هذا الكتاب ليس ككل الكتب العادية، بل هو كتاب متميز شكلاً ومضموناً وهدفاً ورسالة.. بل هو صوت قوي لرسالة إنسانية..بامتياز..
فهو قد صدر عن كاتب قصصه سليمان سلطان العجمي، والمصوّر لصوره عبدالوهاب سعيد الأصبحي، لتوجيه رسالة قوية لكل المجتمع الإنساني للالتفات العملي لمساعدة مسلمي الروهينغيا.
البداية.. الفكرة
كانت الأحداث تتسارع في إقليم أراكان، وأعداد اللاجئين في ازدياد، وقصص المعاناة تتوارد مع كل فوج قادم، والتقارير الواردة من الميدان تروي المزيد من المأساة،
لذلك، واتساقاً مع رؤية «الرحمة العالمية» في أن تقدم نموذجاً متميزاً في العمل الخيري في الفكرة والإعداد والتنفيذ، تم طرح فكرة إقامة حملة إعلامية للتعريف بمأساة اللاجئين الروهينغيا والواقع الذي يعيشونه في المخيمات، وفتح نافذة للجميع للتعبير عن تضامنهم مع معاناة اللاجئين.
شعار الحملة:
«لا نريد أن نرى المزيد»
هو شعار الحملة الإعلامية، التي انتهجت الطابع الإنساني الخالص، فركزت ضوءها على معاناة الروهينغيا، وخاطبت المشاهد بلغة بصرية، فاعتمدت على صور اللاجئين والمتضامنين معهم، فأخفى كل منهم عينيه بيده في رسالة صامتة للعالم بأننا:
«لا نريد أن نرى المزيد».
كل منهم أرسل برسالة من موقعه للعالم، يخاطبه بصمت، ورغبته في ألا يرى المزيد!
فكانت رسالة اللاجئين: لا نريد أن نرى المزيد من الاضطهاد والقتل والتهجير.
رسالة المتضامنين: لا نريد أن تستمر معاناة اللاجئين، لا بد من إيقاف الظلم والتهجير الذي يتعرضون له.
لا نريد أن نرى المزيد
«لجوء».. لماذا؟ وكيف؟
يجيب الكتاب بنفسه عن نفسه، وعن سبب فكرته بأن الحدث كان السبب، حيث سنوات طوال عاشها المسلمون الروهينغيا بإقليم أراكان في بورما تحت القمع والاضطهاد والتضييق، فكانت ترتكب في حقهم الكثير من الانتهاكات والاعتداءات المروعة بعيداً عن عيون الإعلام والمنظمات الإنسانية.
هاجر أكثر من 700 ألف إلى جمهورية بنغلاديش المجاورة
في نهاية شهر 8/2017 ظهر أمام مرأى العالم جانب مما أخفته السلطات في بورما لسنوات خلت، فقد قامت بمضاعفة وتيرة أعمال التطهير العرقي والتهجير القسري، فأطلقت العنان لقوات الجيش وبمساندة طائفة (الماغ) البوذية لارتكاب أبشع الجرائم، وممارسة أشنع الفظائع في حق مسلمي الروهينغيا.
ولم تستثن تلك القوات أو الميليشيات العنصرية أحداً، فلم ترحم طفلاً صغيرا أو شيخاً مريضاً، فقتلت الكثير من سكان الإقليم، وأحرقت بيوتهم، وأجبرتهم على الرحيل، حتى هاجر أكثر من 700 ألف إلى جمهورية بنغلاديش المجاورة.
وبعد تلك الجرائم المروعة في حق المدنيين، أصبحت قضية الروهينغيا وما تعرضوا له من قتل وتهجير مسألة إنسانية عالمية، تنادت على اثرها العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بضرورة التحرك لإنقاذهم.
لاجئو الروهينغيا..مأساة بكل المقاييس
كان الدافع القوي خلف حملة الكتاب، أن مأساة لاجئي الروهينغيا، لم تكن ببعيدة عما حدث في بقاع كثيرة.. فكانت أحد أوضح تطبيقات تعريف مفهوم اللاجئين، فقد أجبر السكان على الخروج من بلدهم نتيجة خوفهم من التعرض للقتل بسبب الدين والقومية والانتماء.
فلجأ الى بنغلاديش ما يقرب من 700 ألف شخص، هربوا عن عيون القوات والميليشيات خوفاً من الانتقام والتنكيل.
ركبوا القوارب الخشبية، شربوا من مياه الأمطار، لم يجدوا ما يأكلون لعدة أيام، أصابتهم الأمراض، وحاصرهم الجوع، وواجههم العديد من المصاعب والمتاعب.
وانطلاقا من رسالتها الإنسانية، واستكمالاً لمسيرتها مع اللاجئين التي بدأتها في العديد من دول العالم، حرصت «الرحمة العالمية» أن تتواجد في الميدان منذ الأيام الأولى لوصول اللاجئين الى المخيمات، وأن تكون بجانبهم، تتلمس معاناتهم وتقدر احتياجاتهم.
ماذا قال العابرون عن هذا الكتاب؟
«في هذه القطعة الفنية، رأيت كيف أضفى المصور بعدسته والكاتب بقصصه الإحساس بالمعاني المقصودة، حتى تخال أنك تعيشها بنفسك وأنت في موطنك، شكراً لهما على التميز في تفعيل الفكرة والتوثيق الإبداعي الجميل».
د.عبدالمحسن الجارالله الخرافي
«عجز قلبي، وتوقفت يدي عن التعبير وأنا أقرأ تفاصيل كل قصة، وأتأمل ألوان كل صورة، حتى شعرت وكأني أعبر طرقات المخيم».
الكتاب أشبه ما يكون بفيلم سينمائي حقيقي، أبطاله اللاجئون».
سنان محمد الأحمد
ناشطة في العمل الإنساني
«كنت أتوقع بأنني سأتصفح كتابا كباقي الكتب..!
إلا أنني وجدتني أتابع تسلسل قصة حقيقية، رويت بأرقى الكلمات، وأصدق الصور، جمعت بين دقة التشخيص، وواقعية الأحداث، لعالم من اللاجئين.
في عالم يبحث عن الهوية الإنسانية».
د.يوسف مبرك الصليلي
أستاذ قانون المرافعات في كلية القانون الكويتية العالمية
الفكرة على أرض الواقع
ولأجل تنفيذ الفكرة، ومع تناقل وسائل الإعلام المختلفة حقيقة ما يحصل في إقليم أراكان، ووصول التقارير الميدانية من مكتب الرحمة العالمية في بنغلاديش التي تشرح واقع اللاجئين على الحدود، والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها، والحالات الإنسانية الحرجة التي تقتضي تقديم الدعم والمساعدة بصورة عاجلة، تم بالفعل تشكيل فريق عمل، وكان أهم مهامه: تنظيم حملة إعلامية للتعريف بمأساة الروهينغيا، والواقع المأساوي الذي يعيشونه، وضع خطة إغاثية عاجلة لمساعدتهم وتوفير الاحتياجات الضرورية لهم.
وقد عقد فريق العمل العديد من الاجتماعات لوضع مجموعة من الأفكار من أجل تحقيق أهداف الحملة بطريقة متميزة من حيث الفكرة والمضمون والتنفيذ.
وكان من أهم الأفكار التي طرحت، ونفذت:
– السفر الى المخيمات لرؤية الواقع الذي يعيشه اللاجئون.
– تصوير القصص المأساوية التي عايشها اللاجئون.
– إنتاج أفلام قصيرة من المخيمات تلخص معاناتهم.
– القيام برحلة ميدانية الى مخيمات اللاجئين مع بعض المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.
– إرسال فرق تطوعية لمساعدة اللاجئين.
– عقد العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية.
– الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في شرح القضية.
– إ رسال بريد إلكتروني تعريفي بمعاناة اللاجئين والدور المطلوب من المتابعين.
– إطلاق هاشتاق: #لاجئو – بورما
burma_refugees#
– تم اختيار يوم الاثنين 2017/9/25 الساعة 6٫30 مساء موعدا لانطلاق الحملة الإعلامية التي استمرت حتى 2017/9/30.
أهداف الحملة
كان من أهداف الرحمة العالمية في هذه الحملة:
– التعريف بمأساة لاجئي الروهينغيا وما يواجهونه من اضطهاد وقتل وتهجير.
– نقل الواقع الذي يعيشه الروهينغيا في مخيمات اللجوء في بنغلاديش.
– تبيان مدى حاجة اللاجئين للرعاية والمساعدة.
– تطبيق نموذج جديد ومبتكر في الحملات الإعلامية الإنسانية.
قـصـص اللاجئيـن.. لا تعنـي نهـايـة المأسـاة!
تحت عنوان «بداية عبورك»، يذكر الكتاب أن الوصول لآخر قصة من قصص اللاجئين، لا تعني نهاية فصول المأساة.
ما قرأته ورأيته ليس رواية نسجتها خيالات راو، أو قصة وقعت في زمن غابر، أو حدث سطرته كتب التاريخ.
هو رواية حقيقة تُروى فصولها يوميا، وقصص واقعية يعيش شخوصها بين ظهرانينا، وأحداث حدثت في زماننا.
أملاً أن تكون بعد قراءتك له، لست كما أنت قبله.
أردنا أن نحدث أثراً في نفسك، لتنقله الى نفوس الآخرين.
وأخيراً وليس آخراً.. طابت نفسك الزكية.
من قصص اللاجئين
«فجأة، سمعنا صوت إطلاق نار كثيف، وحركة مركبات، وصراخ جنود»
عندها، رأينا، شيخاً وقوراً، مسناً، بلغ من العمر «عتياً»، افترش الأرض بعظامه الواهنة، احتوشت ثيابه أغبرة المعاناة، أسند رأسه «المكدود» الى جدارها، بين يديه «طفلان» يرعاهما!
آلمنا مشهده، ألقينا التحية عليه!
نراك وحيداً إلا من طفلين بين يديك، ما قصتهما؟
همّ بالرد، لكنه توقف، ثم قال وهو يضع يده على صدره: لدي التهاب، ولا أقوى على الحديث.
اتكأ على الجدار، نهض من مكانه، نفض كفيه، مضى قائلا: تفضلوا بالدخول.
ثم نادى: حميدة.
أقبلت امرأة من داخل الخيمة، فأكمل: هذه زوجة ابني، وهؤلاء أحفادي الستة.
قبل أن نجلس، أحضر طفل صغير قطعتين من الحصير.
شكرناه على أدبه وحسن استقباله.
توجهنا له بسؤالنا: حميدة، هل لك أن تروي لنا ما حدث لكم؟
نظرت الى الأرض، رفعت رأسها، ثم أنشأت تقول:
مطلع شهر 10/2017، بينما كنت في المنزل أهدهد ابني الذي كان على وشك الخلود الى النوم، وزوجي في الحقل يحرث الأرض، وابنتي الكبرى وأختها ترعيان الأبقار، فجأة، سمعنا صوت إطلاق نار كثيف، وحركة مركبات كثيرة، وصراخ جنود.
كانت الميليشيات قد بدأت بمهاجمة قريتنا.
أضرموا النيران في العديد من البيوت، منعوا بعض الأسر من الخروج منها، احتجزوهم فيها، ثم أحرقوهم بداخلها.
هرع زوجي الى البيت مسرعاً، تركنا كل شيء خلفنا، هربنا، حتى بلغنا بيت أحد الأقارب في إحدى القرى.
لم تمض إلا أيام، حتى هاجمت الميليشيات القرية التي هربنا إليها، حاصرونا، عزلوا الرجال عن الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز، ضربوهم ثم اقتادوهم الى إحدى باحات القرية.
أمام الجميع، قتلوا أخا زوجي، ثم نادى أحدهم على زوجي، قاموا بتعذيبه، لم أتحمل فظاعة المشهد، تجمدت الدماء في عروقي، فقدت الوعي وسقطت على الأرض.
بعد فترة، عاد لي الوعي، وجدت نفسي في قرية أخرى، سألتهم عما حدث، خيم الصمت، رأيت الرد في عيونهم: قتلوه.
قبل أن تواصل حديثها، جلس ابنها الصغير في حضنها، احتضنته، ثم أكملت حديثها:
بعد عدة أيام ذهبنا الى القرية، رأينا العديد من الجثث، كان من بينهم 4 قتلى من عائلتنا، منهم:
زوجي وأخوه.
قام والد زوجي وبعض الرجال بحفر القبور لهم، دفنوهم ثم صلوا عليهم.
رجعنا الى القرية، ما هي إلا أيام حتى حلقت الطائرات المروحية فوقنا، تطلق التهديدات بوجوب الرحيل عن بورما «حالاً» أو فإن باطن الأرض مازال فيه متسع لقبورنا.
تحت ظلمة الليل، رحلنا، قضينا سبعة أيام بين الجبال حتى بلغنا ضفة النهر، وجدنا الكثير من الفارين بانتظار من يقلهم الى بنغلاديش.
انتظرنا معه