يرى أن تحسين علاقتنا بأبنائنا لا يستغرق وقتًا… الاستشاري الأسري والتربوي د.أحمد بوعركي: التربية هي التعب الممتع!

أساليب التربية التي كانت مُتبعة في
الماضي لا تتناسب مع أبناء الجيل الحالي
في ظل الأحداث السريعة وما يميز الوقت الحالي من كثرة المعلومات يصبح أولياء الأمور في حاجة ماسة لتغيير وسائلهم التربوية كي تتماشى مع الجيل الجديد ومفاهيمه. ويرفع د.أحمد بوعركي، الاستشاري الأسري والتربوي، شعار التربية أسهل باستمرار ليحث الأهل على اتباع سلوكيات بسيطة ذات تأثير كبير في حياة أبنائهم. التقينا د.أحمد بوعركي الذي حدثنا عن التربية الصحيحة والعشوائية والأساليب الصحيحة للعقاب وموضوعات تربوية عدة تهم كل أب وأم:
يشكو الكثيرون من صعوبة التربية في العصر الحالي، فهل حقًا أصبحت التربية أكثر صعوبة؟
- لا شك أن كل جيل له معطياته وأساليبه وثقافته، فالجيل الحالي له أساليبه في التعامل بما يخالف الأجيال السابقة. على سبيل المثال أجدادنا وآباؤنا كانوا يتعاملون معنا بوسائل تربوية معينة كانت مناسبة لوقتهم، وفي ذلك الوقت كان الدور التربوي يتقاسمه البيت والمسجد والفريج والجار والمدرسة. وبمقارنة هذه المعطيات بوضع الجيل الحالي نجد أن هذه المؤسسات لا تقدم نفس الدور التربوي القديم كما صار الوضع أكثر انفتاحًا.
كانت أساليب التربية في الماضي كالقسوة والضرب والشدة والتجاهل حتى مع وجود علاقة طيبة مناسبة للجيل القديم، ولكن في الوقت الحالي غير مناسبة. فهذا الجيل يحتاج إلى أساليب متجددة وسريعة في التعامل مع الأولاد، فاليوم الأبناء لا يريدون محاضرات طويلة ولكن الخلاصة أو المختصر والطريقة التطبيقية.
التربية العشوائية تكون بلا خطة ولا هدف ويتعامل فيها الأهل بناءً على خبرات سابقة
تُحذر باستمرار من التربية العشوائية، فما المقصود بها؟
- التربية العشوائية هي التربية التي لا خطة لها ولا هدف أيضا وتفتقر إلى الاتفاق بين الأب والأم، حيث يتعامل فيها الأهل مع الموقف بناءً على الخبرات السابقة التي لا تستند الى علم أو خطة أو كما نقول “على البركة”، وهذا النوع من التعامل العشوائي نابع في الغالب من المزاج والوضع الحالي. على سبيل المثال نجد أن الأب أو الأم إذا كان مرتاحًا لا يعقب على سلوك معين أما إذا كان مضغوطا فمن الممكن أن يعاقب أبناءه مما يخلق تشتتًا لدى الأبناء. ومن المفترض أن يكون تعامل الأب أو الأم مع الأبناء بهدف إما تعديل سلوك أو شخصيات أفضل، وما يمكن إجماله في تكوين ولد صالح وخلوق، فإذا كانت هذه الأهداف غير موجودة بالتالي تصبح التربية العشوائية.
التربية العشوائية تسبب خلافات أسرية وعلاقات ضعيفة بين الأبناء والآباء
وما الأضرار التي تقع على الأبناء والأسرة من جراء هذا النوع من التربية؟
- للتربية العشوائية أضرار عدة منها الخلافات الأسرية بين الأم والأب، كذلك يصبح النظام التربوي داخل البيت غير واضح، حيث يتحير الأبناء في الموقف الذي يتخذه الأب والأم، وتكون العلاقات الأسرية بين الآباء والأبناء ضعيفة لأن أغلب القرارات تكون شخصية مرتبطة بوضع الأب أو الأم الحاليين وتلبي حاجات أولياء الأمور وليس الأبناء كما تصبح العلاقة بين أولياء الأمور والأبناء علاقة أمر ونهي فقط. وتتضح آثار هذا النوع من التربية بمرحلة المراهقة بشكل خاص، حيث يشتكي الآباء والأمهات من بعد الأبناء ووجود فجوة في العلاقات بينهم.
وهناك الكثير من القصص التي تعرضت فيها لمثل هذه الحالات. على سبيل المثال قابلتُ حالة كان الأب مشغولا دائمًا بينما تحملت الأم كامل مسؤولية التربية وصار الضغط عليها فأصبحت تتصرف بعشوائية لأنها تحتاج للتعامل مع المواقف والأوضاع، والأب ليس له وجود في هذه المواقف. ولكن مع نمو الأبناء بدأت علاقتهم تتسم بالفتور مع الأب، وصارت أغلب الحوارات بين الأبناء والأم. وحين جاء لي الأب كان أبناؤه يبلغون 17 أو 18 سنة وهو لا يعرف عنهم شيئا ويرفضون دائمًا الحديث معه، وقال أحد الأبناء للأب إنه كان أنانيًا ولم يكن موجودا في حياتهم أثناء صغرهم لذا لن يصبحوا قريبين منه الآن.
أيضًا في حالة أخرى كان فتى يدعو على والده بأن يموت، وهو أمر قاسٍ، ولكن عندما بحثنا في الأسباب وجدنا أن الأب كان أنانيًا للغاية، فكان يهتم بنفسه أكثر دون الأبناء، ودائمًا تدخله يسبب أذى لهم ويمنع عنهم ما يبهجهم، وهذا الأب يعاني من المراهقة المتأخرة التي خلقت هذا العداء.
يجب على أولياء
الأمور استبدال العقوبات بالعواقب
كيف يمكن للأهل تطبيق مبدأ العقاب مع الأبناء في الجيل الحالي؟
- الجيل الحالي لا يفضل فيه العقاب، فالعقاب من الآباء للأبناء في الغالب يكون “تفريغًا انفعاليًا” وتنفيسا عن غضب أو ضغط نفسي واقع على الأم أو الأب، كأن يجد الأب أبناءه يلعبون بصوت عالٍ أثناء عودته من الدوام فيصرخ فيهم ويعاقبهم بحرمانهم من شيء يحبونه. ولكن بنظرة أوسع هذا التصرف ليس سلوكًا تربويًا، فهذه عقوبة دون تعليم، ما يجعل بعض الأهالي يشعرون بتأنيب من سلوكهم ضد الأبناء.
لكن الأصل في التربية أن نعلم الأبناء السلوك الصحيح والخاطئ، إذ نبدل العقوبة بالعواقب، فيتحاور أولياء الأمور مع الأبناء عن السلوك السلبي والآثار المترتبة عليه أو عواقبه، وكل هذا يكون بأريحية قبل حدوث السلوك السلبي. فإذا انتهج الأبناء سلوكًا سلبيًا تكون عواقبه باتفاق الطرفين، ويطبقون العواقب برضا، كل ذلك بعيدًا عن انفعال الأم والأب كما سيأتي الأبناء معتذرين عما بدر منهم من سلوك سيئ لإدراكهم خطأهم، والإدراك صلب العميلة التربوية.
ومن يحتج بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن الصلاة فلم يأمرنا فيه بالضرب إلا بعد سنوات من التعليم والتدريب، وحتى الضرب يكون تنبيهيا. وفي إحدى الحالات التي تعاملت معها كانت الأم تضرب ابنتها ضربًا مبرحًا لو خالفت أمرها، ولكن الفتاة نتيجة اعتيادها على الضرب أصبحت تفعل ما تريد وهي تعلم أن الأم ستضربها وتأتي لها وتقول ضربيني وتقوم بما تريد، إذن الضرب لا يصبح علاجًا أبدًا أو طريقة للتربية.
من قواعد العقاب ألا نقلل من قيمة الأبناء وأن نفصل الفعل عن الفاعل
وما محاذير وقواعد العقوبات التي ينبغي على أولياء الأمور الالتزام بها؟
- أولًا يجب ألا تكون القرارات مضرة نفسيًا أو فكريا أو بدنيًا والضرر قد يكون غير ملموس، مثلًا الانفعال العالي قد يسبب خوفاً هستيرياً لدى الأبناء فيما بعد. ثانيًا ألا يكون فيها إيذاء جسدي. ثالثًا ألا تقلل العقوبة من قيمة الأبناء. والقاعدة الرابعة هي أن نفصل الفعل عن الفاعل، فإذا كان لدى أبنائي سلوك سلبي أتعامل مع الفعل وليس الفاعل، وللأسف أغلب الآباء يغفلون هذا الأمر فقد يقولون لأبنائهم “أنا لا أحبك” أو “زعلان منك” لأنك أقدمت على فعل سيئ، وهو ما يشعرهم بفقد الحب مما يزيد السلوك السلبي، فلنستبدل الكلام بعبارة أنا أحبك، ولكن يحزنني السلوك السلبي الذي أقدمت عليه بما يجعل الأبناء يعملون على تغيير السلوك. والقاعدة الخامسة معرفة أولياء الأمور لأهداف العقوبة. وأخيرًا نصيحة للأم والأب إذا لم تكن مستعدًا للعقوبة في الوقت الحالي فأجّلها، لأن الانفعال يجعل القرار خاطئا.
وهل يمكن لأولياء الأمور معالجة ما يتركه العقاب الخاطئ من آثار سلبية؟
- من الممكن جدًا فالأصل في التربية أن يعتذر الآباء للأبناء عن الأفعال الخاطئة التي يقدمون عليها. لأن الأبناء يأخذون سلوكياتهم من الأهل، فإذا لم يشاهدوا الآباء والأمهات يعتذرون كيف سيتعلمون هم أنفسهم الاعتذار؟!
وفي إحدى الحالات التي مرت عليّ كان أب يربي أبناءه على الضرب والشدة والحرمان والعقوبات وغيرها، ومع كبر الأبناء بدأ الأب ينتبه لطريقته المخطئة في التربية فجلس مع كل أبنائه على انفراد وأخبرهم بأنه يعتذر منهم لتعامله معهم في صغرهم بقسوة ببعض المواقف، وتحسنت العلاقة بين الأب وأبنائه بشكل رائع.
وما الخطوات التي يمكنهم اتباعها لإصلاح آثار الأساليب الخاطئة في التربية؟
1- إصلاح العلاقة بين أولياء الأمور والأبناء، لكي يتقبل الأبناء المعلومات من الآباء، من خلال جلسة أسرية مع الأبناء والمصارحة معهم بصدق، ولدي قاعدة أكررها بأن “المعلومة المرغوبة مطلوبة.. والمعلومة المفروضة مرفوضة”، لذا يجب على أولياء الأمور تشويق أبنائهم لما يقدمون من معلومات، وبالتالي هم يطلبون مني هذه المعلومة، أما العكس فسيواجه بالرفض.
2 – الاستماع من الأبناء للأساليب السيئة التي يتعامل بها أولياء الأمور مع إعطائهم الأمان.
3- تغيير الأسلوب وتحسينه.
وأخيرًا فليطلب الأب أو الأم من الأبناء مساعدتهم في التغيير من خلال تذكيرهم في حالة العودة للأسلوب، ويجب أن يتقبل الأهل ذلك من أبنائهم، للوصول إلى السلوك التربوي الإيجابي.
احذروا «السلوكيات الخفية» وتأثيرها السلبي على أبنائكم
بعض السلوكيات الخفية قد تترك أثرًا سلبيًا لدى الأبناء فما أبرز هذه السلوكيات؟
- “السلوكيات الخفية” هي أفعال صغيرة ينفذها أولياء الأمور ولا يدركون تأثيرها السلبي على أبنائهم. ومن هذه السلوكيات الصراخ لأن ضرره النفسي سيئ. كذلك المصداقية في الوعود، فإذا أعطى أحد الأبوين أبناءه وعدًا يجب أن ينفذه أو يعتذر عن عدم قدرته على الإيفاء به، لأن تأثير تجاهل الوفاء بالوعود يظهر على المدى البعيد، حيث يفقد الأهل مصداقيتهم لدى الأبناء ما يجعلهم يبحثون عن بديل لهم بشخص يوعد وينفذ.
أيضًا غياب وجود أولياء الأمور وعدم التفاعل الحقيقي مع الأبناء من السلوكيات الخفية الخطيرة، حيث يكون الآباء أو الأمهات موجودين جسدًا بجانب أبنائهم ولكن فكرهم وعقلهم بعيدًا عن الأبناء، فيبحث الأبناء عن بديل آخر غالبًا قد تكون الخادمة كونها أقرب لهم وتتفاعل معهم، أو يتجهون إلى الأجهزة اللوحية والعالم الافتراضي، ويحاولون خلق قيمتهم ومكانتهم في مواقع التواصل.
ويوميًا تأتي لي استشارات من هذا النوع منها الشكوى من تجنب الأبناء للحوار والتفاعل مع الأم والأب، ومع الاستفسار أكثر عن الأمر يتضح أن الأم دائمًا تحمل هاتفها وتتصفح مواقع التواصل ولا تنتبه لما يقصه عليها الأبناء ما يجعلهم يتراجعون عن الحكي لها.
وقد يتنبه أولياء الأمور لهذه السلوكيات من خلال أقوال أبنائهم أو بسؤال المختصين ومن حولهم.
حسّنوا علاقتكم بأبنائكم في ثلاثة أمور رئيسية وستصير علاقتكم ممتازة
وما النصائح التي تقدمها للأهل في التعاملات التربوية السليمة مع الأبناء؟
- بداية لا بد من الاتفاق على العملية التربوية بين الأب والأم في الأساليب التربوية والأهداف والقيم المستهدفة وغيرها، مع تجنب إسناد التربية لشخص واحد. ونصيحتي لأولياء الأمور المشغولين بأن يسندوا الأمر لمن هو أفهم في التربية، فإذا كان الأب مشغولًا يمكن أن يسند مسؤولية التربية للأم ولكن يتدخل في الوقت الذي تحتاج الأم فيه لتدخله، ولا بد أيضا أن يكون مطلعا على كل ما يحدث في البيت يوميًا. إلى جانب القراءة بأي شكل عن مجال التربية.
وأقول لأولياء الأمور حسنوا علاقتكم بأبنائكم في ثلاثة أمور رئيسية، ومنها ستصير علاقتكم ممتازة ولا تأخذ هذه الأمور جهدا أو وقتا:
أولًا: أنصتوا لأبنائكم فلديهم حكايات وأحداث، والأب والأم أقرب الأشخاص لهم.
ثانيًا: حاضروهم، وليس مقصدي بالنصائح والإرشادات، ولكن فيما يهتمون به، حتى وإن كنت تراها أشياء صغيرة وتافهة، ولكن بالنسبة لهم شديدة الأهمية، فلتتحدثوا معهم في اهتماماتهم وهواياتهم وأفكارهم.
وأخيرًا العبوا مع أبنائكم، فنحن جميعًا كبشر نحب اللعب، واللعب يقوي العلاقة بين الأبناء والآباء والأمهات لأنهم يرون فيهم شخصيات مختلفة ويرونهم عن قرب، وهو ما يؤثر فيهم نفسيًا بشكل إيجابي.
كل هذا لا يستغرق أكثر من عشر دقائق في اليوم، ولمن يريد أن يزيد فهذا أفضل، وتكون النتائج أعظم وهي أقل الحقوق من الأهل تجاه أبنائهم.
وأؤكد أن التربية أسهل إذا أردنا أن نسهلها من خلال التعلم والتجربة، فالتربية ليست صعبة وليست سهلة، ولكنها التعب الممتع لأن ثمرتها ونتائجها ملموسة تثلج الصدر، فنحن نرجو أن نربي أبناء صالحين يكونون امتدادًا لوجودنا بعد مفارقة الحياة.
«أسرتي» في كل مكان
داليا شافعي