أول مصممة أزياء لذوي الاحتياجات الخاصة Victoria Jenkins حوّلت معاناتها مع المرض إلى طاقة نور لمن يشاركنها المعاناة
فيكتوريا جنكينز مصممة أزياء وكاتبة بريطانية استثنائية استطاعت خلال سنوات قليلة من العمل المتواصل أن تخط اسمها بحروف من ذهب في عالم الأزياء والموضة، أسست أول علامة تجارية قابلة للتكيف ومخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة تُباع في شارع أكسفورد الرئيسي في لندن.
قبل جنكينز (36 عاما) وعدد محدود من المصممين المعنين بتلك الفئة الخاصة من المجتمع لم تكن أزياء أصحاب الإعاقات جزءا من اهتمامات مصممي دور الأزياء العالمية، بل ولم نسمع يوماً عن عروض أزياء مخصصة لهم أو حتى مدرجة على قوائم العروض العالمية التي تقام بشكل نصف سنوي إلى أن ظهرت المصممة بعلامتها التجارية (Unhidden) للأزياء التكيفية والمستدامة لتغزو الأسواق، وتدخل على خط العروض العالمية لتقدم أجمل ما لديها من تصميمات تجمع بين الأناقة والمواصفات الخاصة التي تمكن السيدات اللاتي يعانين من بعض المشاكل الحركية والصحية من ممارسة حياتهن بشكل أفضل وأداء أسرع
دون الانتقاص من أناقتهن.
وفي أسبوع لندن للموضة لخريف/شتاء 2023، والذي أقيم في فبراير الماضي خرجت المصممة على الجمهور بتشكيلة رائعة من الأزياء الفخمة الخاصة بتلك الفئة المميزة من المجتمع المفاجأة الكبرى كانت في انتقائها لعارضات من ذوي الاحتياجات الخاصة ليقدمن الأزياء على منصة العرض.
كان العرض مذهلا حسب ما كتبته وسائل الإعلام المتخصصة التي تحدثت عن تصميمات الدار التي تضمنت مجموعة من السراويل المصممة، خصوصًا لمستخدمي الكراسي المتحركة، والتي تحتوي على جيوب جانبية عميقة تمنع سقوط المحتويات إلى جانب تركيزها على أحزمة الخصر المرنة التي تساعد المقعدات على الحركة بسلاسة على الكراسي المتحركة.
أيضا ظهرت الفساتين المفتوحة بشكل معين من عند الأذرع والبطن لإتاحة الفرصة لوصول الأدوية الوريدية بسهولة، خصوصاً لمن يخضعن للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي، إلى جانب تصميمات أخرى صممت للهدف نفسه مع اختلاف نوع الإعاقة.
معاناة جنكينز كانت البداية
رغم قلة المعلومات الخاصة بحياة المصممة الشخصية، إلا أن المؤكد هو أنها الطفلة الثانية من بين 6 أطفال نشأوا جميعا في قرية أوكسفورد شاير، وأنها استطاعت أن تُحول معاناتها مع المرض إلى نجاح وطاقة نور لكل من يشاركنها المعاناة نفسها.
وتبدأ رحلة المصممة بعد تخرجها 2008 في جامعة “London School of the Istituto Marangoni” التي درست فيها تصميم الأزياء بسبب حبها للرسم منذ طفولتها، وفي هذا السياق قالت المصممة في أحد لقاءتها الصحافية إنها كانت تريد أن تتعلم رقص الباليه أثناء طفولتها، ولكن لحسن الحظ أنها لم تستطع بسبب تعرضها لكسر في الساق من جراء سقوطها على الأرض.
وفي عام 2003 تم تشخيص جنكينز بأنها مصابة بمرض مناعي (multiple digestive conditions) يسبب إعاقة خفية تمنعها من ممارسة حياتها اليومية بشكل طبيعي جراء المضاعفات الشديدة للمرض من بينها الآلام المبرحة في البطن والانتفاخات الشديدة غير معلومة السبب ومشاكل كثيرة أخرى تتطلب سلسلة من الجراحات.
وتعاني 1 من بين كل 7 سيدات بريطانيات من إعاقة خفية غير مرئية كما هو الحال بالنسبة للمصممة، وهو ما يعد رقما كبيرا يتطلب العمل على الحد منه وتسهيل حياتهن.
عملت جنكينز بعد تخرجها لدى عدة علامات تجارية عالمية من بينها Goddiva” , Jack Wills”, “All Saints”,” Sweaty Betty” and Victoria Beckham ولكن معاناتها مع مضاعفات المرض التي كانت تعوقها عن القيام بأداء وظيفتها مديرة إبداع إلى جانب النقص الكبير في أزياء المعاقين وشعورها الدائم بعدم الراحة إلا إذا ارتدت بيجامة النوم أجبرها على التنازل عن عملها بشكل نهائي، والاكتفاء بالعمل بالقطعة لحسابها الشخصي إلى أن أسست علامتها التجاريةتتزUnhiddenس المعنية بالأزياء المتخصصة والموجهة لصالح فئة المعاقين وأصحاب الأمراض المستعصية التي تتطلب علاجات خاصة.
انكسار مريضة السرطان كان السبب
وتقول المصممة إن عملها بالقطعة أعطاها المزيد من المرونة والوقت لمراعاة حالتها الصحية من ناحية، ومن ناحية أخرى العمل مع دور الأزياء الناشئة، ومن بينها علامتها التجارية، التي أكدت أنها جاءت وليدة اللحظة، وتضيف أن الفكرة راودتها في 2016 في أثناء تواجدها في أحد مستشفيات لندن لتلقى علاجها الدوري، حيث شاهدت منظرا أصابها بالفزع والضيق، وكان لسيدة متعافية من السرطان، ولكنها تستكمل علاجها للتخلص من مضاعفات العلاج الكيماوي على أمعائها، حيث كانت مضطرة إلى خلع ملابسها على مرأى ومسمع من الطبيب المعالج والممرضات كي تحصل على علاجها عن طريق البطن والذراع.
هذا المنظر المهين والمخجل كان مصدرا لإلهام المصممة لتصميم ملابس شاملة وقابلة للتكيف مع متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، وتساءلت بينها وبين نفسها عمن هو أفضل منها للقيام بتلك المهمة الصعبة.
في السياق نفسه، أعربت جنكينز عن استيائها من هذا النقص الكبير في أزياء ذوي الاحتياجات الخاصة، وقالت إنها أقل كثيرا من أزياء الدمى أو حتى ملابس الحيوانات الأليفة حسب ما قاله لها أحد أصدقائها من العاملين في هذا المجال.
هذا الوضع المؤلم كان نقطة البداية لفتح جديد في عالم الأزياء، ونوهت بأنها تصمم أزياءها في لندن، ولكن التنفيذ يتم عن طريق أحد المصانع في بلغاريا على أيدي مجموعة من السيدات اللاتي يقمن بجمع بقايا الأقمشة المستخدمة سابقاً من قبل دور الأزياء الأخرى، وذلك للحد من النفايات الضارة بالبيئة وتقليل التكلفة على المستهلكات بحيث تكون في متناول أيديهن.
واستمر العمل الشاق على هذا المنوال لأربع سنوات متتالية، حتى تم الإعلان عن إطلاق أول مجموعة للدار في 2020، ولكن انتشار وباء كورونا “كوفيد – 19” في العام نفسه ألقى بظلاله على مبيعات الدار، وهو ما شكل ولا يزال يشكل التحدي الأكبر للمصممة، خصوصا أنها تعتمد بشكل رئيسي على عملها المتقطع والكورسات التي تنظمها بهذا الخصوص.
وتهدف جنكينز إلى الوصول إلى أكبر قطاع من المستهلكين، ومن بينهم طبقة العمال الكادحة، فالأزياء بالنسبة لها ليست مجرد ملابس: “أريد أن يكون للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة خيارات أكبر للتعبير عن أنفسهم من خلال الملابس العملية والمريحة والأنيقة وكذلك المستدامة”.
وإذا كانت موهبة المصممة وإصرارها على تحدي إعاقتها بالفكاهة والمحافظة على هدوئها النفسي أياً كانت الضغوط الخارجية سبباً في نجاحها، فبالتأكيد عملها الدؤوب هو السبب الرئيسي في وصولها السريع للعالمية بسرعة الصاروخ.
وتقول فيكتوريا جنكينز:
لن تصبح الموضة الشاملة حقيقة واقعة إلا إذا كان هناك المزيد من الأشخاص العاملين في هذه الصناعة. يجب على ماركات الأزياء أن تفعل ما تفعله بشكل أفضل، وأن تطبق إبداعاتها لتحقيق ذلك.
من فيكتوريا جنكينز
هي مصممة تكيفية حائزة جوائز، ومدافعة عن الإعاقة، ومتحدثة وكاتبة. درست تصميم الأزياء في معهد Istituto Marangoni وتخرجت في عام 2008.. وقد أمضت الـ 14 عامًا الماضية في العمل تقنية ملابس قبل أن تعمل لحسابها الخاص في عام 2017 عندما أصبحت أيضا مستشارة مبتدئة ورسامة فنية. أصبحت معاقة في منتصف العامين من عمرها ولديها مجموعة متنوعة من حالات أعراض الجهاز الهضمي والجهاز العضلي الهيكلي من العمليات الجراحية ومضاعفات حالاتها.. وهذا ما أدى إلى قيامها بتأسيس Unhidden، وهي مجموعة أزياء تكيفية مسؤولة اجتماعيًا للأشخاص ذوي الإعاقة في أوائل عام 2021، كتبت كتابها الأول، The Little Book of Ableism، كدليل لمساعدة الأشخاص غير المعاقين على تعلم طرق بسيطة وسهلة للتواصل مع المجتمع والوصول إليهم في حياتهم الخاصة والمهنية. تتحدث بانتظام عن القدرة والتصميم الشامل، بالإضافة إلى تمثيل الإعاقة وتصويرها في وسائل الإعلام.