بسبب ظاهرة النينيو 2024 سيكون على الأرجح أكثـر سخـونة من العام الحالي
عام جديد وموجات من تغيرات الطقس ما بين البرد الشديد وموجات الحر التي حطمت الأرقام القياسية، يعيش العالم على وقع تحذيرات بيئية، منذ أعوام طويلة، لكن السنة الحالية التي تشارف على نهايتها، كانت شاهدة على كوارث وتقلبات غير مسبوقة بسبب الاحتباس الحراري، فيما يستبعد خبراء أن تكون سنة 2024 أفضل حالا، لأن الوضع يتفاقم ويزداد سوءا.
شمل العالم كل كوارث المناخ في 2023، كالفيضانات الجامحة، والزلازل، والبراكين، والجفاف الحاد، بما فيه جفاف بحيرات وأنهار، وحرائق الغابات، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في درجة الحرارة شعر به الجميع على الكوكب.
يقول الأمين العام للمنظمة (WMO)، البروفيسور بيتيري تالاس: “عمليًا، شهد الكوكب كله موجات حر هذا العام. وحدوث ظاهرة النينيو في عام 2023 سيزيد إلى حد بعيد من احتمال بلوغ درجات حرارة قياسية أكثر فأكثر، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الحرارة الشديدة في أجزاء كثيرة من العالم، وفي المحيط، ويجعل التحدي أصعب”.
وقال الدكتور Tedros Adhanom Ghebreyesus، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية (WHO) “إن أزمة المناخ أزمة صحية تؤدي إلى ظواهر طقس أكثر حدة، ولا يمكن التنبؤ بها، وتؤجج فاشيات الأمراض، وتسهم في ارتفاع معدلات الأمراض غير السارية، ومن خلال العمل معاً لجعل الخدمات المناخية عالية الجودة في متناول القطاع الصحي، يمكننا المساعدة على حماية صحة ورفاه الأشخاص الذين يواجهون مخاطر تغير المناخ”.
من المتوقع أن يصل عدد ظواهر الكوارث المتوسطة أو الكبيرة النطاق إلى 560 ظاهرة سنوياً – أو 1.5 ظاهرة يومياً – بحلول عام 2030. ووفقاً للأرقام الواردة في التقرير، فإن البلدان ذات التغطية المحدودة للإنذار المبكر لديها وفيات أعلى بمقدار ثمانية أضعاف من البلدان ذات التغطية من الكبيرة إلى الشاملة.
ويُخصص قسم خاص للحرارة الشديدة، التي تسبب أكبر معدل وفيات في جميع ظروف الطقس المتطرف. ومع ذلك، لا تُقدر الآثار حق قدرها؛ لأن الوفيات المرتبطة بالحرارة قد تكون أعلى 30 مرة مما هو مسجل حالياً. وتُقدم خدمات الإنذار بالاحترار لصُنّاع القرار في القطاع الصحي في نصف البلدان المتضررة فقط، ولكن من المتوقع أن تزداد بسرعة بحلول عام 2027 في إطار المبادرة الدولية للإنذار المبكر للجميع.
مناخ النينيو..
«الولد الصغير» الآتي بالجفاف والفيضانات
”النينيو” كلمة بالإسبانية تُطلق على الولد الصغير تحببًا، لكن في مجال علم المناخ والبيئة، لها وقع صارم وخطير.. علماء مناخ حذروا مؤخرا من أن الأرض تشهد حاليا انطلاقة جديدة لظاهرة “النينيو”، ستؤدي إلى رفع درجات حرارة المياه في المحيط الهادئ، وتؤثر على مسار الرياح في تلك المنطقة.. سينعكس هذا بآثار كارثية على عدد من الدول تتمثل بموجات جفاف حادة أو فيضانات. العلماء حذروا أيضا من أن مفاعيل هذه الظاهرة الطبيعية، التي تحدث كل بضع سنوات، ستتضاعف نتيجة الاحتباس الحراري الناجم عن أنشطة البشر.
ويشهد العالم ظروفا مناخية قصوى في بعض الأحيان تثير فضول العلماء من حيث توقيتها ومستويات عنفها. في هذا الإطار، أعلن خبراء في مجال المناخ أن الكرة الأرضية تواجه حاليًا انطلاق ظاهرة “النينيو” في المحيط الهادئ، وأنها من المحتمل أن تتسبب بارتفاع درجة حرارة الكوكب مستفيدة من التغيرات المناخية الطارئة مؤخرا.
علماء أميركيون أكدوا بدء الظاهرة، مرجحين أن تؤدي بالعام 2024 ليكون أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، وسيشهد تسارعا بالجفاف في أستراليا ومزيدا من الأمطار جنوب الولايات المتحدة ورياحا موسمية ضعيفة في الهند.
م. مريم السعد: أضرار التغيرات المناخية.. وخيمة جدًا!
في حديثنا مع ممثلة منظمة “المناخ” المهندسة مريم السعد – الحاصلة على ماجستير في تخصص المدن المستدامة – قالت: الكويت متأثرة جدًا بالتغير المناخي كونها إحدى أحرّ الدول عالميًا، حيث ارتفعت درجة الحرارة في الكويت بمقدار 11.3 درجة سيليزية خلال السبع السنوات الماضية فقط، وسُجلت درجات تصل إلى 54 درجة سيليزية. غير ذلك، ارتفاع منسوب مياه البحر يشكل خطراً على البنية التحتية المجاورة للمياه وأيضا على الجزر الكويتية مثل بوبيان التي من المتوقع أن تغرق بالكامل خلال العقود القادمة. خطر آخر يتمثل في ندرة المياه العذبة وزيادة العواصف الترابية.
وعن الأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية، أكدت مريم السعد أنها وخيمة جدًا، ولا تؤثر فقط على الأنظمة البيئية، بل تؤثر إلى حد بعيد على الصحة البشرية والمجتمعية، حيث هذه الآثار تؤثر سلبًا على الصحة العامة والقابلية للعيش الكريم، آثار مثل التلوث الجوي الناجم عن الانبعاثات الكربونية والعواصف الترابية وأيضا أثر القابلية للتعرض للإجهاد الحراري، كما أن آثار التغير المناخي تؤثر على الفئات المستضعفة في المجتمع مثل أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال أكثر من الآخرين في المجتمع.
وعن الارتفاع في درجات الحرارة الذي يشهده الكوكب، قالت مريم السعد:
إن “الارتفاع في درجات الحرارة الذي نشهده هو غير طبيعي؛ نظرًا لسرعة التغيرات التي نشهدها، وكون هذه التغيرات ناتجة عن أنشطة بشرية مثل التنجيم عن الوقود الأحفوري”. لارتفاع درجات الحرارة أيضا تأثير سلبي على النظم الإيكولوجية (البيئية) والحياة البرية، بمعنى أن ارتفاع درجة حرارة مياه البحر سيتسبب في هجرة واسعة النطاق لفصائل الأسماك إلى المناطق المجاورة، بالإضافة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يعني أنه ستكون هناك زيادة في استخدام نظم التبريد الداخلية، والذي يعني بدوره تزايد الطلب على الطاقة، وهو ما يُترجم إلى المزيد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.. ونظرًا لأن الدولة تعتمد على مصادر الطاقة غير المستدامة، يعني هذا أن آثار التغير المناخي تتضاعف لهذا السبب، ما يخلق دورة لا تنتهي من الآثار السلبية.
تطبيق الاستدامة للتكيف مع التغير المناخي
وعن توقعات أن عام 2024 سيكون أسخن وأشد حرارة من العام الحالي، قالت السعد: يمكننا أن نطبق مبادئ الاستدامة التي تعمل على التكيف مع التغير المناخي وتقليل المخاطر المتعلقة بذلك من خلال استخدام تقنيات تبريد للمناطق مثل تطوير الرقعة الخضراء والزرقاء.
د. ريم العوضي:
الحزام الشجري في الكويت ضروري لضمان الأوكسجين
وقالت د. ريم العوضي أستاذ كلية العلوم- قسم علوم الأرض والبيئة إنه في ظل التحديات البيئية التي تواجه كوكبنا، بات من الضروري البحث عن حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة، وتلعب التقنيات الخضراء دوراً مهماً في تقليل الأثر البيئي للأنشطة البشرية، فتساهم في الحدّ من انبعاثات الكربون واستهلاك الموارد الطبيعية، وتعزز فرص البقاء من خلال زيادة إنتاج الغذاء وتوفير المياه، وتحفظ التنوّع الحيوي والموائل الطبيعية.
وتعزز التقنيات الخضراء، المدفوعة بالتقدم في العلوم والهندسة، كفاءة استخدام الطاقة والموارد الطبيعية عامةً.. ومن أبرز الأمثلة استخدام مصادر الطاقة المتجددة، حيث تمثّل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الحرارة الأرضية الجوفية، بديلاً نظيفاً ومستداماً يخفّض انبعاثات غازات الدفيئة. كما تلعب تدابير الكفاءة دوراً حاسماً في تقليل استهلاك الطاقة والآثار البيئية المرتبطة به.. فمن خلال عزل المباني، واستخدام الأجهزة الموفّرة، وتحسين العمليات الصناعية، يمكننا تقليل استهلاك الطاقة بشكل كبير.. وهذا لا يحافظ على الموارد فحسب، بل يخفض التكاليف أيضا، ويساهم في التخفيف من آثار تغيُّر المناخ.
وأوضحت د. ريم العوضي أنه لا بد من وجود حزام شجري في الكويت الذي يصبح خياراً اضطرارياً لضمان أوكسجين أجيال المستقبل في الكويت المنتج من الأشجار، حيث تحذر مؤشرات بيئية وعلمية مختلفة من تدهور نسبة الأوكسجين في هواء الكويت؛ بسبب زيادة تركز ملوثات ناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة، وقد بات الغطاء النباتي والحزام الشجري الحالي عاجزا عن توفير كميات الأوكسجين المطلوبة في الهواء في ظل زيادة تركز الغازات الكربونية وانبعاثات الملوثات الغازية الأخرى.
وتعتبر الأشجار والغابات عموما المنتج الأكبر للأوكسجين في الهواء بعد أن تقوم تمتص منه غازات الكربون.. ونظرًا لزيادة تدهور الغطاء النباتي في الكويت بات توافر الأوكسجين في الهواء بالمعدلات العالمية المطلوبة مستقبلا في خطر.. وباتت حلول دعم التشجير خيارا اضطراريا، فلمقاومة سرعة وتيرة زحف التصحر والتغيرات المناخية والارتفاعات المستمرة لدرجات الحرارة التي يفوق تسارعها التوقعات الحكومية تبدو البلاد مضطرة لمضاعفة معدلات التشجير للمساعدة على الوصول إلى هدف إنهاء انبعاثات الكربون تماماً بحلول 2050، وذلك في إطار الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ.
وقد زادت انبعاثات الغازات الكربونية في أجواء الكويت، ما يؤثر على جودة الهواء والأوكسجين الطبيعي في ظل محدودية غطاء نباتي ومساحات خضراء غير قادرة اليوم على امتصاص حجم غازات الكربون المنبعث.