحق في الحياة، تجد هبة ذاتها، هناك حيث تعمل مدرسة لصف كل طلابه من أصحاب متلازمة داون، لتكون أول فتاة مصابة بمتلازمة داون وتعمل معلمة بمؤسسة تعنى برعاية وتأهيل مصابي متلازمة داون في قطاع غزة.

 

لن تشك للحظة أن من تقوم بالتدريس، تعاني من أي مشاكل صحية، فوقوفها شامخة بكل ثقة يعكس قناعتها بما تقدمه، وما تحمله من علم ورسالة تؤديها عن طيب خاطر لطلابها.

 

تواصل عملها يومياً بهمة لا تنقطع، وتكون أول الحاضرين إلى الصف الدراسي من فرط شغفها بعملها الذي حقق لها حلمها وطموحها، فالمرض لم يعد عائقاً أمام أمنياتها الكبيرة، بتعليمهم مادة اللغة العربية للصفين الأول والثاني الأساسيين.

 

مع صغارها تحاول أن تجعل المعلومة بحجم إدراكهم، وأن اضطرها الأمر إلى تحويل قاعة الدرس إلى ملعب صغير، يضج بالحركة والتفاعل، ومع تعالي الضحكات يزداد التفاعل، وتصل المعلومة إلى الجميع حتى اولئك أصحاب التحصيل العلمي الضعيف.

 

هبة التي كانت يوماً ما طالبة في جمعية الحق في الحياة، حيث التحقت بعمر أربع سنوات فقط، وقتما كانت تعاني من مشاكل في الأكل وتدهور في صحتها نتيجة حالة نفسية، بدأت تعود إلى الحياة تدريجياً وتلتزم في دروسها أكثر، وانتظم أكلها، وتحسنت نفسيتها كثيراً.

 

وحول هذا تقول والدتها: «حياة هبة قبل التحاقها بالجمعية كانت سيئة وبعد التحاقها أصبحت شيئاً آخر، فقد كنت أحاول أنا ووالدها واخوتها أن نعاملها بشكل جيد، ولكن يبدو كانت تنقصنا الخبرة، وفور دخولها الجمعية بدأت حالتها تتغير ونفسيتها تتحسن».

 

وتضيف والدتها: «من أول يوم لها كان واضحاً أن هبة التي تعاني هذه المتلازمة تمتلك استيعاباً سريعاً، وفهماً كبيراً، وقدرة متميزة في الحفظ، وهذه أهلها بكل سهولة لمتابعة دراستها دون أي مشاكل، حتى وصلت إلى أن تصبح أول معلمة من مصابي متلازمة داون.

 

وإلى جانب دور المدرسة حاولنا أن نكون خير سند لها، فحصلنا على كتب بلغات أجنبية توضح طريقة التعامل مع مصابي هذه المتلازمة، وترجمناها، وبدأنا تطبيقها، ومع رغبة هبة في التطور كان الأمر سهلاً إلى حد ما، فقد حاولنا ما باستطاعتنا، ونحن اليوم فخورون جداً بما وصلت إليه، ونعتبره نجاحاً شخصياً لنا ولها أيضاً.

 

هبة التي كانت تشارك في الإذاعات المدرسية وتلقي القصائد، كانت أيضاً متفوقة في الرياضيات تجمع وتطرح وتستطيع التحدث بسلاسة مع الناس، ما يكسبها أصدقاء جددا كل يوم.

 

خضعت هبة لتدريب وتأهيل منهج ومدروس داخل الجمعية، وفقاً للمدير التنفيذي لجمعية الحق في الحياة أحمد الحلو، مرت من برنامج التدخل المبكر ورياض الأطفال والتربية الخاصة إلى التأهيل المهني، حيث باتت أكثر قدرة على الاعتماد على نفسها في أغلب مناحي حياتها، ولم يعد ما تعانيه يشكل أي عائق أمامها في الاستقلالية الكاملة، كإنسانة عادية إلا في بعض التفاصيل الصغيرة.

 

ويلفت الحلو إلى أن اهتمام عائلة هبة بحالتها ومتابعتهم الدائمة لها، ساعد كثيراً في تحسن حالتها، وزيادة حصتها الاستيعابية من الدروس، مع الأخذ بالاعتبار أن حالة هبة كانت خفيفة، فقدرتها على النطق والكلام بالإضافة إلى قدراتها الذهنية والحركية كانت جيدة إلى كبير مقارنة بأقرانها من أصحاب متلازمة داون.

 

ويشير الحلو إلى أن إدارة الجمعية لم تكن لتختار هبة لتتحمل مسؤولية مرحلة عمرية مهمة كالصفين الأول والثاني الأساسي، لو لم تكن على قدر هذه المسؤولية، فهبة لديها المقدرة على السيطرة وضبط الصف المدرسي، والإدارة مقتنعة بأن هبة معلمة محترفة، وهذا يعزز ثقة الجمعية في برنامجها الذي خضعت له هبة شخصياً في وقت سابق.

 

فلسطين – عبدالله عمر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق