أزياء وموضةالنصف الحلو
أخر الأخبار

عاشقة الصحراء شهيرة فوزي من بوسطن إلى الصحراء.. 45 عاماً من العطاء التراثي

تصدر خبر رحيل عاشقة الصحراء شهيرة فوزي عالمة الأنثربولوجي ومؤسسة بيت صحارى لتصميم الأزياء والحلي المستوحاة من الصحراء في بداية شهر مارس الماضي، فتلك السيدة التي وهبت حياتها لخدمة الإنسانية من خلال عملها في مجال البرامج التنموية لتحسين أوضاع القبائل المصرية استطاعت أن تحقق خلال ما يقارب النصف قرن قفزات نوعية في هذا المجال بالتوازي مع نجاحاتها المستمرة في مجال تصميم الأزياء والإكسسوارات والأثاث لتصل إلى العالمية في المجالين، وليخلد اسمها في تاريخ العمل الإنساني والفني على حد سواء.

بدأت مسيرتها المهنية بالمصادفة البحتة منذ عام 1977

ولكي نتعرف على حياة تلك السيدة الاستثنائية علينا أن نتعرف أولاً على خلفيتها الثقافية التي أوصلتها لما وصلت له من مكانة دولية ومحلية، فهي خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة كدراسة أساسية والعلوم الإنسانية الأنثربولوجي كتخصص ثانوي، ومن ثم حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة بوسطن الأميركية لتعود إلى وطنها وتبدأ مسيرتها المهنية التي جاءت كلها بالمصادفة البحتة منذ عام 1977.

وفي ذلك قالت المصممة شهيرة فوزي، إن كل شيء كان بالمصادفة، ففي أثناء مرافقتها إحدى البعثات المخصصة لعمل أبحاث بيئية حول بحيرة ناصر ونسبة التلوث فيها وقعت عاصفة قوية جرفت السفينة التي كانت تقلهم لمكان يدعى (خور العلاقي) مما اضطرهم للتوقف هناك بالقرب من الصحراء لمدة 3 أيام لحين انتهاء العاصفة.
في أثناء ذلك كانت الراحلة تتابع من فوق متن السفينة تحركات الطيور وحيوانات الصحراء من خلال مكبر صغير كان معها طوال الوقت لتقع عيناها فجأة على ما غير حياتها بشكل كامل وقلبها رأسا على عقب، حيث شاهدت سيدة غريبة الهيئة ترتدي ملابس بدائية وشعرها طويل ومصفف على هيئة ضفائر بها صدف ومعها طفل وعنزة، وعندما اقتربت منها لتتحدث إليها خافت السيدة وتراجعت إلى الوراء تاركة من معها واختفت لبعض الوقت ثم عادت مع رجل لا يتحدث العربية لاصطحاب الطفل والعنزة.
حاولت المصممة التواصل معهما دون طائل، وكان عليها أن تستكمل عملها مع البعثة، ولكن بعد عودتها للقاهرة أبلغت المسؤولين عما رأته، ولكنهم لم يعيروا كلامها أي اهتمام وأكدوا لها أنهم ربما يكونون من القبائل المتنقلة كون تلك المنطقة خالية من السكان، ولكن ما حدث لاحقاً أنها تأكدت من أنهم ينتمون لقبيلة (البشارية) النوبية التي فقدت في الصحراء الشرقية أثناء بناء السد العالي في عام 1963.

غيّرت دراستها من اقتصاد إلى علوم إنسانية

والغريب أن تلك القبيلة لم تكن تعلم عن أمر السد العالي شيئا، وكانت على اعتقاد أن ما حدث هو سيل جارف سيجف مع الوقت، وأنهم سيعودون إلى ديارهم في وقت لاحق.
شعرت شهيرة فوزي بالمسؤولية حيال تلك القبائل المعدمة، فقررت بعد أيام من رد الجهات المسؤولة على تلك القبيلة بالعودة إلى نفس المكان لتقديم العون لهم،
واتخذت القرار الأصعب بتأجيل حفل زفافها لحين العودة وفي نفس الوقت قامت المصممة بتغيير مسار العمل بدراستها الأساسية من اقتصاد إلى علوم إنسانية.
بالفعل حدث ما خططت له شهيرة فوزي وقابلت القبيلة من جديد وحاولت إقناعهم بالواقع الذي لا يعلمون عنه شيئا وأنهم لن يعودوا إلى ديارهم مرة أخرى، ولكن دون جدوى، وهو ما دفعها لاتخاذ قرار مساعدتهم إنسانيا واقتصاديا لتبدأ رحلتها الجديدة في مجال تطوير وتحسين أوضاع أهالي تلك المناطق، حيث كانت الخطوة الأولى هي تعليمهم كيفية حفر الآبار، وكان ذلك من مصروفها الشخصي الذي لم يكن يكفي لإتمام المهمة.

قررت شهيرة فوزي استئجار عامل حفر لتسريع استخراج المياه وفوجئت بأن البدو استطاعوا التعلم سريعا وبمجرد ملاحظته وسرعان ما انضم الرجال لها واستطاعوا حفر المزيد من الآبار، بعد عامين انضمت لها وكالة (أوكفسام للتنمية والإغاثة) واستطاعت بمساعدتهم وطوال مدة إقامتها هناك حفر 45 بئرا بين كل منها 30 كيلومترا وهي مسيرة جمل ليوم واحد، كما بدأوا في زراعة أغلب من يلزمهم من خضراوات ونباتات إلى جانب رعي الغنم الذي تربوا عليه.

في المقابل تعلمت منهم الشابة اليافعة صناعة (الكليم) وهو السجاد المصنوع من بقايا الأقمشة إلى جانب الغزل والتطريز وتصميم وصناعة الحلي، فقررت أن تقوم بفتح أسواق لمنتجاتهم في القاهرة عبر المعارض الدورية التي كانت تقيمها من وقت لآخر لبيع منتجاتهم واستخدام ريعها في الصرف على تنمية هؤلاء البشر وتهيئة البيئة المناسبة لإعاشتهم بشكل كريم.

اقتحمت المجال البعيد عن تخطيطها لفتح باب رزق للكثيرين

عاشت شهيرة فوزي بين أهلها الجدد ما يقارب الـ 12 عاما إلى أن تزوجت من ضابط التقته هناك أثناء عمله لتعود معه إلى القاهرة، ولكن بفكر آخر لم يعد يلائم حياتها الجديدة، واستمرت المصممة في عملها الإنساني إلى أن رافقت وكالة اليونيسف الدولية في عدد من الجولات الاستطلاعية قاموا خلالها بزيارة 16 منطقة صحراوية  بين مصر واليمن للنهوض بمستوى سكان القبائل التي تعيش فيها كما ساعدها ذلك على وضع برامج متخصصة لتطوير القبائل.
وفي عام 1995 أنشأت شهيرة فوزي منظمة (صحراء) غير الربحية بهدف تنمية وتطوير سكان الصحارى وكل ما يتعلق بهم من فنون وتراث.

تصاميمها عكست روح مصر القديمة بكل فنونها

من هنا كانت بداية شهيرة فوزي مصممة الأزياء والإكسسوارات والأثاث التي اقتحمت المجال البعيد عن دراستها لفتح باب رزق جديد لهؤلاء المنسيين على الأرض، حيث كانت تعتمد على الفتيات والسيدات في غزل القطن المصري يدويا (ليتحول إلى خامات سعيدة.. نعم سعيدة لأن من غزلوها قاموا بذلك بحب وسعادة وعفوية شديدة كونها مصدر رزقهم الأساسي)، هكذا وصفت الراحلة تصميماتها التي تعكس روح مصر القديمة بكل فنونها وجنونها وبين روعة الصحراء بكل ألوانها وهدوئها.
توليفة بديعة يمكن أن تشعر بها فور دخولك أي مكان تعرض فيه المصممة منتجاتها التي تشعل فيك الحنين للماضي بكل جماله، فالجلابيات مطرزة بأجمل كلمات غنتها كوكب الشرق أم كلثوم أو بكلمات مأخوذة من روائع عمر الخيام، أما الإكسسوارات فتطير بك إلى صحارى مصر الغنية بالإبداعات الفنية والأناقة الربانية.

لم تتوقف منتجاتها عند حدود الوطن فقط
بل وصلت إلى العالمية

أما الأثاث فحدث ولا حرج، حيث يعود بك إلى أزمنة بعيدة تنقلك من حقبة تاريخية لأخرى عبر صور لأشخاص يمثلون تلك الحقب من حيث الشكل والملابس تم طباعتها أو رسمها، وكأنها لوحات تكاد تنطق على الكنب والكراسي أو حتى الستائر والكوشنات المعروضة.
ولم تتوقف شهرة منتجات شهيرة فوزي عند حدود الوطن فقط، بل تجاوزت ذلك بكثير، حيث أصبحت تجوب العالم بطوله وعرضه وتعرض تصميماتها في أسابيع الموضة العالمية لتلاقي إقبالاً كبيراً لم يكن في الحسبان وتتحول من مصممة محلية إلى مصممة عالمية.

وأكثر ما يثير الاهتمام في تجربة فوزي الفريدة أنها استطاعت أن تطوع الصحراء القاحلة لتكون مصدراً لرزق من يعيشون على أرضها بدلا من أن تكون عائقا في حياتهم.
(تعلمت من الصحراء أننا قد نبحث بعيداً عن مصدر للرزق وعن فرصة للنجاح على الرغم من أنها قد تكون تحت أقدامنا).

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق