نال نحو 50 جائزة عالمية محمد مراد: رحلات التصوير بالنسبة لي ملاذي الآمن
مهندس يعشق الكاميرا، مُصوّر اللحظة الساحرة في الحياة البرية الكويتي محمد مراد، لقطاته وثقها بعدسته من شتى بقاع العالم، يحمل الكاميرا فوق كتفه، ويجول متسلحاً بشغف حب التوثيق، سعياً وراء جمال اللقطة، لكن كواليسه وحكاياته قلّما تصل إلى الناس.
«أسرتي» التقت المصور
م. محمد مراد لاكتشاف المزيد من أسرار التصوير لصوره الفائزة بالمراكز الأولى في المهرجانات العالمية، وإليكم التفاصيل:
في البداية.. نشكرك على إتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار، ومبارك الفوز بجوائز كثيرة نفخر بها، وهنا نود أن نسأل لماذا التصوير دون غيره؟
- منذ الصغر وأنا أشاهد أبي وهو يلتقط لي ولإخوتي الصور والفيديوهات لتوثيق مناسبات معينة أو بالسفر، فهذا من الممكن أن يكون أحد الأسباب وأيضا طفرة التصوير في الموبايل هي سبب من أسباب توجهي للتصوير، فأنا بدأت من الموبايل، ومن ثم تم الثناء والتشجيع عليّ من قبل المقربين من الأهل والأصدقاء، فتشجعت واقتنيت أول كاميرا احترافية لي في شهر أكتوبر من عام 2015.
وما علاقتك بهندسة الاتصالات؟ وكيف وقعت في غرام التصوير؟
- الهندسة هي حب وطموح من بعد دراسة
الثانوية، وأعتقد أنها ساعدتني أيضا في التصوير، فدراسة الهندسة ليست بالأمر السهل، وتحتاج إلى الكثير من المثابرة والدراسة والتركيز والجهد والوقت، كذلك تصوير الحياة البرية.
أحب الأمور الصعبة التي تحتاج إلى المثابرة والجهد حتى يتسنى للشخص التميز، الأمور السهلة لا تستهويني أبداً لذلك حبي وشغفي لتصوير الحياة البرية يكمن في صعوبته، حيث لا يستطيع أحد التحكم في هذه الحيوانات، ويقول لها قفي هنا أو هناك أو عند هذه الإضاءة الجميلة مثلاً.
ماذا يعني لك المهرجان الألماني الدولي لتصوير الطبيعة؟
- المهرجان الألماني يعني لي الكثير، حيث إنني من أشد المعجبين بمنتسبيه من الفنانين والمصورين، وأيضا بالمنظمة في حد ذاتها من حيث التوجه والأهداف والرسالة المرجوة منه.
المهرجان الألماني هو مهرجان فقط للأوروبيين، ولا يستطيع أحد خارج أوروبا المشاركة فيه، لكن من حسن حظي أنهم وافقوا على قبولي عضوا مشاركا فاعلا، وهو أمر لم يحدث إلا بعد اختباري، وطلب 20 صورة من تصويري وعرضها على لجان ومن ثم الموافقة عليها، وهو ليس بالأمر السهل.
كوني عضواً في هذه المنظمة هو إنجاز بحد ذاته، ووجود اسم عربي وكويتي من ضمن نخبة من مصورين أوروبيين هو حتماً أمر مهم لتبادل الثقافات والمعرفة، وأيضا لكي يعلموا أن هناك مصورين عربا وكويتيين يستطيعون المنافسة، وفكرة أن الشعوب الخليجية شعوب مترفة تعيش في الصحراء تحت بحار من النفط انتهت، فنحن نخرج في الشتاء والصيف في صحراء الكويت القاحلة دون كلل أو ملل لإخراج صور جميلة من بيئتنا الخاصة.
في مهرجان الـ GDT قدمت عرضاً عن التصوير الفوتوغرافي في الكويت ومنحوني لقب «سفير العرب»
ماذا عن لقب سفير العرب؟
- عندما تلقيت دعوة مدفوعة التكاليف من مهرجان الـ GDT وهو واحد من أكبر المهرجانات المرموقة والمَعْني بتصوير الحياة الطبيعية لتقديم عرض عن التصوير الفوتوغرافي في الكويت، وهي المرة الأولى التي أشارك فيها بمثل هذا الحدث، لا أخفيكم سراً كنت متوتراً بعض الشيء، خصوصاً عندما شاهدت عروض من سبقوني في اعتلاء المسرح، ولكن عندما واجهت الحضور نفضت عن نفسي كل تلك المشاعر، وبدأت في استعراض أفكاري، ولعل ما أثلج صدري التصفيق الحار الذي أعقب محاضرتي.
هذا وقد منحني رئيس ومؤسس المهرجان السابق والعضو الفخري للمسابقة لقب “سفير العرب” وكان بالنسبة لي منحني شعورا جميلا.
ما الذي اكتشفته عدستك من «جواهر طبيعة الكويت الخفية”»؟
- موقع الكويت الجغرافي له أهمية كبيرة بالنسبة لعبور الطيور المهاجرة، فالكويت تمثل عنق الزجاجة لمسارات الطيور في هجرتها السنوية ذهاباً وإياباً، الكويت فيها الكثير عندما نتحدث عن تصوير الحياة البرية، وبفضل من الله تمكنت من إظهار هذا الجانب فيها، وأتمنى أن أكون قد وفقت في إظهار جمال الحياة البرية في الكويت الحبيبة.
وماذا عن صورة «ثعلب العرب الأحمر»؟
- صورة الثعلب أو بالأحرى مجموعة صور الثعالب حازت جوائز كثيرة وفازت بالمراكز الأولى في بريطانيا وألمانيا والهند وأميركا والإمارات وهولندا وإسبانيا والعديد من الدول الأخرى،
فهذه الصور التصقت باسمي إلى حد بعيد، ومنها استلهمت شعاري في موقعي الرسمي أو كما يقولون بصمتي الإلكترونية.
صورة الثعالب هي الأقرب إلى قلبي وعشت معها 3 أشهر
هل هناك صورة معينة ما زالت راسخة في بالك وقريبة منك ولها ذكرى؟
- صورة الثعالب هي الأقرب إلى قلبي، ونحن في الكويت والخليج نلقبها بالحصني، حيث إن هذه الثعالب تحفر جحوراً تشبه الحصن “القلعة”، فيه أكثر من فتحة للدخول والخروج تساعدها في الهروب في حال وجود خطر.
صور الثعالب مع خلفية من إضاءات شوارع الكويت انتشرت إلى حد بعيد عالمياً لدرجة التصاق اسم الثعالب باسمي، حيث فازت الصور بالمراكز الأولى في أغلب المسابقات العالمية، حيث كنت معها بما يقارب ثلاثة أشهر، وأنا أراقبها وأصورها وأتقرب لها يوماً بعد يوم، حتى أصبحت تأتي إلي، وتلعق الكاميرا والعدسة وأصابعي أيضا، وذلك لأنها شعرت بالأمان.
ما المواقف التي لا تنساها حدثت لك أثناء رحلاتك؟
- هناك الكثير من المواقف منها الخطرة، ومنها المضحكة، ومنها الاثنان معا، أذكر أنني كنت أصوّر في منطقة عسير، وكانت أرضا طينية نسميها بالكويتي (صبخة)، دخلت فيها بحذر، لكن للأسف بلعتني الأرض كما يقولون ووصلت حتى صدري، وأصبحت يداي لأعلى لكي أحمي الكاميرا وأكثر منتصف جسمي بالطين، لكن الحمد لله استطعت الخروج بسلام.
ما الأصعب من وجهة نظرك تصوير الإنسان أم الحيوان؟
- تصوير الحيوان هو الأصعب، حيث إننا لا نستطيع التحكم فيه بتاتاً، فنحن نراقب ونشاهد ونتأمل أن يكون في المكان المناسب من حيث الإضاءة والخلفية والزاوية والحدث، وهذا بحد ذاته ما أحبه في تصوير الحياة البرية، التحدي والصبر والتحمل، التحديات تلغي الملل والرتابة، فيصبح الأمر مثيراً للإعجاب بالنسبة لي.
تحدثت على حسابك على الإنستجرام عن قيمة الصمت فماذا يعني لك؟
- أشارك الكثير من الأمور في حسابي، وبصراحة لا أتذكر بالضبط ماذا كنت أقصد في وقتها، ولكن الصمت بالنسبة لي هو السمو عن الأمور غير المهمة والتافهة خاصة في هذا الزمن، فالصمت متعة في زمن كثرت فيه الثرثرة، وأنا من الأشخاص الذين يؤمنون بأن يصمت الإنسان، ويجعل العمل هو الذي يتحدث عن نفسه وعن صاحب العمل، لا مانع من نشر العمل لكي يشاهده الناس، ولكن دون تعظيمه أو المفاخرة به.
من «المسيطر» على عدسة التصوير؟
- المصور هو المسيطر الأول، فهو صاحب الرؤية والقرار في تحديد الفكرة والهدف على حسب ذائقته ونظرته وأسلوبه الخاص، معدات التصوير هي عوامل مساعدة في الحصول على صورة، لكن المصور هو الأساس.
صورة «السلحفاة» بماذا همست لك؟
- صورة السلحفاة كانت في كينيا، وكنت أبحث عن هدف لتصويره وشاهدت هذه السلحفاة الصغيرة تمشي بمحض المصادفة، فهي لم تكن في الحسبان بتاتاً، وتوقفت عندها ونزلت ثواني وصورتها بالموبايل وليس بالكاميرا الخاصة بي الاحترافية، لأن المرشد قال ممنوع النزول في هذه المنطقة، والحمد لله توفقت بالفوز في هذه الصورة.
كم جائزة حصلت عليها حتى الآن؟ وماذا تعني لك؟
- حصلت على العديد من الجوائز العالمية أعتقد قرابة 50 جائزة حتى الآن، ولكن باعتقادي الموضوع ليس بعدد الجوائز، إنما من أي جهة أو مسابقة حصلت عليها، فالجوائز مثل الشهادات الدراسية، هناك من يأخذها من جامعات مرموقة ومعروفة بجهده وتعبه، وهناك من يأخذها من جامعات تجارية بسهولة أو تعب، كذلك المسابقات أو المنظمات المختصة في التصوير،
تعني بالنسبة لي الكثير، لأنني تعبت واجتهدت كثيرا داخل ميدان التصوير وخارجه للحصول على مثل هذه الصور، وبالتالي الفوز في أي مسابقة هو عبارة عن الشعور بالفرح وتحقيق ما أصبو إليه من رسالة وهي إظهار الحيوانات والطيور بشكل طبيعي وجميل للمتلقي.
تابعت رحلاتك في عدة دول، وشاهدت أنها فعلا مميزة، فهل تحكي لنا ما التجربة المميزة في بعض الرحلات؟
- رحلات التصوير بالنسبة لي هي ملاذي الآمن الذي أشعر فيه بالراحة والانعزال عن الحداثة والمدن والصخب وممكن الناس أحياناً، حيث إنني في الغالب أسافر بمفردي، والسفر في حد ذاته له فوائد كثيرة، فما بالك بالسفر إلى مكان أو لشيء تعشقه وتحبه.
أما رحلة التصوير بالنسبة لي فهي رحلة اختلاء مع النفس والذات والتركيز في روعة خلق الله ورؤية جمال الطبيعة والحيوانات، أما إذا كانت رحلة لحضور مهرجان ومسابقة فهي رحلة للتعرف على المصورين من مختلف الجنسيات والثقافات وتبادل الحديث والخبرات، خاصة رحلتي إلى مهرجان ألمانيا لمكانته المرموقة جداً وحفاوة الاستقبال، وشعرت كأنني في بيتي أو وطني.
ما أكثر مشهد أثر فيك أثناء رحلاتك؟
- أعتقد أن أكثر مشهد تأثرت فيه كان في 2018 في تنزانيا، حيث كان موسم ولادة الغزلان، وعند الولادة تفرز إناث الغزلان رائحة معينة، لذلك تكون عرضة للفهود والأسود؛ لأنها تلتقط هذه الرائحة من مسافات بعيدة، فكانت هناك غزالة حاملا، ووضعت صغيرها أمامي.