لا تهتم بالآخرين على حساب نفسك هـل أنـت متـاح لنفسـك؟!
هل أنت متاح لنفسك؟! سؤال قد يبدو غريباً بعض الشيء، لكنه من الأهمية أن نطرحه حتى ينتبه كل منا فيما إذا كان منشغلا عن نفسه وغير متاح لها.
وبالتالي دعونا نسأل كل منا: هل تضع نفسك في سلم الأولويات أم تفضل أن تضع الآخرين؟ وهل اهتمامك بالآخرين زائد عن الحد إلى الدرجة التي بها لا تكون متاحاً لنفسك واحتياجاتها؟
كيف تكون متوازنا بين الإتاحة لنفسك والإتاحة للآخرين؟
مع الأسف، منذ الوقت الذي كنا فيه صغارًا، زرعوا داخلنا أننا يجب أن نضع الآخرين أولاً، والنتيجة أصبحنا نسعى جاهدين طوال الوقت لأن نكون أفضل أم أو أب، أفضل بنت أو ولد، أفضل شريك، أفضل موظف، أفضل صديق، وأن نكون متواجدين دائماً وأبداً للجميع دون أن ننتبه إلى أنفسنا.
لكن المشكلة الكبيرة هنا هي أنك عندما تحاول أن تكون خادماً للجميع ومهتماً بهم، دون أن تولي نفسك نفس القدر من الاهتمام سينتهي بك الأمر بإنجاز أقل بكثير من الإحساس بالرضا عن نفسك مهما قدمت للآخرين، والسبب ببساطة هو أنك لم تستطع إشباع ما تحتاج إليه نفسك فعلاً وأهمها أن تكون متواصلاً معها، متواجداً لها دائماً!
فلا تنس أن الهدف الأساسي من اهتمامك بالآخرين هو أن تكون مانحًا معطاء كريما، ولكن ليس مضحيًا بنفسك لدرجة نسيانها والصمم عن احتياجاتها! فيكف إذن تكون متاحا لنفسك؟ كيف تكون متوازنا بين الإتاحة لنفسك والإتاحة للآخرين؟
لا تنس القاعدة الذهبية!
تقول الكاتبة المتخصصة في التدريب على فن الحياة والعلاقات أو ما يعرف بـ “اللايف كوتش والعلاقات” استير جورج في دراسة لها على موقع “ميديم” إنه عليك ألا تنسى القاعدة الذهبية التي تحقق فعلاً التوازن النفسي والاجتماعي بين علاقاتك بالآخرين وعلاقتك بنفسك، هذه القاعدة تقول: افعل بالآخرين كما تحب أن يفعلوا لك. وهي قاعدة تعني الإقرار بأخلاقيات المعاملة بالمثل، فإن كنت أنا – كما يقول المثل الغربي- قد “حككت ظهرك اليوم، فأنا أفعل ذلك على أمل أنه في يوم من الأيام عندما أحتاج إليك، فسوف يكون واجبا عليك أن تحك لي ظهري!”
هذه القاعدة أو القانون في العلاقات يحاول أن يضع الأساس للعلاقات في دورة جميلة بين البشر، وهي دورة العطاء والأخذ المتبادلين، وهو ما يحقق مبدأ العدل، ويعطينا فرصة أن نهتم بأنفسنا كما نهتم بالآخرين.
ابدأ بنفسك
عندما تحدد أولوياتك واحتياجاتك، عليك أن تبدأ دائماً بنفسك، بأن تعطي المزيد من الاهتمام لها وأن تكون متاحًا لها. وبالتالي تستطيع بعد ذلك وبشكل صحي يعود عليك بالمنفعة النفسية أن تهتم بالآخرين، فالبداية أولا وأخيرا يجب أن تكون لنفسك، بمعنى تسديد احتياجاتها النفسية والجسدية، فتصبح خياراتك منضبطة متوازنة، وتصبح المساحات التي تعطيها لنفسك من حب واهتمام كافية لنموك الداخلي، بل تصبح المساحات التي تمنحها للآخرين قائمة على الحب والود والنضح، وليست على الخوف من أن تفقد الآخرين إن لم تقدم دائما احتياجاتهم على احتياجاتك.
إن كلا منا لديه شيء يضفي معنى على حياته، وهي أشياء تجعلنا نعيش ونستمر على قيد الحياة، لذلك انتبه إلى التنبيهات الآتية من نفسك والتي تدعوك، بل تصرخ أحياناً داخلك بأن تستمع إليها وتهتم بها، ولا تكن مشغولاً بإلزام نفسك بالآخرين دائماً وأبداً وفي كل الأوقات.
لا تقفز إلى قول «نعم» على الفور!
كي تكون متاحاً لنفسك قد تكون محتاجا لأن تتعامل مع أفكار معينة موجودة داخل عقلك وتكونت منذ سنوات بعيدة والتي تجعلك مضطرا إلى قول “نعم” طوال الوقت للناس! وهي الأفكار التي تجعلك مقتنعا بأنه كلما أعطيت استطعت الحصول على المزيد من الرضا منهم! مما يجعلك ناسيا نفسك تماما غير متاح لها ومتاحا فقط للآخرين!
تعلم أن تقول «لا»!
إذا كان الأمر كذلك في النقطة السابقة، فمن الضروري العمل على الشعور بمزيد من الثقة وتعزيز احترامك لذاتك، خاصة عندما تقول لا لشخص ما يطلب منك أمرا يفوق قدرتك أو يأخذك من نفسك تماما.. وقد يكون الأمر مخيفًا في البداية أن تقول “لا” للناس كي تنتبه إلى نفسك وتكون متاحا لها، لذا ابدأ رويدا رويدا كي تتدرب جيدا على قول “لا” بأسلوب لا يجرح الآخرين مع قول “نعم” لنفسك وقت أن تشعر بالحاجة إلى الراحة أو السكينة أو التجديد لطاقتك.
ولا تنس أن هدفك خلف قول “لا” ليس أن تكون عدوانياً غير حساس باحتياجات وآلام الآخرين، بل إن هدفك هنا يعني فقط أنك ترفض قضاء المزيد من الوقت في أي شيء لا يخلق قيمة لحياتك ويحرمك دائما من الأشياء التي تهتم بها وتستمتع بها وتبني شخصيتك.
وعندما تتدرب على قول “لا” بحكمة واحترام لنفسك والآخرين، ستكون لديك فرصة لتقول “نعم” لهم بشكل حقيقي وأصيل ويعبر عن اهتمام ونضج داخلك وليس خوفا من رفض الآخرين وإرضاء لهم بأي ثمن!
وهنا تستطيع أن تخبر كل من حولك بأساليب متعددة بأن وقتك وطاقتك وصحتك هي اعتبارات مهمة في حياتك اليومية لنفسك.
كن حراً في أن تكون على طبيعتك
لا توجد مشكلة على الإطلاق في مساعدة الناس، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب راحتك، فلا تكون بذلك غير متاح لنفسك بأن تريحها هي أيضا وقت إرهاقها.. كن حساسًا لاحتياجاتك الخاصة.. تعلم أن تضع نفسك في المرتبة المساوية لأهمية الآخرين المحبين من حولك.
واعلم جيدا أنه كلما رغبت في أن تحب نفسك وتستمع إليها وتفهمها وتكون متاحا لها، قلّت حيرة نفسك وانزعاجها وإحباطها في الحياة. إن تعلم إعطاء الأولوية لنفسك أكثر فأكثر سيثبت لديك عادة أن تكون متاحا لنفسك مثلها مثل أي شخص غال عندك.