الطهي الجماعي انتشلها من الاكتئاب.. مي حسن: «حلّة وصل».. مبادرة للتواصل الجماعي.. بالطهي الجماعي!
حينما سألوها عما تريد أن تفعله في حياتها، أجابت: عمل «مساحة للطبخ» أتشارك فيها مع زملائي الطهي وتبادل الأحاديث
مي حسن صاحبة مبادرة «حلة وصل» أو ما يعرف بالطهي العلاجي هي واحدة من ضمن ملايين البشر ممن يعانون من عدم القدرة على التواصل مع الآخرين بالشكل المطلوب، فعلى الرغم من حصولها على درجة الماجستير في الهندسة قسم التحكم الآلي، وعملها مدرسة للرياضيات، إلا أنها كانت تجد صعوبة شديدة في التعبير عن نفسها والتواصل السلس مع المحيطين بها، ربما بسبب شخصيتها الانطوائية الخجولة، أو ظروفها الشخصية الصعبة، فهي أم معيلة لثلاثة أطفال من زيجة انتهت بالانفصال بعد عدة سنوات من الزواج.
اأنا شخصية انطوائية بطبيعتي.. أحب الناس، ولكن لا أجيد التواصل معهم بالكلامب. وأضافت أنها لم تكن قوية ولا مستقلة آنذاك اهذا ما اكتشفته مي حسن من خلال ورشة احكيب التي التحقت بها في أثناء رحلة البحث عن الذات بعد سنوات من المعاناةب. وتضيف أنها دخلت في حالة من الاكتئاب الشديد منعتها من القيام بأبسط المهام المنزلية التي اعتادت القيام بها.
اكنت أعشق دخول المطبخ كوني أحب الطبخ وأتقن فنه، ولكن بسبب ما تعرضت له من إخفاقات عائلية كرهت مجرد الوقوف فيه، كنت أشعر بطاقة سلبية تملأ كل أركان المنزلب.
وتستطرد: إنها لم تستسلم وبدأت في رحلة العلاج من خلال الالتحاق بورش تعزيز الذات وتطويرها إلى جانب العلاج النفسي الذي اكتشفت خلاله أنها ليست الوحيدة التي تعاني من عدم القدرة على التواصل، بل هي مشكلة يعاني منها ربع سكان الكرة الأرضية.
وتوضح مي حسن أنهم حينما سألوها أثناء ورشة احكيب عما تريد أن تفعله في حياتها، فكانت إجابتها هي عمل امساحة للطبخب تتشارك فيها مع زملائها الطهي وتبادل الأحاديث، ومن هنا استوحت فكرة المشروع.
بداية مشروع «حلة الوصل»
أما البداية الفعلية للمشروع فكانت عندما أصيبت مي حسن قبل انفصالها بالاكتئاب الحاد، كانت تزور أصدقاءها من الموسيقيين، وأثناء تدريبهم كانت تقوم بعمل الكيك الطازج، ومن ثم أصبحوا جميعا يتشاركون في الطهي ويجتمعون تلقائيا لمشاركتها الطهي اكنا نتبادل الأحاديث المختلفة التي كانت تحسن من مزاجي العام ومن حالتي النفسيةب، اهذا الاندماج جعلني أشعر بحالة من الحب والود ولدت لي فكرة تعميم التجربة على من يعانون من نفس المشكلةب.
وتستطرد: اشعرت وكأن ما حدث معي كان كالعصا السحرية التي أعادت لي الروح وجعلتني أعود إلى هواية الطهي التي أعشقها، فهذا التفاعل الكيميائي بيني وبين أدوات المطبخ وروائح الطهي نتجت عنها طاقة إيجابية حسنت من حالتي النفسية والمزاجية بشكل لا يصدقب.
وأشارت مي حسن إلى أنها تعتبر هذا اليوم فاصلاً في حياتها، حيث اكتشفت بالمصادفة البحتة تأثير الطهي على التواصل والتآلف وهو ما دفعها إلى تعميم التجربة عبر صفحتها الشخصية على موقع الفيسبوك الإلكتروني، حيث دعت فيه كل من يرغب في إعداد طبخة للتجمع في مكان وموعد محدد.
لن تكن مي حسن لتتوقع الاستجابة السريعة لدعوتها الأولى، حيث لاقت استحسانا كبيرا لدى المشاركين ممن يعانون من نفس مشكلتها، مشيرة إلى أنهم تشاركوا حتى في تسمية المشروع، واستقروا على اسم احلة وصلب اسماً له.
وكلمة احلةب تعني باللهجة المصرية وعاء الطبخ، ليكون لهذا الاسم معنى عميق يتعدى فكرة الطبخ لمجرد إشباع البدن إلى إشباع الروح والنفس عبر التواصل مع المحيطين والتعبير عن المشاعر والإحساس من خلال استخدام الحواس الخمس في أثناء تطبيق الطبخة بشكل جماعي.
االطبخ يجعلنا نعيش اللحظة بعيداً عن التفكير في الماضي بكل أوجاعه والخوف من المستقبل بكل مخاوفهب. وتضيف: عندما نكون في حالة صدمة أو نهاية علاقة سيئة يحاول الطبيب المعالج تطبيق مبدأ اأنا هنا.. أنا الآنب في العلاج وهو نفس المبدأ الذي ترسخه فكرة الطهي الجماعي بالاندماج والانتباه لما نفعله في وقته.
وتضيف مي حسن أن هذا النوع من العلاجات البسيطة أصبح معترفاً به دولياً، ويعرف بالتنشيط السلوكي من خلال الطهي؛ لأنه يشعر الإنسان بالسعادة لمجرد شم رائحة الأكل المطبوخ أو المخبوز.
هي مبادرة لتسهيل التواصل مع الآخرين بالطهي الجماعي
«حلة وصل» من المحلية إلى العالمية
لم تتوقف مي حسن عند هذا الحد، حيث قالت إنها وأثناء فترة كورونا التحقت ببرنامج ارابحة لتمكين المرأةب بالجامعة الأمريكية بدعم من المجلس القومي للمرأة، وبالتعاون مع اهيئة الأمم المتحدةب ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية االيونيدوب وفازت بمشروعها، وهو ما شكل دعماً معنوياً كبيراً لمشروعها الإنساني الكبير.
وتستطرد مي حسن إنها تلقت تدريبا مكثفا عن طريق البرنامج سالف الذكر في كيفية تعزيز المشروعات الصغيرة كالخياطة وتصنيع المنتجات اليدوية، ومن هنا بدأت في تنفيذ مشروعها بشكل احترافي بحت.
مر عام على الفوز لتأتي المفاجئة الكبرى، حيث نشرت الجامعة الأميركية لقاءها مع مي حسن الذي أجرته إبان المسابقة، وكانت قد تحدثت من خلاله عن مشروعها ليتلقفه موقع Women Of Egypt ويكتب هو الآخر نبذة عنها وعن المشروع، لتبدأ قصتها في الانتشار السريع لتتحول تلك الشخصية الانطوائية الحزينة إلى ناشطة اجتماعية يملأ اسمها الاعلام العادي والإلكتروني.
ويقام التجمع الممول ذاتياً مرة كل شهر في أماكن مفتوحة وفق جدول زمني محدد يتم إعلانه عبر صفحة احلة وصلب الإلكترونية، حيث يجتمع فيها الأشخاص من مختلف الأعمار لاستكشاف طرق جديدة ومبتكرة للتواصل مع الآخرين عن طريق الطهي الجماعي الذي لا يشترط فيه إتقان الطبخ بقدر ما هو وسيلة لبحث روح المحبة والتآلف بين المشاركين بدون منافسة أو أحكام مسبقة. النقطة المهمة التي تود مي حسن أن توضحها هي أن الذين يحضرون هذه اللقاءات ليس شرطاً أن يكونوا في معاناة نفسية، فقط كل ما يحتاجونه هو االونسب والتجربة المختلفة.
وأشارت إلى أنه على كل مشارك في التجمع عمل الطبخة التي يريد بالمكونات التي تقدمها دون أي قيد أو شرط اكل شيء مقبولب لأنه صنع بحب، وقد يكون هذا المبدأ الذي يحرصون عليه، وهو سبب أساسي في مشاركة الأطفال والرجالب.
وتحلم مي حسن بأن تمتلك مساحة من الأرض تُخصص للطبخ تستطيع من خلالها أن تخدم أكبر قدر من الانطوائيين وأصحاب المشاكل المشابهة.