من أفضل روايات عام 2023 «نادية» المصرية.. «ميمي» الإفريقية.. و«تِتي» اليونانية-الليبية.. أرواح تنتمي للجذور
ليست بالضرورة أن تكون واحدة من هذه الروايات الخمس فائزة بالجائزة الكبرى في أي مسابقة عربية أو دولية لعام 2023.. لكن يكفي ترشحها لواحدة من تلك الجوائز الرفيعة كي تنال الاهتمام.. بل إقبال القراء عليها يعد مقياسًا مهمًا أيضًا لقيمتها الأدبية.. وهذه هي الروايات الخمس التي اخترناها:
تبدو قلادة فَرَس النهر التي تعلّقها في رقبتها وكأنّها من أيام الفراعنة.. تهوى جمع الدُّمى ذات الرؤوس النطّاطة.. وتدافع بجدٍّ عن تاريخ حضارتها المصريّة.
نادية والحقيقة السحرية – باسم يوسف:
ما أجمل التمسك بالجذور!
هي قصة تعالج قضية الاختلاف بين الثقافات وضرورة التعايش بينها.. وهي قصّة للناشئة كتبها الكاتب والكوميدي المصري باسم يوسف وكاثرين ر. دالي، مع رسوم دوغلاس هولغيت، وذلك بترجمتها العربية من الإنجليزية (“The Magical Reality of Nadia”) عن دار هاشيت أنطوان.
«نادية».. شابّةٌ هاجرت من مصر إلى أميركا في السّادسة من عمرها
”نادية” بطلة القصة هي شابّةٌ هاجرت من مصر إلى أميركا عندما كانت في السّادسة من عمرها. تبدو قلادة فَرَس النهر التي تعلّقها في رقبتها وكأنّها من أيام الفراعنة.. هي بالفعل من مصر القديمة! نادية تهوى جمع الدُّمى ذات الرؤوس النطّاطة، وتُخبّئ في جعبتها “معلومة عالماشي” لكلّ مناسبةٍ وحدثٍ.. وتدافع بجدٍّ عن تاريخ حضارتها المصريّة. تعيش اليوم محاطةً برفاقها، “شلّة الدّحّاحين”.. لكنّ يوميّاتها لا تخلو من المواقف الصّعبة، خاصة مع قدوم تلميذٍ جديدٍ إلى المدرسة لا يتوقف عن مضايقتها، فبعد أن كانت الأمور تسير على ما يرام” جاء ذلك التلميذ الجديد، وراح يسخرُ مِن جذورها المصرية! والنتيجة إرباك تامّ خاصة؛ بسبب العنصرية والتهكم لديه على جذور نادية المصرية! كذلك ظهور رجلٍ صغيرٍ من تميمة أنتيكة على شكل فرس نهر أثار دهشتها، وأضاف إلى حياتها نكهةً مزجت بين الطرافة والغرابة.. حيث ما زاد الطين بلّةً أنّ قلادتها راحت تَلمع!
وإذا بنادية تكتشف أنّ وراء فرس النّهر المعلّق في عنقها سرًّا فرعونيًّا “مفيدًا” وعجيبًا،
قد يحوّل حياتها إلى مغامرةٍ سحريّة!
القصّة تسلّط الضّوء على مواضيع ثقافيّة واجتماعيّة متنوّعة، ومنها: الحضارة المصريّة.. الافتخار بالجذور والتمسّك بها مهما بعدت المسافات.. العنصريّة المتجذّرة بين التلاميذ والحدّ منها عبر تعاون الأصدقاء المتحدّرين من أصولٍ متنوّعة وتقبّل اختلافاتهم.. المشاكل بين الزملاء كالتفرقة العنصريّة وحبّ السيطرة وفرض الرأي على الآخر.. آفة التنمّر بين التّلاميذ والرّفاق.. أهمية التّرابط العائلي وضرورة اعتماد الحوار والتواصل بين الأهل والأولاد.
باسم يوسف ذلك الكوميدي ومُقدّم برنامج “ديلي شو” السّاخر وصاحب التأثير الإعلامي الكبير في الدفاع عن قضية غزة وشعبها ضد التحيز الإعلامي الغربي.. تعاون مع الكاتبة كاثرين ر. دالي.. وهي مؤلّفة مجموعة من الكتب الموجهة للقراء الصغار، من ضمنها سلسلة “بيتل بوشرز” للمرحلة المتوسّطة، وكتاب “بريلا أند ذا بترفلاي لاي” من “ديزني فيريز”. تعيش حاليًّا في نيويورك مع عائلتها وكلبهم النّشيط جاك، وهو من فصيلة بوسطن تيرير.
قام برسوم القصة دوغلاس هولغيت وهو رسّام “ذا لاست كيدز أون إيرث”، سلسلة نيويورك تايمز الأكثر مبيعًا للمؤلّف ماكس برالييه.
تحدث باسم يوسف عن تجربته هذه في كتابة قصة في ندوته الأخيرة في معرض الشارقة للكتاب، فقال:
موضوع الكتاب بدأ من خلال الكلام مع الوكيل الخاص بي، سألني هل تحب كتابة كتاب أطفال، أجبت أني لم أفكر يوما بذلك. قال لي اجلس مع نفسك واستحضر ماذا ستقول لطفلتك لو كنت ترغب في الحديث معها، وأنا بالطبع مهاجر مصري في أميركا فكيف أقوم بعمل كتاب يدمج حضارتين، الحضارة التي عشتها أنا وما تعيشه طفلتي اليوم في أميركا، فكانت الفكرة أن شخصية الكتاب الرئيسية واسمها نادية على اسم ابنتي موجودة في مدرسة، وتعاني مشاكل لأنها قادمة من بيئة ومكان مختلف، وفي الوقت نفسه تملك أداة تمكنها من العودة إلى تاريخها القديم، واستلهمت ذلك من قصة علاء الدين، فكانت فكرة الكتاب الرئيسية الحديث عن الاختلاف، وكيف يمكن التعلم والاستفادة من هذا الاختلاف، لأنني أؤمن بأن الحياة عبارة عن رحلة تعلم مستمرة.
أيام الشمس المشرقة – ميرال الطحاوي
ترشحت لجائزة البوكر أو الجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام، بل دخلت في القائمة القصيرة. كتبتها الروائية المصرية ميرال الطحاوي.
تبدأ رواية اأيام الشمس المشرقةب بانتحار جمال، الشاب الممزق الهوية، وتنتهي مع انتحار ميمي الفتاة الإفريقية الناجية من مذبحة عرقية في بلادها، وما بين الحادث الأول والمشهد الأخير تدور أحداث الرواية في بلدة صغيرة متخيلة تُسمى االشمس المشرقةب، التي تقع على الحدود الجنوبية الغربية لأميركا، وتشهد سواحلها بشكل يومي عمليات تهريب
العمّال والمهاجرين
غير الشرعيين.
تسلط الرواية الضوء على فئة مهمشة يظن الجميع، على عكس الواقع، أنها الفئة الناجية، وتمنح لهؤلاء المهمشين في المجتمع الغربي صوتاً، وتحفر عميقاً في أسئلة تخصهم. اأيام الشمس المشرقةب نموذج مثالي لتيهة الهجرة، لكنها، قبل كل شيء، رؤية الغريب التي تتمتع بالتمرد على الواقع الجديد، مع ذلك يخلق أسلوباً للتكيف مع قسوته.
كونشيرتو قورينا إدواردو – نجوى بن شتوان
كتبتها الروائية الليبية نجوى بن شتوان. وهي أكاديمية وروائية ليبية من مواليد أجدابيا، ليبيا، عام 1970. كانت أول كاتبة ليبية تصل إلى القائمة القصيرة للجائزة عن روايتها “زرايب العبيد” (2016) في العام 2017. صدرت لها ثلاث روايات أخرى، هي: “وبر الأحصنة” (2007)، “مضمون برتقالي” (2008)، و”كونشيرتو قورينا إدواردو” (2022). تم اختيارها ضمن أفضل 39 كاتباً عربياً تحت سن الأربعين في مشروع بيروت 39 الذي نظمه مهرجان هاي. ودخلت روايتها هذه القائمة القصيرة لجائزة البوكر أو الجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام.
تحكي رواية “كونشيرتو قورينا إدواردو” قصة فتاة ليبية ونشأتها في ليبيا، وتأثير السياسة والحرب على حياتها وأسرتها. تنتمي البطلة إلى عائلة من أصول يونانية وهم أقلية عرقية ليبية لديهم ثقافتهم الخاصة والمتميزة داخل المجتمع الليبي متعدد الأعراق. من منظور البطلة، نرى المجتمع الليبي وتبدلاته منذ سنوات السبعينيات وصولاً إلى الثورة التي أسقطت القذافي سنة 2011 والحرب الأهلية سنة 2014.
تصف الرواية مقتل الأب خلال فترة ما يُعرف بالثورة الثقافية في ليبيا، وتأميم مصنع العائلة
وانعكاس التغير الاقتصادي الكبير
الذي حدث على حياة الأسرة وأفرادها. تعرج الرواية على عدة مواضيع، منها يهود ليبيا وقصة خروجهم أو طردهم سنوات الستينيات؛ الحرب الأهلية وانعكاساتها على النسيج الاجتماعي؛ تهريب الآثار والعبث بالإرث التاريخي لليبيا؛ والتلاقح الثقافي والعرقي بين شعوب البحر الأبيض المتوسط. الرواية ترسم بانوراما التحولات التي عرفتها ليبيا منذ ما سمي بالثورة إلى أن انهارت هذه الثورة نفسها، وفتحت البلاد أمام انكسارات كبيرة- حسب تعريف الجائزة للرواية.
من مقاطع الرواية:
”كنا نتسلّل إلى غرفتها لنتأمّلها كيف تنام، واضعة أسنانها بجانبها على الكومودينو، مُسدلة على قدميها منشفةً للحيلولة دونهما ودون الكائنات غير المرئية التي تأتي في الليل لتأخذ أقدام النيام، وتمشي بها واضعة مكانها الكوابيس والأحلام المزعجة.
كنّا نحفظ شكل المنشفة كي لا نمسّها بعد مغادرة تِتي أتريا إلى سوسة. كما كنّا نربط كلامها أثناء النوم بأسنانها المنزوعةِ، ونومها ممدّدة على ظهرها، إلى أن يتأثّر كل من ينحدرون من إغريق قورينا وسوسة بالموتى الأزليين الذين يشاركونهم المدينة نصفًا بنصف. إلّا أن الموتى لا يشخرون، وتِتي أتريا يصل شخيرها إلى روما. كان أخي أيوب يحيك لنا قصصًا مخيفة عن بيت تِتي أتريا وعن البحر الذي غمر جزءًا من البلدة القديمة، وسيغمر بيت جدي لا محالة بعد مضي تِتي أتريا إلى ربّها، لعله في انتظار رحيلها ليفعل، فالبحر ليس ببعيد، لكنّه لن يتمدّد ليُغرق امرأة غارقة في الوحدة”.