سوزان رمسيس: رحلة رمسيس ويصا بدأت بأولاد وبنات اشترى لهم الألوان والأنوال

كان الفنان رمسيس ويصا واصف من الرعيل الأول ممن تخرجوا في كلية الفنون الجميلة من العاصمة الفرنسية باريس، ثم شغل منصب رئيس قسم العمارة وتاريخ الفن بكلية الفنون الجميلة جامعة القاهرة في أربعينيات القرن الماضي. كانت لديه القناعة بأن القرية المصرية عامرة بالفن والفنانين بما يحملونه من تراث وتاريخ عبر السنين لم يعكر صفوها ضجيج المدن، فاختار قرية «الحرانية» التي لا تبعد كثيرا عن أهرامات الجيزة، إحدى عجائب الدنيا، والتي برع في بنائها الفنان المصري القديم منذ آلاف السنين، فقرر أن تكون البداية هناك، حيث البساطة والفطرة السليمة.. هكذا وصفته ابنته سوزان رمسيس.. فكيف كانت البداية؟ وكيف وصلت الفكرة إلى كل هذا النجاح والإبداع؟
أشارت سوزان رمسيس نجلة الفنان رمسيس ويصا واصف إلى أنه قد بدأ رحلته بعدد من الأولاد والبنات بعد أن شيد له تلك الغرفة، واشترى لهم الأنوال والخيوط الملونة، جلس معهم، علمهم كيف تكون البدايات، ثم تركهم يبدعون، لتتحول تلك الغرفة إلى صرح فني يشار إليه بالبنان يقصده طلاب الفنون والتربية الفنية والفنون التطبيقية من الأنحاء كلها، حتى ذاع صيت المركز عالميا، فشارك أبناء المركز بأعمالهم وبما نسجوه بالعديد من المحافل الدولية، وحصدوا العديد من الجوائز حتى صارت الحرانية ومركز رمسيس، ويصا مقصدا للفنانين ووسائل الإعلام المختلفة، وقالت إن المركز احترم فنانيه منذ نشأته، فكان يمنحهم المكافآت تشجيعا لهم حتى وصلت إبداعات الحرانية للعالمية، فكانت البداية مع الملحق الثقافي السويسري بالقاهرة، الذي قرر أن يقيم معرضا للمركز في مدينة بال السويسرية عام 1958 حيث شهد إقبالا كبيرا، وطلب مسؤولو العديد من المتاحف الأوروبية عرض منتجات المركز في صالاتهم.
وأضافت ويصا أنها نشأت وسط عائلة تعشق فنون النسيج، حيث كانت والدتها ضمن فنانات المركز المتميزات، مؤكدة أن الغزل على النول يعلم الصبر، مما دفعه لأن يبدأ في تعليم الأطفال منذ صغرهم، حيث كان الشباب منشغلين بدخول الميكنة والتكنولوجيا، ولم يكن لديهم الصبر مثل الصغار ممن حرمتهم ظروفهم تارة، والعادات والتقاليد تارة أخرى من التعليم، خاصة الفتيات، فقرروا أن يتعلموا حرفة فنية يعبرون من خلالها عن مشاعرهم، ويعيشون حياة كريمة، للمركز الفضل في تخريج مئات الفنانين.
واللافت أن أبناء المركز لا يغادرونه ولا يتركونه أبدا ضمن هؤلاء ممن التقيناهم في جولة “أسرتي” داخل المركز:
ماء وخضرة ووجه حسن
البداية كانت مع لطفية شعبان التي تبلغ من العمر 69 عاما والتي كانت قد انضمت للمركز منذ كانت في السابعة من عمرها، تقول: جئت هنا مع ابن خالتي الذي كان يعمل بالمركز، أحببت المكان وتعلقت به، تعلمت واجتهدت فتميزت، تقول: بفضل تشجيع الفنان رمسيس لي كنت أبذل قصارى جهدي، أواصل العمل لساعات طويلة، اعتمدت على الطبيعة الريفية في معظم لوحاتي خضرة وماء ووجه حسن. المركز أعطانا الأمان كل واحدة معها مفتاح غرفتها والتي هي جزء من حياتها بيتها الثاني، أقضي معظم وقتي بالمركز، واعتبرها من أسعد أوقات حياتي خاصة عندما أتجول مع المهندسة سوزان في حديقة المركز نسمع أصوات الطيور ونستوحي أفكارنا من الطبيعة.
محروس عبده:
الجيل الجديد معندوش صبر ولو عاد بي الزمن لاخترت العم رمسيس
وأما العم محروس عبده الذي يبلغ من العمر 58 عاما، منها 49 عاما قضاها بين أروقة المركز يقول: أنا هنا مرتاح نفسيا وماديا، ولا ينقصني شيء، مهنة غزل النسيج اليدوي تعلمت منها الصبر، أقضي بالمركز ساعات طويلة تتجاوز أحياناً 12 ساعة متواصلة لإنجاز لوحة قد تستغرق عاما من العمل، يقول: فرحتي الكبيرة عندما انتهى من نسج اللوحة، وأسمع كلمة ثناء من السيدة سوزان. وأما عن الجيل الجديد، فأشار إلى أنهم “ماعندهمش صبر وعاوزين كل حاجة بسرعة، وده ماينفعش في مهنتنا”.
تحية إبراهيم:
لوحاتي وصلت للعالمية ولن أتخلى عن أصحاب الفضل عليّ
فيكتوريا وألبرت بلندن ومتحف الحضارة بفرنسا
وأما تحية إبراهيم إحدى فنانات المركز من الرعيل الأول، فتقول: وصلت للمركز وعمري 9 سنوات مع عماتي وأولاد عمي، كنت أجلس معهم يوميا أستمع وأشاهد لمدة 3 أشهر، ثم بدأت العمل، وأنتجت العديد من اللوحات الفنية، ولي الشرف أن لي لوحة بمتحف فيكتوريا وألبرت بلندن من سنة 2012 ولوحة تانية بمتحف الحضارة الفرنسية من 2017، وكل هذا بفضل المركز وما تعلمته فيه، وأنها لا يمكن أن تترك هذا المكان صاحب الفضل مهما كانت العروض والمغريات، وأما عن أنواع المنسوجات التي تعمل بها، فقالت: إن اللوحات الكبيرة تعتمد على نسيج الصوف، وينفذ على أنوال رأسية، وأما نسيج القطن، فيتم تنفيذه على أنوال أفقية، وأن الوقت المستغرق لإنتاج اللوحة قد يتجاوز العام وعدة شهور في كثير من الأحيان.
إكرام نصحي:
مع شريكة حياتي نعمل على استمرار المسيرة وفتح المركز لرواده
وأما مدير المركز إكرام نصحي، فيقول: والدي كان صديقاً شخصياً للفنان رمسيس، وكان يصطحبني للمركز الذي تعرفت فيه على شريكة حياتي سوزان رمسيس، واستمرت المسيرة بعد وفاته في تعليم أبناء القرية وفتح المركز لرواد الفن، كما أوصى الفنان رمسيس، وعن وضع المركز على الخريطة السياحية لمصر، قال إنه لا يتمنى ذلك لأنه ليس كل من يزور مصر يتذوق هذا الفن، وإنما من يتذوق الفن، ويعرف قيمته فأهلا به وسهلا.
ويقول المركز عامر بفنانيه ممن تتلمذوا على يد المؤسس رمسيس ويصا، ونفخر بأن لدينا تحية التي بدأت منذ 50 عاما ولها لوحة بمتحف لندن، وأخرى بباريس عليها توقيعها الشخصي، واسم المركز الذي يرمز له بحرفين W W.
كما أكد أن لدى كل شخص منا قدرة إبداعية يمكن أن تتلاشى إن لم يتم صقلها وتنميتها.
نجلاء فاروق:
نحن مغرمون بالنسيج
ولا يشغلنا الإنترنت
أو التواصل الاجتماعي
الراحة النفسية في العمل والصبر
وأما نجلاء فاروق فهي من مواليد المركز، حيث كانت تعمل والدتها، تقول: تعلمت على يد ماما سوزان الراحة النفسية في العمل والصبر، والكل هنا متعلق بالمركز وبمن فيه، ونأتي ونعمل ونحن سعداء. وأشارت إلى أن من يعملون بالنسيج لا يهتمون كثيرا، ولا يشغلهم الإنترنت ولا وسائل التواصل الاجتماعي.
أجمل لحظات حياتي
وأما نجاح السيد فتقول: جئت إلى هنا سنة 1990 وعمري 10 سنوات ارتبطت بالمكان، ولم أشعر بالغربة، اكتشفت سوزان موهبتي وأن لديّ الحس الإبداعي في صناعة السجاد اليدوي، ورغم الجلوس أمام النول لساعات طويلة، فإن أجمل أوقاتي هي التي أقضيها بالمركز، فهو أحسن حاجة في حياتنا وأن كل سنتيمتر أغزله أتعلم منه، فالتعليم لا يتوقف في تلك الصنعة التي بدأها رمسيس ويصا، إبداع جميل، وفن صادق، “كل حد يزور المركز يشعر بالطاقة الإيجابية التي تملأ المكان”.
علي إبراهيم:
الفن لا يقدر بمال وكل لوحة قطعة من عمر صانعها
وأما العم علي إبراهيم، الذي يبلغ من العمر 72 عاما، فيقول: بدأت منذ 63 عاما وعمري 9 سنوات ضمن أطفال القرية ممن انضموا للمركز، وبسؤاله لو عاد بك الزمان ماذا كنت ستفعل، يؤكد أنه كان سيختار العمل نفسه ضمن أسرة مركز رمسيس ويصا قائلا: “دي عشرة عمر وكل سجادة هنا، وكل شبر في المركز له قصص وذكريات”، ويروي لنا عما نسجه بخيوطه عن إخناتون أحد ملوك الفراعنة، وأخرى عن تاريخ مصر القديم، وتعاقب الليل والنهار، ويروي العم علي ذكرياته عن رحلة الأقصر وأسوان، والتي استغرقت أسبوعين والتي انطبعت في ذاكرته، وعاد للمركز ليسجل ما رآه في لوحة استغرقت ثلاث سنوات ونصف السنة، ويقول: “أنا من الحرانية ولم أخرج منها إلا في سفراتي مع السيدة سوزان في سنة 1972 إلى لندن ثم إلى ألمانيا، هذا المركز هو بيتي الأول، وهذه مهنتي منذ طفولتي، يومي هنا يبدأ من الثامنة صباحا، وينتهي في الرابعة عصرا، ولا أعرف شيئاً عن التواصل الاجتماعي والإنترنت، كل حياتي عمل وفن وإبداع، أنا وزملائي من الفنانين”.
وأما عن أسعار اللوحات، فقال: “إن الفن لا يقدر بمال الدنيا كله، وبعض اللوحات تتخطى قيمتها 250 ألف جنيه، وفور انتهاء العمل الفني يتم تقييمه ماديا، ويتقاضى كل منا أجره دون انتظار لبيع القطعة”.
«أسرتي» في كل مكان
مجدي فؤاد