اختصاصي الصحة العامة والصحة البيئية د. حامد الحسيني: البيئة أكبر مؤثر على صحتنا والأجيال المقبلة

أصبحت البيئة من أكبر المؤثرات على حياتنا وصحتنا العامة، إذ تشير الأبحاث والدراسات إلى تزايد بعض الأمراض نتيجة للتغيرات والتطورات البيئية. ومع انتشار المواد الكيميائية الضارة في العديد من المنتجات التي نستخدمها، نحتاج إلى الانتباه لممارساتنا اليومية، حتى نقي أنفسنا من أضرار هذه المواد على المدى الطويل. تحدثنا إلى د. حامد الحسيني خريج الكلية الملكية للجراحين ومختص بالصحة العامة والصحة البيئية في الموضوع التالي لنتعرف أكثر على مفهوم الصحة البيئية وخطوات الوقاية من أخطار المواد الكيميائية الضارة التي تحيط بنا:
بداية.. ما المقصود بأن البيئة أكبر مؤثر على صحتنا؟ وما الصحة البيئية؟
- البيئة أكبر مؤثر على صحتنا؛ لأنه سابقاً كان العلم قناعته بأن ما يحدد صحة الإنسان جيناته، ولكن مؤخرًا اكتشف العلم أن البيئة تؤثر على صحتنا وتحدث حتى تغييرات بالحمض النووي أيضا تنتقل إلى الأجيال المقبلة، لهذا تطور النظر للجينات بوصفها مثل الكود التي تحدد الصحة، ولكن بتأثر من البيئة، حيث تتأثر جينات الإنسان نتيجة للتغيرات البيئية التي يتعرض لها.. لذلك أصبحت البيئة أكبر مؤثر على صحة الإنسان، ويقصد بالبيئة الأشياء التي يأكلها الإنسان ونوع الهواء الذي يتنفسه يصبح له أثر تراكمي على الجسم والحمض النووي، أما الصحة البيئية، فتعني كيفية تفاعل البيئة مع أجسامنا بيولوجيًا، فالصحة البيئية تدرس أثر البيئة على صحة الإنسان.
كيف يرتبط التطور ومتغيرات العصر بصحتنا العامة؟
- بالتأكيد هناك ارتباط وثيق، فنحن مع تطور البشرية بدأنا نستخدم المحروقات مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم في عدد من المهام، كذلك أدى تطور المجال الكيميائي إلى استخدام تقنية النانو في عدد من المنتجات، ومع التطور نصنع أشياء لها فائدة، ولكنها تسبب أضرارًا على الجانب الآخر. فمثلًا النانو برتكال يكون متناهي الصغر، فإذا استخدم الزنك نانو برتكال في كريم وقاية الشمس يسبب توزيع الكريم أكثر تشبعا ويغطي كامل الجلد، ولكن من ناحية أخرى قد تسبب مشكلات للبيئة، لأن النانو برتكال قد تنتقل على سبيل المثال إلى الأحياء البحرية في حالة النزول إلى البحر، وتسبب مشكلات لها، وبالتالي تفاعل الإنسان مع البيئة دائري. كما أن هذه التطورات سببت تلوث الهواء، وعملت على سبيل المثال على زيادة نسب الإصابة بالربو الصدري والحساسية ومرض باركنسون والروماتيزم والتصلب المتعدد وغيرها.
هل هناك أمراض ظهرت وأصبحت شائعة نتيجة للتغير البيئي الذي نشهده؟
- نعم أمراض مثل ألزهايمر وباركنسون والتصلب المتعدد في الأمراض العصبية، الروماتيزم بالنسبة للعظام، الربو الصدري والحساسية بالنسبة للصدر زادت بسبب التطور.. إلى جانب ذلك لدينا الأمراض النادرة والمقصود بها الأمراض التي يصاب بها شخص من بين مليوني شخص، وزادت نسبة الإصابة بهذه الأمراض نتيجة للتطور مثل ألزهايمر المبكر وأمراض القلب.
الزهايمر والربو الصدري على سبيل المثال تربط الأبحاث بين تلوث الهواء وزيادة نسب الإصابة بهما والناتج عن الأدخنة بحرق النفايات والبلاستيك وعوادم السيارات وغيرها. وتلوث الهواء ليس شرطًا أن يدخل مجرى الدم عن طريق الرئة ثم المخ، ولكن عن طريق الأنف وأعصابها تنتقل مباشرة إلى المخ، وهذا قد يسبب شيخوخة مبكرة، إلى جانب ذلك أصبح لدينا تلوث داخلي عال داخل منازلنا، فلم تعد هناك تهوية مثل السابق في منازلنا، مع استخدام البخور والشموع والمعطرات المنزلية والأثاث نفسه تخرج منه مواد سامة مثل الفورمالدهايد والفورماميد والمركبات العضوية المتبخرة، والتي تستخدم في الأصباغ والإسفنج. الخشب أيضا يضيفون عليه مادة الفورمالدهايد ومع الوقت تتبخر المادة داخل منازلنا، ويستنشقها الإنسان دون تدوير الهواء، وبالتالي تلوث الهواء الداخلي والخارجي مسؤول عن زيادة حالات الإصابة بالربو الصدري والزهايمر.
توجد أصباغ صحية لا تسبب أي أمراض ولكن يصعب إيجادها
تحدثت مسبقًا عن أصباغ الشعر والأظافر وأضرارها على الجسم، فما هذه المضار وأسبابها؟ وألا يمكن أن نحظى بأصباغ وتكون آمنة صحيًا؟
- نعم توجد أصباغ صحية لا تسبب أي أمراض، ولكن يصعب إيجادها وموجودة في بلدان قليلة والتي تزرع هذه المواد، وذلك لسبب واضح للإمكانيات.. فالأصباغ الطبيعية يمكن استخراجها من النباتات، ولكن كمية النباتات محدودة بالنسبة للاحتياج البشري وعدده، لهذا تدخل المواد الكيميائية في صناعة الأصباغ، حتى يمكن توفيرها للعدد الهائل من البشر. مشكلة موارد طبيعية أكثر من كونها مشكلة أخرى.
المسرطنات الموجودة في المواد الكيميائية تسبب المرض عن طريق الأثر التراكمي
من بين هذه المواد الكيميائية الضارة التي تستخدم في الأصباغ مادة الفور إيه بي تي (إحدى المواد) التي تعمل على تثبيت اللون وجعله أقوى، لكنها في الوقت ذاته مسرطنة ومهيجة للحساسية حيث تسبب للبعض حساسية حادة تحتاج إلى أخذ الكورتيزول.
والمسرطنات الموجودة في هذه المواد الكيميائية غالبًا ما تسبب المرض عن طريق الأثر التراكمي، مثل صبغ الشهر بشكل دوري، ولكن إذا كان الصبغ على فترات بعيدة مثل مرة كل سنة، فيمكن للجسم من نفسه أن يتخلص من هذه المواد، دون أن تتراكم. ولكن تأتي المشكلة من كثرة استخدام المواد الكيميائية على الجسم، ويسبب أثرا تراكميا على الجسم، إلى جانب وجود مناعة مخفضة للجسم.
على سبيل المثال يمكن تقليل استخدام المعطرات والكريمات التي توضع على الجسم بعد الاستحمام أيضا واستبدالها بالمواد الطبيعية مثل زيت الجوجوبا وزيت الزيتون وغيرهما من الزيوت الطبيعية، والتي لا تسد مسام الجلد، فهذه الدهانات أفضل، وتفيد الجلد ويدخل مضادات الأكسدة إلى الدم مباشرة قبل تكسره من الكبد.
في الفترة الأخيرة انتشر الحديث عن المايكروبلاستيك وتأثيره، فهل يمكن أن تشرح لنا المقصود بالميكروبلاستيك وكيف يؤثر على الصحة؟
- المايكروبلاستيك هو أي قطعة بلاستيكية حجمها يقل عن 5 ملم بالقطر، ولدينا النانو بلاستيك أيضا، وهو أصغر من المايكروبلاستيك ويصعب قياسها نظرًا لدقة حجمه.. وحاليًا أصبح يمكن قياس أثر هذه المواد على صحة الإنسان من خلال تحليل دم الإنسان. المايكروبلاستيك والنانوبلاستيك ينتجان عن طريق تكسر البلاستيك، فمع مرور الزمن يخرج من البلاستيك غبار عن طريق التعرض لعوامل مثل الهواء والمياه والرمل، ومع الوقت يصبح مثل الغبار، أو لأن البلاستيك نفسه لا يتحلل فيتكسر ويصبح حجمه أصغر. تعرض البشر للمايكروبلاستيك الذي يدخل الدم يكون عادة من خلال استخدام البلاستيك في المأكولات والمشروبات، مثل العلب أو الأواني والأكواب البلاستيكية التي قد نتناول فيها الطعام، أو نشرب منها.
والبلاستيك من الأشياء التي لا نعرف، حتى الآن، هل تخرج من الجسم بعد دخولها أم لا، فهذا المجال ما زال قيد البحث. فعادة أي مادة تدخل الجسم يجب أن تتفاعل مع الكبد، ولكن ما يتضح لنا حتى الآن أن البلاستيك يمكن أن يعلق بداخل أو حول بعض الأعضاء في الجسم ويعطل مفعولها.
وهل هناك من طرق لتلاشي أضرار المايكروبلاستيك؟
- ينبغي ألا نستخدم البلاستيك مع الطعام، ونتأكد من عدم وجود غبار في الأرض لأنه غالبًا ما يحتوي على النانو بلاستيك أو المايكروبلاستيك.
ما أبرز الممارسات المرتبطة بالبيئة، ويمكنها أن تقلل من تأثير البيئة السلبي على صحتنا؟
- هناك بعض الممارسات التي يمكنها أن تقلل من الآثار السلبية البيئية على أجسامنا مثل استخدام الزجاج، ستانلس ستيل، واستخدام الخشب غير المطلي هذه كلها يمكنها أن تُقلل من نسبة المايكروبلاستيك التي تدخل للجسم.. أيضا شراء القناني الستانلس ستيل عوضا عن البلاستيكية، تقليل الطلبات الخارجية من الطعام، وتخزين الطعام في علب الزجاج. كذلك بالنسبة للسيدات تقليل استخدام أحمر الشفاه الاصطناعي، وتجديد استخدامها من خلال الاعتماد على أحمر الشفاه من مواد طبيعية، حيث لا يتم التعرض للمواد الضارة، والبعض يصنع هذه الحمرة في منزله أو تقوم بعض الشركات بتصنيعها.
هل هناك مواد معينة يجب علينا تجنبها عند شراء المنتجات حتى لا تؤثر على صحتنا؟
- أهم مادة هي المعطرات الصناعية، فأثرها كبير، حيث تستخدم معها مواد مثبتة وناشرة هذه المواد مخلة هرمونيًا وتسبب هذه المواد تقليل خصوبة الرجال والنساء، وتمنع أجزاء من الجسم من استقبال مادة الاستروجين؛ وبهذا يضر هذه الأعضاء، ويسبب سرطانات متأثرة بالهرمونات مثل سرطان البروستاتا عند الرجال وسرطان المبيض والرحم والثدي عند النساء. أيضا حتى الشذوذ الجنسي له سببان، سبب بيولوجي راجع إلى الاختلال الهرموني، والذي بدوره قد يكون سببه تعرض الأم لهذه المواد التي تخل بالهرمونات أثناء فترة الحمل وتنقلها لطفلها، وبالتالي يصبح الطفل بعد ولادته يعاني من حالة تعرف بـ “التشويش الجنسي” فلا يعرف هويته الجنسية. وللأسف المخلات الهرمونية موجودة في عدد من الأشياء، ولكن أهمها في المعطرات الصناعية.
يجب على من يستخدم كريم واقي الشمس أن يركز على الكريم المعدني
عند اختيار كريمات الوقاية من الشمس.. ما المكونات التي يجب أن ننتبه لها؟
- كريم الوقاية بالشمس يجب ألا يستخدمه الكل بشكل متساو، إذ تختلف باختلاف طبيعة البشرة ولونها، وكذلك المكان الذي يعيش فيه وقربه من خط الاستواء، ويجب على من يستخدم كريم واقي الشمس أن يركز على الكريم المعدني وليس الكيميائي، لأن المعدني لا يحتوي على مواد سامة، وفي حالة وجود بعض المواد الضارة يسهل على الجسم التخلص منها.. والكريمات المعدنية يقصد بها مثل الزنك لعكس أشعة الشمس.
أفضل طريقة للوقاية من المواد الضارة اللجوء إلى المواد الطبيعية المتوافرة
ما الإرشادات التي تنصح بها لنقلل من التأثير السلبي للبيئة على الصحة؟
- أفضل طريقة للوقاية من المواد الضارة التقليل من استخدام المواد، واللجوء إلى المواد الطبيعية المتوافرة، كذلك ممارسة الرياضة مهمة جدًا لتحريك الجلد والجهاز المناعي، فالرياضة مهمة جدًا لتدوير الخلايا المناعية وتحريك الدورة الدموية.. إذن علينا التخلص من المواد الضارة بالجسم، تقوية المناعة لمحاربة هذه المواد الضارة ونقلل من استخدام المواد التي يمكن الاستغناء عنها مثل تجنب استخدام الشموع المعطرة الصناعية، وابحث عن التي تستخدم الزيوت المستخلصة طبيعيًا لكون ضررها على الجسم أقل، وداخل المنزل يستخدم فلتر مع الكربون بحيث يغطي مساحة مناسبة، وهي فلاتر موجودة ومتوافرة.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي