يرى أن غزو الكويت.. فيه مكسب وخسارة! عبد العزيز التميمي: محنة الغزو «المصفاة» التي صفّت الوطن العربي!
هو رجل يعكس وجه الكويت بأجمل ملامح.. هو أكثر من مجرد فنان تشكيلي.. وأبعد من مجرد كاتب.. هو تاريخ متحرك من الفن والثقافة والإعلام والوطنية يحكي لنا وللأجيال الجديدة كيف أن الكويت لديها أهلها الطيبون المتمسكون بكل إصرار بالعروبة والفن والجمال والإبداع.. حديثه يطمئننا على العروبة فمازالت باقية رغم كل التغييرات الحادة.. عاشق لمصر.. ومنتم لوطنه وديرته كل الانتماء.. هو الكاتب والفنان عبد العزيز التميمي الذي كان لنا معه هذا اللقاء:
عندما قابلت عبدالحليم حافظ غنّيت له!
مدرستك الفنية في الفن التشكيلي «التأثيرية» أو «الانطباعية» ((Impressionism.. حدّثنا عن سبب اختيارك لها.
نعم.. اخترت هذه المدرسة الفنية الكبيرة.. لأنها تعكس ما في داخل الفنان من “تأثر” بالمنظر أو الموقف الذي أمامه أو قد اختبره.. وأدين لأساتذتنا الذين علمونا هذه المدرسة الفنية، بل الفن كله، وأسسوا للحركة الفنية في العالم العربي ومنهم حسني البناني ومحمود هاني الشربيني الذي درّسني تربية فنية في مدرستي “الجهراء المشتركة” وقد كان آخر شخص قابلته بمصر في وسط البلد، وقد وصلت إليه بعد عناء سنوات بحثاً عنه! وعندما شاهدته قبّلت يده وآخرون مثل د.حامد صقر ود.عبدالعزيز درويش ود.الفنان سامح البناني ود.عبدالهادي الجزار والاستاذ مدحت ديب رحمة الله عليهم جميعًا.. ولكننا لا نحيد أو هكذا ينبغي عن القوانين الفنية مثل الشعر الأصيل والموسيقى الأصيلة لا يمكن الخروج عن أصولها وقوانينها.
كذلك – ككاتب – تتلمذت على أيدي عمالقة الصحافة التي جاءت وخدمت الكويت صحافيا مثل الأستاذ محمد مرعي منذ الستينيات، فهؤلاء أدين لهم بالكثير لأنهم علّموني الجرأة والقدرة على المخاطبة والتواصل الشخصي، فامتلكت القدرة والجرأة على المقابلات حتى لأعظم الشخصيات مثل عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وأنيس منصور وإحسان عبد القدوس وغيرهم.. والآن على علاقة مع كثيرين من الأحياء منهم ومنهم الكاتب الكبير محمد سلماوي!
وماذا حدث بينك وبين عبد الحليم حافظ عندما قابلته؟
- ذهبت إليه في الفيلا التي يسكنها بالمهندسين وعندما شاهدني غنيت له!
وماذا عن زيارتك لفريد الأطرش؟
- ذهبنا مجموعة من الأصدقاء إلى بيته، فقط كي نحصل على توقيع “أوتوغراف” منه.. وعند الباب فوجئنا به شخصياً يدعونا للدخول وجلس معنا وأعطانا من وقته، بل دعانا إلى الغداء معه!
كنت الخليجي الوحيد الذي شارك في معرض «آرت أند ديكو» في القاهرة حيث تم اختيار لوحة لك وبحضور ومشاركة عدد كبير من أبرز الفنانين التشكيليين العرب والعالميين.. فماذا عن تلك التجربة المتميزة لك؟
- في مصر وفي ظل حالة التقارب الجميل بيني وبين الشعب المصري، حيث من خصال الشعب المصري رد الجميل والمعروف، وعندما وجد عندي موقفا إيجابيا تجاهه، كان يتم ترشيحي للمشاركة في الفعاليات الفنية التشكيلية ولكن طبعا بمقاييس فنية في هذا المجال. وقد دعيت إلى هذا المعرض، وكانت اللوحة المشاركة بعنوان “ربيع الكويت”، وهو فترة قصير في المناخ السنوي للكويت. وكانت اللوحة تعكس الجمال في الطبيعة بعناصرها الخلابة من المرتفعات والسهول. وبعد عرضها بالمعرض، هاتفتني الأستاذة فريدة درويش المسؤولة عن قاعة العرض لتخبرني أن اللوحة قد بيعت. وما كان مني سوى التبرع بثمنها للمؤسسات الخيرية بمصر.
ولا أنسى أبداً دعم وفضل كل من الدكتورة كاميليا صبحي رئيس الإعلام الخارجي بوزارة الثقافة التي ذللت أمامي كل المصاعب، وكذلك السيد سالم الزمانان فضله عليّ لا ينسى.. ولا أنسى الدكتور بدر فيصل الدويش الذي تحمل أعباء الإقامة المجانية لي في مصر من جيبه الخاص. وقبل كل هؤلاء الدكتورة الشيخة سعاد الصباح لأنها احتضنتني فنيا وقدمت لي الدعم الكامل في إقامة معارضي أو ورشي الفنية بمصر ودعم فنانين شباب، فيدها بيضاء وهي الجندي المجهول في هذا الموضوع.
وقد كان أسلوبي في رد الجميل لمصر، إقامة معارض فنية لصالح صندوق تحيا مصر ومستشفى سرطان الأطفال (57357) ومستشفى الأورام بالمنصورة بمشاركة دعم فناني مصر، وكذلك ورش فنية كثيرة آخرها كان منذ ثلاثة أعوام في نادي القاهرة بعنوان: صرخة لأجل النيل، والهدف هو الرد على تعنت إثيوبيا في مشكلة “سد النهضة”، وقد كتب عن هذه الورشة الفنية الكاتب خالد منتصر موجها رسالة إلى وزيرة الثقافة الحالية السيدة ايناس عبد الدايم.
لقد وجدت 100 مليون مصري كلهم معي في تنقلي وأنشطتي وظروفي المتغيرة وأحياناً الصعبة! فلا أنسى – مثلا – المخرج والفنان المبدع أيمن عبّيس ترك لي بيته وأقام عند والدته لأقيم عنده وليترك لي الحرية الكاملة! بل تلفوني المصري باسم أيمن عبيس.. فرقم تلفوني في الكويت “مصري”!
فزت بجائزة الإبداع الصحافي في مجال الصورة الفوتوغرافية الصحفية عام 1993 عن صورة «البعض يرى الكويت مثل هذه الناقة الحزينة» من وكالة الأنباء الكويتية (كونا).. فما حكاية هذه الصورة والجائزة؟
- كل الوطن العربي “ناقة”.. نتعرض للاستغلال والانتهازية والمصالح التي تستنزفنا! وقد اتضح وقت الغزو العراقي للكويت من هم الأصدقاء الحقيقيون للكويت ومن هم المستغلون الانتهازيون!
«يد تمتد نحوي..
كيدٍ مُدّت لغريق».. وجدتها بمصر!
يبدو أن حضرتك مفتون بالمكان.. كفنان وكاتب.. فكتبت عن ميدان طلعت حرب وجروبي في القاهرة والجهراء في الكويت وغيرها من الأماكن.. فماذا يعني لك المكان؟
- فيما يخص المكان، فمصر ليست فقط مكاناً .. هي بلد لها 50% من الحب والناس لهم 50% من الحب! واذا مزجنا هذا الحب بأربعين عاماً أو التجربة الحياتية مع مصر نستخلص تاريخ تكوين “عبد العزيز التميمي”! “لي ذكريات في إمبابة وترعة السواحل بالكيت كات والزمالك وأبو الفدا وأماكن كثيرة بمصر.. هناك، إن مالت بك المياه ألف يد تمتد إليك لتنقذك!” “ويد تمتد نحوي.. كيد مُدّت لغريق” وجدتها بمصر! في شهر رمضان وقت حرب 73 لم يتركني الجيران أن أفطر وحدي!
وقت غزو الكويت لجأت إلى البحرين أولأ..
وهناك دمعت عيناي!
وعلى ذكر المكان، نعود إلى مسقط رأسك ووطنك الأول وحبك الأول والأخير «الكويت».. وهي مازالت تعاني من «جرح الغزو» العراقي.. فماذا تبقى في ذاكرة عبد العزيز التميمي من هذا الجرح؟
- الغزو عندي فيه مكسب وخسارة! ففي وقت الغزو لجأت إلى الراحل الشيخ عيسى بن راشد رحمه الله كان وزيرا للشباب بمملكة البحرين الحبيبة، وقد وجدنا الرحابة والكرم من الجميع ابتداءً من الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله أمير البحرين آنذاك.. وعلاقتي تبدأ هناك بسموه وتنتهي بآخر واحد من البحرين، هناك عندما دخلت البحرين دمعت عيناي! صحيح أنا بين أهلي وناسي وإخواني، ولكن كل شيء ضاع مني! فقال لي الشيخ عيسى بن راشد: “لا يضيق خلقك يا عزيز! رب ضارة نافعة!”
هذه الجملة لم افهمها إلا بعد التحرير! فالغزو كشف المعادن.. معادن الناس والشعوب! فلما اخواننا في مصر ذ مثلا ذ حفظوا “العيش والملح” معنا وقت المحنة؟! فلا يجوز علينا اليوم أن ننكر فضل مصر من وقفت معنا في المحنة ونؤيد من وقف ضدنا آنذاك! فمصر ودول مجلس التعاون ودول أخرى يجيب أن نضعها “فوق الرأس”! وما يحدث حاليا من البعض لا يعبّر ابدا عن الوطنية، فلقد تربينا على مبدأ:
”بِلادُ العُرْبِ أَوْطَانِي
جَمِيعُ النَّاسِ فِي الإسلام إخْوَاني
وَلا أحدٌ يُفرِّقُنَا ولا نسَبٌ يُباعِدُنا”
لقد كانت محنة الغزو هي “المصفاة” التي صفّت الوطن العربي!
اشتركت في المقاومة الكويتية بقيادة العقيد عبد الله معيوف الذي قاد وأسّس المقاومة في كيفان
وبالطبع.. كان «جرح الغزو» سبباً لإلهام الفنان عبد العزيز التميمي.
يوم الغزو لم أستطع أن أرسم أو اكتب.. وعند رحيلي إلى البحرين درست التربية الفنية بمدرسة “إعدادية حمد” لخدمة بلدي، وقد جاءني زملاء إعلاميون منهم محمد اسماعيل وناصر محمد احتضنوني وأخذوني إلى جريدة “الأيام” البحرينية، ولكني وجدت يدي مشلولة والكلمات لا تجد طريقها إليّ! لأني من القوميين العرب، فكيف يغدر العربي بالعربيّ؟! وكيف أكتب عن بلد شقيق غدر بي!
الإخوان في الجريدة عرفوا ذلك عني، فأجروا معي حديثاً صحافياً وتكلمت فيه عن المقاومة الكويتية التي اشتركت فيها بقيادة العقيد عبد الله معيوف الذي قاد وأسس المقاومة الكويتية في كيفان، وكان مركزنا مخفر كيفان، وفي البداية التقيت بالمقدم فيصل الصولة ضابط بالجيش الكويتي، حيث كانت كيفان أول مدينة تستقبل المقاومة من أبناء الجيش الكويتي، وقد استقبلناهم بعلم جاسم الأسير والشهيد ابن الأستاذة مريم عبد الملك وهي أول مدرسة كويتية.. أعطيناهم “دشاديشنا” وبدلوا ملابسهم العسكرية ودعمناهم..
في عمق المحنة لم أستطع الإبداع في البحرين، ولكن استطعت إخراج بعص الصور الفوتوغرافية عن الغزو من البحرين إلى الأردن إلى مصر، حيث هناك طبعنا هذه الصور واستخدمنا الأفلام التي قمنا بتهريبها من الكويت. وهنا، انطلق الفكر وعادت الروح إلى إبداعي فعملت في المركز الاعلامي الكويتي كمصور وكاتب وفنان تحت قيادة رئيس المركز الراحل حمد الرومي مع خليل ابراهيم وخالد المضف ونجيب الوقيان والراحل العبد الهادي وعبد العزيز سريع وشادي الخليج.. جميعهم كانوا موجودين بالمركز الاعلامي بمصر. وهناك قادتني الشيخة مريم سعد العبد الله إلى مرسم بشارع عماد الدين وهناك رسمت أربع لوحات عن الغزو، وكلها تتحدث عن “أم الشهيد”، وقد أخذتها فيما بعد الشيخة مريم.. في تلك اللوحات عبرت عن لوعة وألم أم الشهيد التي شاهدت بعينيها مقتل ابنها أمامها الطفل علي إبراهيم الريحان (أقل من 15 عاماً) عندما قتلته القوات العراقية لأنه أصر على عدم إنزال العلم الكويتي من فوق سطح المنزل، وقد استخدمت فيها المدرسة التأثيرية حيث المخزون البصري الذي ينعكس على اللوحة فيما بعد الحدث! فقد وجدت الدهشة في عيني الأم كيف يقتل ابنها؟ وبعد شهرين عبرت عن هذه الدهشة!
أتمنى أن يكون لديّ
10 مليارات دينار كي أتبرع بها لمصر!
ماذا تتمنى؟
- أتمنى أن يكون لدي 10 مليارات دينار كي أتبرع بها لمصر.
كلمة أخيرة لك.
- أوجهها إلى أهلي وناسي في مصر.. سامحوني إن كنت قد قصرت، فقد وجدت كل الخير.. من أيام عبد الناصر حتى عبدالفتاح السيسي.