أول طبيبة أسنان من فاقدي السمع.. د. إسراء البابلي: فخورة كوني سببًا في التحاق من مثلي بكليات القمة

اختارت الطبيبة إسراء البابلي أن تدخل طريقًا لم يسبقها إليه أحد من قبل، لتفتح الباب لغيرها بالسير على خطاها. المصرية إسراء البابلي هي أول طبيبة أسنان من فاقدي السمع، تخطت كثيرًا من الصعاب لتصل إلى حلمها.
حصلت الطبيبة إسراء على عدد من التكريمات تقديرًا لدورها، كان أبرزها تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي لها في مؤتمر شباب الإسماعيلية. وفي الحوار التالي تتحدث لنا د. إسراء عن رحلتها منذ الدراسة وحتى افتتاح عيادتها، ورسالتها لكل من لديه ظروف خاصة:
د.إسراء البابلي كيف تحبين أن تعرفي عن نفسكِ؟
- أنا أول طبيبة أسنان مولودة بصمم عميق بكلتا الأذنين تصبح طبيبة أسنان في العالم، وحاصلة على نوط الامتياز من الدرجة الثانية على الجامعات الخاصة المصرية، ومؤلفة كتاب امن الخيالب الذي تم نشره في معرض الكتاب وعضو في مجلس نقابة أطباء الأسنان.
كان قراري أن أبرهن علي اني قادرة على التفوق على الجميع وأصبحت من أوائل مملكة البحرين
كيف أثرت عليكِ الإصابة بفقدان السمع خلال حياتك المبكرة، وما الصعاب التي واجهتكِ أثناء الدراسة؟
- في الطفولة لم أشعر بمشكلة، خاصة أني كنت محاطة بأسرة متفهمة وزميلات دراسة اعتدن على أسلوب التواصل معي، أما في المرحلة الجامعية، فكانت فعلا صعبة، وكنت في حالة إقصاء من زملاء الدفعة، وهذا أثر في نفسيًا، ولكن دائمًا اعتبر أن تلك التجارب القاسية هي ما يجعل الإنسان أكثر قوة وقدرة على مواجهة الحياة، أما بالنسبة لحاسة السمع فيما يتعلق بالدراسة فهي فعلًا تؤثر، وخاصة أن أسلوب التعلم يعتمد على الاستماع، وهنا أشير إلى أن وجودي في المدارس العادية كان منذ 20 عامًا، أي إن المدارس والمجتمع لم يعتادوا على مفهوم الدمج أو توافر سبل له، وهو الأمر الذي تطلب مني جهداً مضاعفاً في اكتساب المعلومة والتعلم.
وفي مرحلة ما كان قراري أن أبرهن للجميع على أني لست قادرة فقط على التعلم ضمن المدارس العادية، وأتلقى نفس المنهج الدراسي، بل قادرة على التفوق على الجميع، وهو ما حدث خلال سنوات الدراسة، وتمكنت في الثانوية من تحقيق معدل يقرب من 95% في المسار العلمي، وهو أول معدل يحصل عليه فاقد لحاسة السمع منذ الولادة بفضل الله، وتم تكريمي من قبل الراحل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ضمن قائمة أوائل مملكة البحرين.
لم أتخيل نفسي يومًا سوى طبيبة أسنان ولم يستوعب عقلي حرماني من دراسة ما أحب بسبب حالتي
ما القصة وراء اختياركِ دراسة طب الأسنان أكان طموحًا أم أمرًا آخر؟
- أولًا أنا أشعر أن دراسة طب الفم والأسنان بها الكثير من الفن، خاصة مجال التركيبات، وأنا أحب الرسم جدًا ولم أتخيل نفسي يومًا سوى طبيبة أسنان لم يكن عقلي يستوعب فكرة أني من الممكن أن أٌحرم من هدفي أو حلمي لمجرد أن الخالق اختارني أعيش حياة فاقدة لحاسة السمع، وكنت أرى أني اجتهدت وحققت المعدل الذي يؤهلني للالتحاق بهذه الكلية وهذا هو معيار تقيمي ولمَ لا. ومن حقي الالتحاق بالكلية، وأن توفر لي سبل الإتاحة لاستكمل مشواري، وليس من حق أحد أن يفرض على ماذا اختار فهذا حقي.
كيف كان رد فعل أسرتكِ حين طرحتِ عليهم رغبتك في دراسة طب الأسنان؟
- في البداية اعتبرت أسرتي أن هذا القرار لمجرد وقت وسأتراجع عنه، لكن عندما بدأت أتحدث عن الموضوع باعتباره واقعا وخطوة واجبة التنفيذ بدأ النقاش عن الصعوبات والتحديات التي يمكن أن أتعرض لها وصعوبة القبول وصعوبة المواد الدراسية. لم تكن صعوبة المواد تشغلني فأنا أدرك مدى قدراتي لكن القلق كان من قبولي بكلية طب الفم والأسنان باعتبار أنها إحدى كليات القمة لمن في مثل حالتي لم يكن سهلًا.
كيف تلمسين تعامل المرضى معكِ؟
- منذ فترة التدريب العملي بالجامعة، وقبل أن أفتتح عيادتي الخاصة شعرت بالطمأنينة وبأني لن أواجه مشكلة في هذا الأمر، خاصة أن مريض الأسنان كل ما ينشده طبيب بارع يخلصه من الألم. وبفضل الله وحده كان المرضى يشعرون بالراحة معي، ويدركون أني حقًا حريصة على أداء عملي بكل كفاءة، ونفس الوضع في عيادتي الخاصة التي أصبحت من أفضل العيادات في محيطها الجغرافي في فترة وجيزة.
وهل تعرضتِ لتجربة التنمر خلال حياتك؟
- جميعنا نتعرض للتنمر فليس المهم ما نتعرض له، ولكن الأهم ألا نجعله يكسرنا أو يأخذ قدر من تفكيرنا ونركز عليه. شعرت بقسوة التنمر أثناء الدراسة الجامعية وحتى من بعض الأستاذة لكن كنت أقوى من أن أتأثر بهذا، ولكن لا أنكر أني كنت أحياناً عندما أنفرد مع نفسي أبكي وأتساءل كيف لا يدرك البشر أننا من خلق الله، وإن وجود كل منا بشكل وهيئة ومواصفات معينة لحكمة التنوع البشري التي هي أساس الكون.
ذكرتِ أنكِ مصرية – بحرينية، فما أثر قدومكِ من ثقافيتين بينهما بعض الاختلاف؟
- لقد عشت في مملكة البحرين وأتشرف بحمل جنسيتها أجمل سنوات من عمري، فقد التحقت بمختلف مراحلها الدراسية ولم أشعر يومًا إلا بأني وسط إخوتي، والمعلمات كن أروع من أتلقى منهن وكانت طفولتي معهم وبهم جميلة.
كونكِ أول طبيبة من ضعاف السمع في مصر جعلكِ من السيدات الرائدات فهل كنتِ منذ الطفولة تحبين الإقدام على الأمور الجديدة؟
- أعتقد أن محاولتي الدائمة لفتح الأبواب الموصدة هي قدر اختاره الله لي، فلم أكن أسعى لذلك، لكنه هو ما وجدت وكانت رحلتي تؤهلني إلى الوصول لهذا. فقد تعلمت أن أحاول وأفشل وأكرر المحاولة مرة واثنتين وثلاثا حتى أحقق النجاح. وكانت والدتي دائمًا تقول لا يوجد باب لا يفتح فقط نحتاج أن نبحث عن المفتاح الصحيح وإن لم نجد المفتاح فلنحطم الباب.
من اللحظات التي لا أنساها نظرة والدي عندما بدأت في علاج أسنانه بقيادتي
منذ بداية دراستكِ وحتى التحدث في مؤتمر الأمم المتحدة بيوم المرأة ما اللحظات التي لا تنساها إسراء؟
- لا أنسى المرة الأولى التي وقفت بها وأنا بالصف الأول الابتدائي اقرأ سورة الفاتحة أمام زميلاتي، وكانت كل واحدة منهن ومديرة المدرسة والمعلمات يبذلن الجهد لكي أشعر بأنني حققت إنجازاً.. ولا أنسى كذلك عندما كنت أعمل على مشروع بحثي بالجامعة بمفردي دون فريق؛ لأن لا أحد من زملائي اختار أن يشاركني، ورغم ذلك أنجزت المشروع وحدي بإتقان وقبل الجميع، على الجانب الآخر لا أنسى نظرة والدي عندما بدأت في علاج أسنانه بقيادتي نظرة سنوات عمره وحياته التي ضحى بها من أجلي، ولا أنسى تصفيق الشباب وهم سعداء بي في مؤتمر الإسماعيلية لحظة تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي لي.
ماذا تقولين لمن يعاني من إعاقة سمعية أو غيرها، ويرغب في العمل بأحد المجالات التي لم يعمل بها أحد ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل؟
- كل إنسان من حقه أن يختار مصيره ومستقبله، ولا يلتفت إلى الصورة النمطية التي يفرضها المجتمع، ويخوض التجربة ويبذل الجهد وهو مقتنع أنه قادر على النجاح.
فاقدو وضعاف السمع من القطاعات
المظلومة وتحتاج إلى منظومة متكاملة
ما المشكلة الكبرى التي تواجه ضعاف السمع في مصر حاليًا؟
- يواجه ضعاف السمع العديد من المشاكل، فمن يعاني من ضعف السمع أو فقدانه غير مرئي فهو أمام الناس شخص عادي، في حين أن حاسة السمع هي حاسة (تواصل وتعلم ومعرفة) لذا فهو إنسان يعاني من صعوبة في هذه الجوانب، كذلك المجتمع لديه صورة نمطية يدعمها الإعلام للأسف عن فاقدي وضعاف السمع وهي صورة غير صحيحة إطلاقا، في حين أن سبل الإتاحة غير متوافرة، وإذا وجدت فمن شأنها أن تجعل الحياة في مختلف الجوانب أسهل. شيء آخر، وهو أن الأجهزة الداعمة سواء معين سمعي أو القوقعة الإلكترونية مكلفة جدًا وتوافرها واستمرار وجودها أساسي للشخص، ولكن كثيرًا ما يعجز الأفراد عنه نظرا للوضع المادي.. اعتقد أن فاقدي وضعاف السمع من القطاعات المظلومة، وتحتاج إلى منظومة متكاملة.
أخيرًا ما الذي حققته د. إسراء وفخورة به الآن، وما الذي تخططين له خلال الفترة المقبلة؟
- فخورة أني كنت سببًا في التحاق من هم في نفس ظروفي بكليات القمة وتغيير الصورة النمطية لدى المجتمع لقبول الآخر وتقبل الاختلاف وحصول كل شخص على فرص متساوية بناء على مؤهلاته التعليمية وقدراته، وليس مواصفاته الجسدية، وفخورة كذلك أني كنت نموذجًا لتشجيع كل أسرة على تحمل واحتمال سنوات من التأهيل مع أولادها ليتمكنوا من الوصول بهم إلى مكانة مميزة، ويكتبوا قصة نجاح جديدة.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي