نوافذ جميلة على عقول ونفوس تكتب لنا السيرة الذاتية للأدباء.. عالم داخلي مثير لعقل وقلب وروح الروائي
السيرة الذاتية هي نبع غزير لحكايات وقصص حياة بأكملها يكتبها لنا صاحبها كي يبوح لنا بعالمه الداخلي الذي لم نكن نعرفه.. السيرة الأدبية التي يكتبها الأدباء على وجه التحديد هي قطع فنية بكل المقاييس، فهي مسيرة الأديب في الداخل مع نفسه وأفكاره ومشاعره، ومسيرة في الخارج مع الظروف والشخصيات التي مرت بحياته.. هي إذن مسيرة العقل الذي كتب والروح التي أبدعت وهي كشف ساحر لعالم داخلي مثير لعقل وقلب وروح الروائي، وهي نوافذ مضيئة على عقول ونفوس تكتب لنا ليس بالكلمات فقط بل بأجزاء حقيقية من نفوسها.
واسيني الأعرج: مي.. ليالي إيزيس كوبيا
اأتمنى أن يأتي من ينصفني يوماً ما بعد موتيب.. عبارة ردّدتها الأديبة اللبنانية الفلسطينية مي زيادة (1886-1941)، التي عاشت سيرة إنسانية مؤلمة، جرّاء تجارب الفقدان المتلاحقة، بدءاً من رحيل والدها، ثم رحيل احبيبهاب الشاعر جبران خليل جبران، وبعده والدتها خلال فترة وجيزة.
مي زيادة: شاعرة وأديبة فلسطينية، وواحدة من رواد وأعلام النهضة الأدبية البارزين في تاريخ الأدب النسوي العربي في النصف الأول من القرن العشرين. كما يقدمها لنا موقع هنداوي بأنها ولدت ماري إلياس زيادة، المعروفة ﺑ امي زيادةب، في الناصرة بفلسطين عام ١٨٨٦م، لأب لبناني وأم فلسطينية. ارتحلت مع ذويها إلى مصر، واستقرت هناك بعد أن عمل والدها محرِّرًا لجريدة المحروسة.. استطاعت إجادة العديد من اللغات، كما درست وطالعت كتب الفلسفة، والأدب، والتاريخ العربي والإسلامي. انفتحت على أجواء النهضة الثقافية والحضارية الموجودة في القاهرة آنذاك، فكانت تعقد ندوة أسبوعية باسم اندوة الثلاثاءب وكان يحضرها الكثير من رموز عصرها من أدباء وشعراء ونقاد، وقد أغرم الكثير منهم بمي، إلَّا أن قلبها لم يمل إلا لشخص واحد هو جبران خليل جبران، الذي ظلت مأخوذة به طوال حياتها، وتبادلا الرسائل مدة عشرين عامًا برغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة!
نشرت العديد من الكتب، تأليفًا وترجمةً، كما نشرت العديد من المقالات والأبحاث في كبريات الصحف والمجلات الأدبية والفكرية مثل: المقطم، والمحروسة، والزهور، والأهرام، والهلال، والمقتطف.
عاشت الاثنتي عشرة سنة الأخيرة من حياتها في مأساة حقيقية، حيث فقدت ثلاثة من أقرب الأشخاص إليها واحدًا تلو الآخر، هم والدها الذي توفي عام ١٩٢٩م، والحبيب جبران خليل جبران الذي تلاه في عام ١٩٣١م، وأخيرًا والدتها التي فارقت الحياة بعده بعام، هذه المفجعات المتتاليات جعلتها تقضي بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية، ثم خرجت بعدها وأقامت عند الأديب أمين الريحاني عدة أشهر عادت بعدها إلى مصر لتموت بالقاهرة في ١٩٤١م، تاركةً وراءها إرثًا أدبيًّا رائعًا ومتميزًا.
شخّصت حالة مي زيادة يومها بالاكتئاب ثم الجنون، إذ وُضعت قسراً في العصفورية ومراكز علاج الأمراض النفسية والعقلية لنحو سنتين، ودفعت ثمن حزنها حريتها، لأسباب متداخلة عائلية واجتماعية.
مأساة مي بعد ما استدرجها ابن عمها إلى لبنان واتهمها بالجنون للاستيلاء على أموالها وممتلكاتها فأصيبت بالاكتئاب!
وتأتي رواية السيرة الذاتية اليالي العصفوريةب، عن حياة مي زيادة، حيث تعيد سيرتها إلى الأضواء للأديب الجزائري واسيني الأعرج. يبدأ الكاتب بحيلة لطيفة.. يوهمك أن هذه هي مذكرات مي السرية وما هو إلا ناقل لها..
وقد حاول واسيني قدر المستطاع إنصاف مي والتحدث بلا خجل أو مواربة عما فُعل بها، وعن كل الخذلان الذي مزّق روحها.
الرواية تركز على قصة مخطوطة اليالي العصفوريةب لمي زيادة التي دونت فيها فترة احتجازها في مصحة الأمراض العقلية في لبنان مأساة مي بعد ما استدرجها ابن عمها إلى لبنان واتهمها بالجنون للاستيلاء على أموالها وممتلكاتها كانت في حالة اكتئاب وحزن شديد لفقد الأحباب بدءا بوفاة والدها، وبعده جبران خليل ثم والدتها اقتادوها بالقوة إلى العصفورية، وفي البداية لم تجد بجانبها من يدعمها ويساندها إلا القليل فأين الذين أحبوها.. أم أنهم أحبوا فيها فقط صورة المرأة الشرقية المختلفة عن السائد في ذلك الوقت.
وخلال الحكي عن أيام المعاناة والألم، يحكي الكاتب أيضا عن حياتها وأسرتها وعلاقاتها في سرد معبر عن فوضى المشاعر ومرارة الخذلان، والامتنان لمن أعانها حتى النهاية للخروج من المحنة.
بهاء طاهر – السيرة في المنفى
يعتبر بهاء طاهر واحداً من أهم الروائيين المصريين والعرب، فهو الحائز جائزة الدولة التقديرية وجائزة البوكر العربية وجوائز أخرى كثيرة، منها جائزة مؤتمر الرواية، وصاحب الروايات الشهيرة التي نالت تقديرا على المستويات العادية والنقدية، ومنها الحب في المنفى وواحة الغروب وخالتي صفية والدير ونقطة النور وسرق النخيل وقالت ضحى.
روايته عن سيرته الذاتية بعنوان: االسّيرة في المنفى- سيرة روائيةب يستدعي فيها بهاء ذكريات الماضي في حياته وذاكرته القديمة، كما يستدعي فيها غربته في المنفى الإجباري بعد أن تم الاستغناء عنه من الإذاعة المصرية منتصف السبعينيات لأسباب تتعلق بالتعبير عن أفكاره السياسية بعد اتهامه بالشيوعية، وهي تلك التهمة التي كانت سائدة في تلك الفترة تجاه من يفكر بشكل مختلف ضد التيارات السياسية والاجتماعية الرسمية.
في هذه السيرة الذاتية يأخذنا بهاء طاهر في عالمه الخاص الداخلي بأسلوب ممتع وسرد جذاب، فينجح في أن نقطع معه رحلته الخاصة الداخلية والخارجية في بيئته الجنوبية بمصر، وكذلك في منفاه من مصر، حيث استقر في سويسرا وبالتحديد في جنيف بين عامي 1981 و1995.
بهاء طاهر سرد حكاياته الخاصة بين أبيه وأمّه.. بين «ستيفكا» زوجته وبينه.. وأسراره التي عاشها في الماضي.. أسرار الغربة التي أطلق عليها «منفى»
في هذه السيرة المُلهمة، لم يكن الروائي الكبير بهاء طاهر يتوانى في سرد حكاياته الخاصة بين أبيه وأمّه، بين استيفكاب زوجته وبينه، عن أسراره التي عاشها في الماضي، أسرار الغربة، التي أطلق عليها امنفىب، وبالتالي فالكتاب مليء بالحكايات الغنية المُضحكة المُبكية في الوقت نفسه.. في هذا الكتاب، سيرة إنسانية كُبرى، جوانب لا يعرفها أحد عن ابهاء طاهرب، لقطات لم تُكتب في رواياته، ولم تسجّلها سوى ذاكرته. في هذا الكتاب سنرتحل مع ابهاء طاهرب الإنسان أكثر منه ككاتب. وفي نهاية هذه الرّحلة أو السيرة سنكتشف ونستخلص الجوهر الأصيل الحقيقي الذي انطلقت منه كتابات بهاء طاهر وطافت العالم.
من المقاطع الجميلة في السيرة:
اهذه الحياة، آه الحياة، لم أجد فيها شاطئا آمنا كفاية لعورات روحيب.